عوائق تجديد الخطاب الدينى 8 ــ قصور علم أصول الحديث - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 23 يونيو 2025 7:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

عوائق تجديد الخطاب الدينى 8 ــ قصور علم أصول الحديث

نشر فى : الأحد 12 يونيو 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الأحد 12 يونيو 2016 - 9:15 م
ــ 1 ــ
يمثل الحديث النبوى الشريف ثروة إنسانية على مستويات كبيرة سواء فى الدين أو التشريع أو الأخلاق فى التربية والاجتماع وعلوم النفس فضلا عن أن الحديث النبوى الشريف هو النموذج الوافى للنسق الحضارى المسلم ثقافيا وحضاريا. ورغم ذلك، فلا يزال هذا الكنز حبيس المدونات والمؤلفات والمكتبات، وإن كان قد زحف إلى نوافذ التقنية الحديثة على «الشبكة العالمية للمعلومات» (الإنترنت)، فهو محبوس عن الناس لأن المتخصصين لم يبتكروا آليات وأدوات حديثة لتناوله تناولا علميا لدرسه واستنباط ما فيه من علوم وحكمة.

ــ 2 ــ

وأول وأبرز سمات التقصير فى حق الحديث النبوى الشريف هذا التقوقع فى علوم «الرواية والدراية» حول ما أفرزته العقول البشرية فى القرون الأولى، واعتبار هذه العلوم البشرية (أنواع علوم الحديث) آليات مقدسة تقديس الحديث النبوى. وأصبح الاقتراب من تلك الأنواع أو الحوار معها أو حتى محاولة تصحيح استعمالها من خلال تطبيق بعض أحكامها بدقة من المحظورات والممنوعات على أهل التخصص العلمى والاختصاص الوظيفى.. ونحن نتفهم إقصاء وإبعاد غير المتخصصين من البحث فى تلك العلوم، ولكن لا نفهم استمرار الأزهر وأمثاله من الجامعات يرددون روايات القرون الأولى دون تمحيص ودون استكمال ودون سعى نحو غايتنا الكبرى ألا وهى إعادة عرض الإسلام على الأمة والعالم أجمع مع استعادة «النموذج النبوى الشريف» إلى واقع الناس لأنه صلى الله عليه وسلم هو وحده «الأسوة الحسنة».

ــ 3 ــ

فالواقع يشهد بعلاقتين لا ينكرهما عاقل، أولاهما: التميز العظيم فى جهود سلفنا فى تأسيس وإنشاء «علوم الحديث النبوى» على مستوى باهر يثبت أصالة فكر المسلمين فى القرون الأولى. أما العلاقة الأخرى فهى تحول تلك العلوم المبتكرة إلى «مقدسات» لا يلحق بها ما تستحق من نقد وتجديد واستكمال، وكأن الله يريد ــ حاشا لله ــ تقديس تلك المبتكرات وأصحابها ــ كما هى ــ رغم أن كل العلوم البشرية سواء فى مجال التدين أو مجال النظر أو التطبيق.. كل هذه العلوم هى قدرة عقلية تناسب وقتها وبيئتها زمانا ومكانا. وكلما تغير الزمان والمكان أرى العلوم والفنون يعاد تشكيلها وتدعيمها وجعلها كافية شاملة لإجابة الأسئلة المستجدة، ومواجهة التغيرات المتجددة، ونرى كل ذلك فى كل شىء إلا فى علومنا الخاصة ومنها نتعلم مصطلح الحديث أو علم الرواية والدراية أو أصول الحديث.

ــ 4 ــ

وإذا كان السلف الصالح رضى الله عنهم قد تكبدوا عظيم المشاق وبذلوا الغالى والرخيص سواء فى جمع الحديث النبوى وتدوينه، أو فى توثيق سنده وتدقيق لفظه، فإن ذلك الجهد الضخم والفخم كان يمثل حاجة لذلك العصر.. كما أن أصحاب ذلك الجهد لم يزعموا أنه ليس فى الإمكان أبعد مما كان، إذ لو عاش هؤلاء أكثر من ذلك لاستحدثوا وأضافوا وجددوا، لكن عصور الضعف والتقليد والإحباط قد أفرزت قيدا حديديا هو «إغلاق باب الاجتهاد».. وقد نعذر أصحاب قرار غلق باب الاجتهاد نظرا لتحوطهم من المرتزقة والمتربحين، فقد خاف أصحاب المنع من جرأة هؤلاء على القرآن الكريم من ناحية، وعلى الحديث الشريف من ناحية أخرى، ونسى هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ كتابه ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)). وكذلك يضمن كل ما له صلة بحفظ الكتاب وسريان معانيه من خلال الحديث النبوى ومناهج البحث العلمى المرتبطة به لأنه سبحانه قد أعلن استمرار تيسير الذكر ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ))، وهذا ضمان إلهى لا يقبل التعطيل. وليس معنى ضمان حفظ الله للذكر أن تبقى الأدوات والآليات كما هى مثلما أنتجها البشر دون تصحيح أو نقد أو إضافة، بل المفهوم من حفظ الذكر وضمان تيسيره أن يهب الله فى كل زمان ومكان للبشرية عقولا تقدر على الدرس والبحث والتفقه الجدير بإدخال كل العصور والبيئات تحت مظلة «الوحى القرآنى» وبيانه النبوى الشريف دخولا فقهيا مثمرا دون عنف أو ضغط أو جمود أو صدود.
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات