الديوان والمجلة - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديوان والمجلة

نشر فى : الإثنين 12 يوليه 2010 - 12:48 م | آخر تحديث : الإثنين 12 يوليه 2010 - 12:48 م

 عرفت نبوية موسى المولودة فى17ديسمبر1886الشعر العربى وحفظت بعض قصائده قبل أن تعرف القراءة والكتابة،فقد كان أخوها الأكبر يحنو عليها بعد أن مات أبوها الضابط بالسودان قبل ولادتها، وهذا الأخ الذى يكبرها بعشر سنوات كان طالبا فى الثانوية وقد قرأ عليها وهى فى السادسة من عمرها بعض القصائد المقررة عليه وكانت تحفظها أسرع منه، وأعجبه هذا فقرأ عليها كثيرا من نصوص كتاب الأغانى وغيره فحفظتها كلها قبل أن تعرف رائدة تعليم النساء الألف باء.

ولهذا لم يكن غريبا أن تكتب الشعر فى سن مبكرة، وأن تختص أخاها وهى فى السنة الرابعة الابتدائية بمدرسة السنية عام 1902بقصيدة طويلة فى ديوانها الوحيد الذى صدرت طبعته الأولى فى مايو 1938، وقد عددت فى هذه القصيدة أفضاله عليها من رعاية وعلم، وشكت له من اضطهاد المعلمين الإنجليز لها لتمسكها بلغتها ووطنيتها،حيث تقول فى نهايتها:

فحتَّام أرى فوقى أناسا أرانى فوقهم فعلا وقيلا
وهل يرضيك يا ذا النبل أنى أغادر منطق العرب الجميلا
وأعوج فى كلامهمُ لسانى ليعطونى المُسَوَّل والمَسُولا
ويأبى منطقى إلا اعتدالا كما عودتنى الزمن الطويلا
لكنى سأبذل كل جهدى لعلى فى النهاية أن أطولا

وقد حققت نبوية حلمها، حيث حصلت على دبلوم السنية عام1906، وعينت مدرسة بمدرسة عباس الأميرية براتب ستة جنيهات،لكن زملاءها الرجال خريجو المعلمين العليا كان راتبهم اثنى عشر جنيها، فطلبت من الوزارة مساواتهم فى الراتب لأنهم متساوون فى الجهد، فأخبروها بأن زملاءها قد حصلوا على شهادة البكالوريا، فقررت أن تتقدم للحصول عليها مثلهم، ونصحها دانلوب مستشار وزارة المعارف بالعدول عن الفكرة، لكنها أصرت وامتحنت، وكانت أول امرأة مصرية تحصل على هذه الشهادة عام1907، ولم تنجح مصرية فى الحصول عليها بعدها إلا عام 1928.

وقد أنفقت نبوية عمرها فى رسالة تعليم البنات والسعى من أجلها فى القاهرة والفيوم والإسكندرية والمنصورة، خاصة أنها كانت تعتمد فى حياتها على معاشها من وزارة المعارف بعد أن رفضت الزواج وقررت تكريس حياتها لخدمة التعليم، وقد وصلت فى ترقيها إلى درجة كبيرة مفتشات، وهى درجة لم يكن يشغلها إلا الإنجليزيات. لكن كل هذا لم يشفع لها بالدعم والرعاية، فكثيرا ما نقلت وطردت وأغلقت مدارسها لسبب أو لآخر، فها هى تقول بعد أن أغلقت مدرسة معلمات المنصورة التى كانت ترأسها:
تبغين تعليم البنات ونشره ويَلِجُّ دهرك فى العناد ويَظْلِمُ
يسعى ليهدم كل ما شَيَّدْتُه من ذلك البنيان وهو الأرقمُ
وقد كافحت نبوية من أجل رسالة تعليم البنات، لأنها كانت ترى فيها مفتاح النهضة متيقنة من أن جهل المرأة هو سر تأخر المجتمع،حيث تقول:
ما ضر أهل الشرق إلا أنهم تركوا النساء وراءهم وتقدموا
فانحطت الأبناء بالأم التى جهلوا مكانتها العَلِيَّةَ فيهمُ
جهلت بأحوال الحياة فأوقعت أبناءها فى شر ما تتوهمُ
قد عودوها الجبن من عهد الصبا فتعلم الأبناء ذاك وعلموا

وقد تحايلت نبوية على الحياة وتلونت بألوانها من أجل تحقيق رسالتها، فبعد أن كانت كارهة للغة الإنجليزية أتقنتها حتى إن هدى شعراوى قد اصطحبتها معها هى وسيزا نبراوى فى مؤتمر الاتحاد النسائى الدولى بروما عام 1923.

وبعد أن كانت كارهة للإنجليز هادنتهم بالانحياز إلى القصر، فبعد أن مدحت سعد زغلول زعيم الشعب قائلة:
يا مصر كم نشكو وكم نتألم ويجور فيك المستبد ويظلمُ
سهلت قيادتنا فزاد عنادهم واللؤم يُطْغِيهِ السكوت فيعظمُ
ذهبوا بسادات البلاد وطوَّحوا بالمصلحين وأفسدوا وتجهموا
يا سعد إن تبعد فإن قلوبنا مثواك فأمرها فإنك أعلمُ
نجدها تتحول إلى مساندة الملك فور اعتراف سعد بولايته وهو فى منفاه بمالطا، حيث قالت:
مليك شأنه حلم وعفو عن الجانى إذا عبدٌ أنابا
وكم قلنا انصروه فخطئونا فلما قالها سعد أصابا
فكم أخرت يا سعد التصافى ولو أسعفت وادينا لطابا

وقد صارت منذ ذلك الحين تهاجم الوفد ورجاله حتى إنها على حد قول محمد أبو الإسعاد «قد تورطت فى المخطط السياسى الذى رسمه القصر منذ عام1937لضرب شعبية الوفد تحت دعوى خضوعه لسيطرة الأقباط وتحكم مكرم عبيد»، حيث كتبت فى مجلتها «الفتاة» التى صدرت فى أكتوبر1937واستمرت حتى5 يونيو 1943أن«قلة عدد الطلاب المسلمين فى الجامعة المصرية أصبحت قلة مروعة مخيفة، والسبب فى نكبة المسلمين فى مصر هو النشاط القبطى المتزايد والتعاون مع بعضهم بعضا بمساعدة البطركخانة».

على أننى لا أصدق منها هذه المغالاة السياسية البرجماتية الواردة فى المجلة والتى تصل إلى حد التكريس للطائفية، وأعدها دربا من نفاق السلطة للتحايل على المعايش من امرأة وحيدة، لأننى أصدق بكل حواسى تلك الأبيات التى وردت فى ديوانها ضمن قصيدة طويلة نظمتها حزنا على سجن سعد زغلول ورفاقه عام1919وهى فى رأيى من أفضل الأبيات الشعرية التى عبرت عن الوحدة الوطنية، حيث تقول:
كم طاح بالقبطى وقع نبالهم فانكب يبكيه أخوه المسلمُ
ويقول يا أسفى على وطن غدت أبناؤه من غير ذنب تعدمُ
أقباطنا والمسلمون تعانقوا فعلام يشتد العدو ويَنْقِمُ
دَمٌ أُرِيقَ على الولاء فصابروا إن البلاء إذا تفاقم يُصْرَمُ

فالخطاب الشعرى على ما فيه من خيال واستعارة وتشبيه يظل أصدق إنباء بجوهر النفس من الخطاب السياسى الخاضع للمصالح الشخصية الضيقة فى صراع الأحزاب السياسية على السلطة.

التعليقات