حفرة النار - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 28 مايو 2024 3:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حفرة النار

نشر فى : الخميس 12 مايو 2011 - 8:45 ص | آخر تحديث : الخميس 12 مايو 2011 - 8:45 ص

 عندما كتبت فى الأسبوعين الماضيين «وداعا للدولة» ثم «تصفية الثورة» لم أكن أتصور أن الأمور يمكن أن تتدهور بهذه السرعة لكى تخطو بنا خطوة خطيرة نحو حرب أهلية. كنت أشير فى هذا السيناريو على استحياء شديد لأنه لا يعنى تصفية الثورة فحسب وإنما القضاء على المجتمع برمته. اتهمنى البعض بالتشاؤم، فكنت أرد بأننى لست متشائما وإنما أشعر بقلق شديد على مستقبل الوطن، غير أنه اتضح مع أحداث إمبابة الأخيرة أننى كنت فيما يبدو متفائلا أكثر مما ينبغى.

●●●


قصة مملة يكاد الحديث عنها يصبح من روتين حياتنا اليومية. فتيات أو زوجات مسلمات أسلمن وتزوجن من مسلمين ثم اختفين بسبب احتجاز الكنيسة لهن. لا تهم دقة المعلومات، مع أن التثبت من صحتها أو زيفها ممكن فى معظم الأحيان، لا يهم التسليم بأن الدولة وحدها هى المنوطة بحماية حرية الاعتقاد لمواطنيها ناهيك عن حريتهم الشخصية لأن المهم دائما هو توظيف هذه القصص المرسلة فى تفريغ الشحن الطائفى ضد الآخر من قبل قوى بالغة التخلف تحول ديننا الإسلامى العظيم من بناء الحضارة المؤسسة على منظومة من القيم الرفيعة إلى سبب لحرق مجتمع يعتبر حصنا من حصون الإسلام.

ليس لدى ما أضيفه إلى سيل التفاصيل التى نشرت بشأن أحداث إمبابة ــ وبعضها متناقض ــ ولكن تحديد المسئولية فيما وقع ضرورة لأن هناك محاولة للالتفاف حول القوة المحركة للأحداث. والواقع أن ثمة روايات ثلاث فى تحديد مسئولية ما جرى الأولى تنسبه للسلفيين، والأدق أن يقال قطاع من السلفيين، لأن السلوك شديد الغلو المنسوب للسلفيين لا يشملهم جميعا. أما الرواية الثانية فتذهب إلى أن «البلطجية» والذين تحركهم فلول الحزب الوطنى هم المسئولون، وأنهم أتوا من خارج إمبابة كى يشعلوا النار فى نسيج المجتمع المصرى، وتجمع الرواية الثالثة بين الأمرين فمن أشعلوا نيران الأحداث سلفيون وبلطجية. دون نفى لدور النظام السابق فى الأحداث.

تشير عديد من الشواهد إلى مسئولية عناصر تنتمى للتيار السلفى عن الأحداث، سواء لأن «سابقة أعمالهم» بعد الثورة تتضمن استيلاء على كنائس وحرقها وهدم أضرحة لأولياء الله الصالحين، والسيطرة على مسجد تابع لوزارة الأوقاف، ناهيك عن «حد قطع الأذن» الذى اخترعوه وطبقوه بأنفسهم، أو لأن هناك شعارات دينية صريحة ترددت فى أحداث إمبابة. ولنحاول استخلاص بعض الدلالات مما حدث.

●●●


الدلالة الأولى ــ وهى خطيرة ــ أن الفكر اللامؤسسى القائم على تغييب الدولة قد امتد إلى الأفراد العاديين، فالزوج الذى يدعى أن «اتصالا جاءه» (لا ندرى ممن) يخبره بمكان احتجاز زوجته فى الكنيسة أو إحدى البيانات خلفها لم يفكر فى أن يلجأ إلى الدولة لتتثبت من حقيقة الأمر، وإنما لجأ إلى عناصر من السلفيين اصطحبوه على الفور إلى الكنيسة وطالبوا بتفتيشها إلى آخر القصة المعروفة. ولعل هذا هو المعنى الواضح فى كلمات المفكر الإسلامى الكبير المستشار طارق البشرى بخصوص الأحداث حين ذكر بأن الحكومة هى المعنية بهذه الأمور، وأن الناس لا يمكنهم أن يأخذوا القانون بأيديهم.

الدلالة الثانية أن الأحداث بدأت بما يمكن وصفه بسهولة بأنه شائعة مرتبكة الأركان وفقا لوجهة نظر إمام المسجد المجاور، وهو من السلفيين. ويظهر هذا هشاشة الأمن الاجتماعى فى مصر، فثمة مجتمع يعانى من الجهل وقلة الوعى وشظف العيش، وهو على هذا النحو حاضنة مثالية لهذا النوع من الشائعات المخيفة من حيث آثارها المتصورة على أمن المجتمع.

أما الدلالة الثالثة فهى لا تقل خطورة عن سابقتيها وهى هذه الكمية الهائلة من الأسلحة الموجودة بحوزة الأفراد والجماعات فى مصر، وهو الأمر الذى ينذر بتحول أى مشاجرة عادية إلى مواجهة مسلحة دامية على النحو الذى وقع فى أحداث إمبابة.

الدلالة الرابعة هى استمرار ضعف حضور الشرطة، فقد تأخرت فى الوصول إلى موقع هذه الأحداث مع أنه كانت هناك نذر مبكرة بأن شيئا خطيرا سوف يقع، وعندما حضرت كان واضحا أنها غير مستعدة «للضرب بيد من حديد» ربما استمرارا لعقدة 25يناير، فاستنجدت بالجيش الذى قيل إن حضوره الأول كان ضعيفا للغاية ربما كنوع من عدم التقدير السليم لشدة الأحداث ونطاقها وأعداد المتورطين فيها وكمية السلاح الموجود مع الأفراد، ثم زاد حضوره تدريجيا لكى يتمكن بعد جهد ساعات من السيطرة على الموقف.

الدلالة الخامسة والأخيرة هى امتداد نطاق الأحداث إلى خارج موقعها المباشر حيث وقعت اشتباكات عنيفة بالطوب والحجارة فى عصر اليوم التالى فى ميدان عبدالمنعم رياض أدت إلى جرح العشرات وإتلاف ممتلكات، كما تجددت المظاهرات القبطية، واستؤنف الاعتصام المفتوح أمام ماسبيرو طلبا لمحاكمة المسئولين عن الأحداث محاكمة عاجلة واستعادة لطلبات قديمة لم تتم تلبيتها فى الاعتصام السابق. وتعنى هذه الدلالة أن حدثا طائفيا يمكن أن يقع فى القاهرة فتكون له أصداء فى الإسكندرية أو إحدى مدن الصعيد، وهنا مكمن الخطر من السقوط فى آتون الحرب الأهلية.

●●●


اختلف رد فعل «الدولة» المصرية هذه المرة فأعلن المجلس العسكرى التصدى بكل حزم لجميع محاولات المساس بدور العبادة، وتوعد بتوقيع أقصى عقوبة على كل من يثبت اشتراكه فى الأحداث، أما مجلس الوزراء فقد بادر بالاجتماع فورا وأعلن أنه سيظل فى حالة انعقاد دائم وألغى رئيسه د.عصام شرف زيارته للبحرين والإمارات، وصرح بأن مصر فى خطر مشيرا إلى مخطط يهدد كيان الدولة. وفى ردود الفعل هذه سمات إيجابية مثل سرعة التحرك، والشعور بخطورة الموقف والإعلان عن التعامل بكل جدية وحسم مع مرتكبى الأحداث، لكن يبقى التحدى الرئيسى لهذا كله هو فاعلية التنفيذ.

كذلك أجمع ممثلو جميع الأحزاب والقوى السياسية على إدانة ما وقع، وإن لوحظ أن بعضها وإن أدان الفعل ومرتكبيه إلا أنه تحدث عنهم على نحو غير محدد، وانسحب الأمر نفسه على مرشحى الرئاسة الذين بادروا بإدانة ما وقع والتحذير من تبعاته.

●●●


ما العمل إذن إزاء هذا الخطر الداهم؟ لا شك أن حديث المواطنة والخطاب الدينى والإعلامى المستنير عن التنشئة السياسية للمسلمين أمور ينبغى أن تستمر مع العمل على وضعها موضع التنفيذ، لكن الضرورة العاجلة الآن تتمثل فى «إطفاء الحريق»، ولن يحدث هذا إلا بتشديد القبضة الأمنية وهو ما يطرح عودة الشرطة للمرة الألف، كما يثير علامات استفهام كبيرة حول أسباب التأخر فى العودة الفعالة حتى الآن. كذلك فإن جهات التحريض سواء كانت بعض الفضائيات على الجانبين أو التكوينات الغريبة كما فى حالة ما يسمى «ائتلاف دعم المسلمين الجدد» يجب أن يتم التعامل معها بقرارات قانونية سليمة وإن كانت الفضائيات التى تبث من الخارج سوف تستعصى على هذا النهج.

كذلك يجب أن تكون هناك وقفة حازمة وحاسمة من الدولة وقطاع من السلفيين الذين يعملون وفق صحيح الدين مع هذه الفئة من السلفيين التى سوف تفضى أعمالها بالوطن إلى حريق شامل. وثمة ضرورة فى أن تشهر كل الأقلام وتحشد جميع الأصوات وأولها أقلام ممثلى التيار الدينى وأصواتهم ضد هذه الظاهرة لعل القطاع الأقل وعيا أو حتى الغائب عن الوعى من الشعب المصرى يدرك عمق حفرة النار التى تنتظر الوطن إن استمرت هذه الممارسات الضالة.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية