النهى عن المنكر (1 ــ 2) - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النهى عن المنكر (1 ــ 2)

نشر فى : الجمعة 12 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 أبريل 2013 - 8:00 ص

«أكبر معروف» يفعله الإنسان أن يستطيع منع حدوث الخطأ، وان يستطيع محو آثار الخطأ إذا وقع وأن يتمكن من سرعة تصحيح الخطأ، وجدير بالإنسان أن يخطط لأى عمل بما يضمن عدم وقوع الأخطاء كما يضمن سهولة محاصرة الخطأ أو التمادى فيه ومنع الأخطاء وتصحيحها هو «النهى عن المنكر» وهو الوجه الآخر لفريضة الأمر بالمعروف، والأخطاء والمنكرات تطول جميع الأعمال فى جميع المستويات لذلك تصدى الشرع الحكيم لتنظيم النهى عن المنكر تنظيما يضمن منع حدوث المنكرات كما يضمن حسن مواجهتها إذا ظهرت، وذلك واضح فى حديث الرسول (ص) (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان).

 

(2)

 

جاء هذا الحديث النبوى مبينا لطريقة وأساليب تنفيذ فريضة «النهى عن المنكر» حتى لا يتزاحم الناس على «منكرٍ ما» لتغييره فيحدثون اضرارا تزيد عما يهدفون إلى اصلاحه، فلا يحق لكل الناس أن يمارس وظيفة «النهى عن المنكر» فى أى وقت، ومع أى شخص، وبخصوص أى عمل، فالحديث النبوى يحدد ثلاثة مستويات للتصدى للمنكرات، وأول هذه المستويات الثلاثة مستوى التغيير باليد، وذلك أمر مقصور على من يملك سلطة رسمية صحيحة فقط مثل سلطة وواجب الوالد نحو أولاده القصر، وسلطة وواجب المدرس نحو تلاميذه فهو الذى يملك تقدير مستواهم العلمى وتقدير الدرجات نجاحا أو رسوبا، وعقاب التلميذ بالعقوبات المناسبة مثل المنع من الحضور أو المنع من الترفيه أو تأخير ترتيبه، وهنا يجب أن نتوقف لنبين أبعاد سلطة المدرس / مدير المدرسة / عميد الكلية / الخ.. فسلطة هؤلاء فى تغيير المنكر باليد لا تعنى ضرب التلميذ ولا منعه من مواصلة التعليم بل ولا تكبيده ما يشق عليه بسبب طلب العلم، بل المقصود التغيير باليد هو السلطة التنفيذية فى تقدير قدرات التلميذ، وتحذيره من الإهمال،وتحديد مواعيد حضوره وانصرافه، وتحديد ما عليه من أعباء دراسية وبحثية أو تكميلية فتصبح القرارات المانعة لهؤلاء «بالتصويب والتأديب»، ملزمة للطلاب وتلك حدود سلطتهم فى تغيير المنكر باليد أى بالفعل النافذ طبقا للقانون واللوائح، وسلطة رئيس العمل نحو مرءوسيه (متابعة / محاسبة / ترقية / أيقاف / الخ)، كل ذلك من فروع تغيير المنكر باليد، وكذلك الطبيب المعالج فهو صاحب الشأن فى تقرير مدى صلاحية الأدوية وأساليب العلاج وتصحيح مسار علاج المريض وطعامه ومروره بمراحل العناية المختلفة حتى شفاءه، وتتجلى سلطة الأطباء فى تغيير المنكر باليد فى تعليماتهم سواء للعاملين تحت رياستهم أو للمرضى أو لزائرى المرضى أو المتعاملين مع المؤسسة الصحية، فللمسئول منع الزوار من الزيارة، ومنع أنواع الأطعمة المعوقة للعلاج، ومنع السلوك المنافى للصحة والراحة، ولهم منع الجميع ــ داخل المصحات ــ من الضوضاء، والتدخين، والتلوث بجميع أنواعه..الخ، ولهم استدعاء الشرطة للمخالفين وتنفيذ القانون على العاملين..الخ، وقس على ذلك صلاحيات أهل الاختصاص فى كل عمل، فمثل هؤلاء هم المكلفون شرعا بتغيير المنكر باليد عمليا، أما غير هؤلاء فلا يملكون أدنى سلطة لتغيير ما سبق ذكره، وليس لعامة الناس فى تلك المجالات إلا الطلب والاقتراح أو الشكوى والمقاضاة حسب ما تسمح الظروف وبلباقة متناهية.

 

لسنا فى حاجة إلى التذكير أن الابن لا يملك استعمال يده أو قوته فى تغيير منكر رآه فى والده، إذ ليس له إلا النصح مهما كان ما يفعل الآباء « "في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف 47" كذلك قول الله تعالى " وإن جهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما تعلمون". وقد حفظ التاريخ كيف سعى طفلان هما الحسن والحسين (رض) لتصحيح سلوك رجل لا يضبط الوضوء، فقد اتجه الطفلان (رض) إلى الرجل وزعما له أنهما تنافسا فيما بينهما فى إحسان الوضوء وهما يطلبان حكمه، وبعد أن توضأ الطفلان أدرك الرجل أنه هو المخطئ وتعلم منهما كيف يحسن الوضوء، وشكرهما على حسن الصنيع.

 

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات