البورصة..والحلاق.. والتلميذ الخائب - هانى توفيق - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البورصة..والحلاق.. والتلميذ الخائب

نشر فى : الثلاثاء 12 مايو 2009 - 9:56 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 12 مايو 2009 - 9:56 ص

 من المعلوم للقاصى والدانى أن البورصة هى السوق التى يتم من خلالها تبادل الأسهم بين بائعين ومشترين، بالإضافة إلى دورها الأساسى أيضا فى تدبير التمويل اللازم لتوسعات الشركات عند زيادة رءوس أموالها، ومن ثم فهى أيضا ملاذا آمنا إلى حد ما للمستثمرين الذين يعرفون تماما أن فى مقدورهم استعادة أموالهم، مع أرباح معقولة، عند الاحتياج مستقبلا لهذه الأموال. ولكى تضمن الدولة لهؤلاء المستثمرين القدرة على استعادة أموالهم وحسن استثمارها، فقد عهدت بإدارة البورصة لمجلس إدارة يسن القوانين واللوائح اللازمة لحسن سير الأمور وتوفير قدر معقول من الشفافية والإفصاح لهؤلاء المستثمرين، ثم عهدت بالإشراف على البورصة نفسها إلى الهيئة العامة لسوق المال.

وعندما تشذ إحدى الشركات عن توفير القدر الملائم من أساسيات الإفصاح والشفافية، كأن لا تعقد مثلا جمعياتها العمومية لتعتمد الميزانيات والقوائم المالية، أو يقوم بعض أو كل أعضاء مجلس الإدارة بالاستفادة من المعلومات الداخلية المتوافرة لديهم لتحقيق أرباح عن طريق بيع أو شراء أسهم الشركة، وما إلى ذلك من مخالفات لأحكام ومبادئ الحوكمة الرشيدة Corporate Governance، تقوم إدارة البورصة بشطب هذه الشركات من جداولها الرسمية عقابا لها على هذه الممارسات وتحذيرا للمساهمين والمستثمرين من أن هذه الشركات لا ترقى لمستوى التعامل المحترم وعدم ضمان الدولة لأموالهم إذا استثمروها فى شراء أسهم هذه الشركات.

كل هذا مفهوم ومقبول، إلا أن رفع يد الدولة، ممثلة فى البورصة وهيئة سوق المال عن هذه الشركات بعد شطبها، كان يجب أن يعقبه طرد هذه الشركات تماما من حلبة البورصة وبحيث يتم التداول على أسهمها خارج الحدود الجغرافية والإلكترونية للبورصة لكى يصبح العقاب مؤثرا وبناء عليه إما أن تعود إدارات هذه الشركات إلى صوابها ورشدها وتنتظم فى أداء أعمالها وتطبيق مبادئ الحوكمة، أو تذهب إلى أيدى أصحابها يفعلون بها ما يشاءون بعيدا عن المساهمين والمستثمرين الجادين.

كانت كل هذه المقدمة الطويلة ضرورية لكى يتمكن القارئ الكريم من تفهم موقف عندما ذهبت للحلاقة فى صالون معتاد على التردد عليه منذ أكثر من عشر سنوات، وكعادته سألنى الحلاق الذى يعرفنى ويظن أنى عليم ببواطن الأمور فى الاستثمار فى الأسهم بصفة عامة وفى البورصة المصرية بصفة خاصة عن أحد الأسهم الذى أوصاه به جاره الذى يعمل بدوره فى إحدى شركات السمسرة، وعما إذا كان يستطيع أن يحقق عائدا مناسبا على مبلغ من المال يبلغ حوالى مائة ألف جنيه مصرى ورثه هو وأخواته البنات عن والده الذى توفى مؤخرا عن طريق شراء هذا السهم؟. وعندما سمعت منه اسم الشركة مصدرة هذا السهم، نهرته بشدة وحذرته من الاستثمار فى هذا السهم بالذات ولقنته درسا عنيفا فى أصول الاستثمار فى الأسهم، حيث إن هذه الشركة مشطوبة من البورصة لأنها لا ترقى إلى المستوى الملائم، وأن هناك شبهات عديدة بشأن أصحابها الذين لا يعرف أحد أين هم، وما إذا كانوا أساسا أحياء، أم عند ربهم يرزقون؟، وأن من الأفضل له أن يضع هذه الأموال فى أحد أسهم البنوك المحترمة أو الشركات الصناعية العملاقة، بل وذكرت له بالاسم بعض هذه الشركات حتى يتبع نصيحتى ويذهب فورا إلى صديقه السمسار ليستثمر له ما ورثه عن والده فى «حزمة» من هذه الأسهم المنتقاة.

وبعد أسبوع من نصيحتى هذه للحلاق، وجدت أن سعر السهم الذى أشار إليه الحلاق وصديقه السمسار، وغيره من الأسهم «المشطوبة» آخذا فى الارتفاع ووصل هذا الارتفاع فى يوم واحد إلى حوالى 35%، وأن حجم التداول على هذا السهم، وزملائه من الأسهم «المشطوبة» قد تعدى فى يوم واحد أكثر من 250 مليون جنيه مصرى، ما حقق أرباحا غير معقولة بلغت أيضا على مدى الأسابيع الثلاثة ومنذ أن كنت عند الحلاق أكثر من 300%!!!، ما كان سيرفع قيمة ما ورثه الحلاق وأخواته البنات إلى 300 ألف جنيه مصرى فى ثلاثة أسابيع فقط!!! هذا فى حين لم تتعد الزيادة فى أسعار الأسهم «المحترمة» الذى أوصيته بها غير 2% فقط. أنا عن نفسى فقد قررت تغيير صالون الحلاقة الخاص بى تلافيا لنظرات الحلاق وزملائه الذين كانوا يحترموننى لفترة طويلة خلت، وتجنبا أيضا لخطأ يحدثه برأسى قد يتحول إلى عاهة مستديمة لا أستطيع أن أعذره بشأنها، حيث أضعت عليه وعلى أخواته ــ وبحرفية أحسد عليها ــ فرصة مكسب أكيدة، أما غيرى من المستثمرين وصناديق الاستثمار المحلية والأجنبية الجادة التى لا تقرب هذه الأسهم المشبوهة، فلا عزاء لهم فيما حدث، حيث إن البورصة والهيئة العامة لسوق المال وشركات السمسرة فى حالة انشراح دائم لزيادة حجم التداول وحصولهم أولا بأول على عمولات سمسرة وأتعاب يتقاسمونها مع المضاربين العشوائيين وسماسرة الوهم الذين ينصحون عملاءهم بشراء وبيع هذه الأسهم دون الاستناد إلى عناية الرجل الحريص فى علاقتهم مع هؤلاء العملاء.

إن شطب الشركات لعدم انضباطها وتمسكها بالحد الأدنى من الشفافية والإفصاح كان يجب أن يعقبه إزالتها من شاشات التداول تماما وعدم تمكين السماسرة من تتبع أسعارها وإعطاء نصائح بشأنها للمستثمرين، وإلا أصبح الأمر كناظر المدرسة الذى يقوم بطرد التلميذ الخائب أو غير المنضبط وشطبه من سجلات المدرسة، مع تركه يمرح بين زملائه الأكثر انضباطا يعيث بينهم فسادا ومن ثم فقد أصبح شطبه من المدرسة بمثابة مكافأة وليس درسا له ولباقى الطلبة.

هانى توفيق الخبير المالي والاقتصادي ورئيس الجمعية العربية للاستثمار المباشر
التعليقات