العمل - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العمل

نشر فى : الخميس 11 ديسمبر 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الخميس 11 ديسمبر 2014 - 7:50 ص

عزيزتى المواطنة الواعية وعزيزى المواطن الواعى، وبالأمس مر اليوم العالمى لحقوق الإنسان التى كثيرا ما أتناول انتهاكها فى واقعنا المصرى ونواقصها العديدة على المستويات الشخصية والمدنية والسياسية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية وأناقش منها هذه المرة العمل كحق وقيمة، أسألكم هل تعرفون كيف ترسخ بعض المجتمعات المعاصرة للعمل كحق وقيمة فى ضمائر وعقول الناس؟

فى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وفى البلدان الاسكندنافية، يستيقظ الأطفال (ما أن تبدأ أغلبيتهم فى الذهاب إلى رياض الأطفال فى عام حياتهم الثانى) على أصوات الأمهات والآباء تقول لهم بصياغات لغوية قاطعة «حان وقت العمل» ــ يصبح الذهاب إلى رياض الأطفال والمدارس هو علاقة العمل الأولى فى حياة الإنسان وعليه تتأسس ملامح أولية لفكرة الالتزام ومنظومات الحقوق والواجبات.

فى الكثير من المجتمعات الآسيوية والأوروبية والأمريكية الشمالية، تُدار قطاعات التعليم المدرسى والجامعى على نحو يخلق حوافز دائمة للجدية والاجتهاد والبحث عن التفوق عبر العمل ويضمن تشجيع القدرات الفردية والمواهب الإنسانية حين تقترن بالالتزام ــ وتتشابه هنا المؤسسات التعليمية والجامعية المدارة والممولة حكوميا وتلك الخاصة إدارة وتمويلا، وتتقاطع خبرات المجتمعات الديمقراطية مع بلدان لديها نظم إدارة عامة حديثة وتنموية وتغيب عنها الديمقراطية، وإن تواصل تميز الديمقراطيات فى مجالات تأهيل المواطن بعد التعليم المدرسى والجامعى للعمل فى سياقات ترتبط بالمبادرة الفردية ولا تهمش بها حريات الإبداع والفكر والتعبير عن الرأى.

فى حالتى اليابان وألمانيا، وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بدمارهما شبه التام، ترسخ العمل كحق وقيمة فى سياقات استثنائية تلتزم بها المؤسسات العامبالتقشف وضغط النفقات الحكومية والمؤسسات الخاصة طوعا بهوامش ربح محدودة حتى يعاد بناء المجتمع وقطاعاته الحيوية والمواطن بالامتناع عن الاستهلاك التفاخرى وبالسعى للإدخار لتوفير الرصيد المالى الذى يمكن للمؤسسات العامة والخاصة التعويل عليه فى عمليات إعادة البناء، وفى المقابل يضمن للمواطن العمل كحق وقيمة تعنى الحياة الكريمة والترقى التدريجى مع تحسن مجمل الأحوال المجتمعية. وما زالت الطبيعة الاستثنائية لترسيخ العمل كحق وقيمة فى اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية تميزهما عن البلدان الأخرى القريبة منهما وتباعد بينهما وبين أزمات العجز الاقتصادى والمالى المتواصلة فى آسيا وأوروبا.

فى الكثير من المجتمعات المتقدمة والبلدان الصاعدة اقتصاديا واجتماعيا وأحيانا سياسيا بمضامين ديمقراطية (وعدد محدود منها أصبح معنا فى القارة الإفريقية)، يرسخ للعمل كحق وقيمة بمواد دستورية وقانونية تضمن شروطا آمنة وعادلة للعمل فى المؤسسات العامة والخاصة، وتمنع الاستغلال والاحتكار والفساد والمحسوبية وغيرهم من الظواهر التى تعصف بقواعد المساواة والمنافسة الحرة وأولوية الكفاءة، وتحمى شرائح العاملين المختلفة حال التعرض للبطالة أو العجز أو احتياج مظلة التأمينات الاجتماعية، وتناهض التمييز ضد النساء أو ذوى القدرات/ الاحتياجات الخاصة أو الفئات المجتمعية المهمشة وتجرم عمالة الأطفال، وتفعل التضامن عبر الأجيال باستثمارات عامة خاصة لتوفير خدمات تعليم وصحة ورعاية جيدة للأطفال والشباب ومتوسطى العمر وكذلك رعاية متكاملة بعد التوقف عن العمل وبلوغ سن المعاش (بين 65 و70 فى الأغلب الأعم) ــ ويتواكب مع كل ذلك فى البلدان الديمقراطية تحفيز للجدية والاجتهاد والتميز فى العمل تمارسه المؤسسات العامة والخاصة الملتزمة بالشفافية ومحاربة الفساد، وتشترك به منظمات المجتمع المدنى مع الدولة، التى لا تقمعها أو ترهبها، ولا يبقى المواطن بعيدا عنه لإيمانه بضرورة المشاركة فى إدارة شئون المجتمع والدولة ولوجود دساتير وقوانين ومؤسسات وإجراءات تضمن حقوقه وحرياته.

نستطيع أيضا أن نرسخ للعمل كحق وقيمة فى مصر، وما أحوجنا إليه، بشرط تمكين الناس فى إطار من العدل والمساواة وضمان الحياة الكريمة ومحاربة الفساد ومناهضة التمييز، بشرط الشراكة الحقيقية بين المواطن والمجتمع والدولة فى إطار من سيادة القانون والإدارة الحديثة والشفافية، بشرط الديمقراطية، التى ليس أمامنا إلا آلياتها لنسمع بعضنا بعضا ولكى نتقدم بمصر بمواردها المحدودة وبكثافتها السكانية المتزايدة.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات