دستور شعب مصر - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دستور شعب مصر

نشر فى : الجمعة 13 يناير 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 يناير 2012 - 9:05 ص

المهمة الرئيسية للبرلمان المنتخب هى انتزاع وتوكيد سيادة الشعب، وهو ما لا يكون بغير إزاحة العسكر عن الحكم، ثم وضع دستور يساهم فى تحقيق ما قامت لأجله الثورة، وهو ترتيب مهم لسببين، أولهما التأكد من عدم تدخل العسكر فى صياغة الدستور، وثانيهما إمهال الجمعية التأسيسية والمجتمع الوقت الكافى للجدل حول بعض القضايا المهمة والتى لم تأخذ بعد قسطا كافيا من النقاش الدستورى.

 

وللدستور وظائف ثلاث، أولاها: تنظيم أجهزة الدولة على النحو الذى يحقق مصالح الشعب ويحفظ تماسكه ويضمن سيادته على مؤسساته وخضوعها لإرادته، وثانيتها: تحصين حقوق المواطنين وإيجاد الآليات التى تصونها وتمنع التعدى عليها، وثالثتها: تقرير المقومات الرئيسية للمجتمع ومحال التوافق فيه بحيث تستقر فينصرف عنها الجدل إلى غيرها من القضايا السياسية التى ينبغى أن تشغل المهتمين بالشأن العام ويبنون على أساسها مواقفهم وتحالفاتهم السياسية. والدساتير التى تأتى فى أعقاب تغيرات كبرى يغلب عليها الجنوح للتفصيل فى علاج المشكلات التى تولدت منها الحاجة لصياغة دساتير جديدة، كالتمييز فى جنوب أفريقيا، والهوية والسياسة الخارجية فى إيران، وغير ذلك، وتفصيل الدستور فى هذه القضايا مفيد من جهتين، أولاهما: وضع أسس قوية لمعالجة عوار استشرى، وثانيتهما: الحد من إمكانية الانتقاص من هذه الحقوق من خلال القوانين الحاكمة لها.

 

والدستور المصرى الجديد يكتب فى أعقاب ثورة قامت على نظام أفسد جوانب الحياة المختلفة، فوجب أن يسد بنصوصه أبواب تلك المشكلات، وأولاها: الفقر الديمقراطى، الذى تجلى فى انسداد القنوات الواصلة بين الشعب وممثليه (4% فقط من المصريين كانوا يتواصلون مع ساستهم، وهى النسبة الأدنى فى العالم، برغم إيمان 88% من المصريين بالديمقراطية بحسب استطلاعات مركز جالوب، وهو ما يعنى أن سبب تدنى مستويات التواصل يتعلق بتدنى الثقة فى نفس المؤسسات لا فى الآلية الديمقراطية)، وذلك لأسباب منها ما شاب الانتخابات المتلاحقة من تزوير، ومنها الزبونية التى ميزت الحياة النيابية وجعلتها تنصب على الخدمات لا السياسات.

 

والتعديلات الدستورية التى طرحت للاستفتاء فى مارس المنصرم عالجت بعض أوجه الفقر الديمقراطى من خلال إعادة دسترتها للإشراف القضائى الكامل على الانتخابات، بيد أن هذا ــ على ضرورته ــ غير كاف لتوسيع قنوات المشاركة السياسية، إذ لا بد من تبنى نصوص تسمح بمشاركة الشعب فى التشريع، من خلال حق الاقتراح الشعبى كالمنصوص عليه الدستور الألمانى (مادة 17)، واليونانى (مادة 10)، والهولندى (مادة 5)، والإيطالى (مادة 71)، وحق اقتراح التعديلات الدستورية كما فى الدستور السويسرى الصادر سنة 1874، والذى يعطى للمواطنين الحق فى تغيير دستور البلاد بتقديم مائة ألف مواطن لمقترحات تطرح بعدها للاستفتاء (مادة 120). وثمة أشكال للتوازن بين المؤسسات التشريعية تجعل للشعب قدرة أكبر على التأثير فى قراره السياسى، فالدستور الدانماركى يعطى لثلث أعضاء البرلمان حق رفض مشروعات القوانين وطرحها فى استفتاء شعبى (مادة 42)، والدستور الألمانى الصادر سنة 1949 يعطى للمجلس الاتحادى (الهيئة التشريعية الممثلة للمقاطعات على المستوى الاتحادى) الحق فى رفض القوانين الصادرة عن المجلس التشريعى (مواد 78 و84)، وهناك حقوق وآليات مشابهة فى دساتير أخرى، كلها يمكن دراستها وتنقيحها لاختيار ما يناسبنا.

 

 ومن مشكلات المصريين قبل الثورة المشكلة الاقتصادية، إذ شهدت الأعوام الأخيرة تراجعا سريعا فى مستوى الرضا العام عن الحالة الاقتصادية (من 5,2 من 10 فى أول 2009 إلى 3,9 فى أول 2011)، بسبب التراجع الشديد لدور الدولة فى تحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة فى قطاعات الإسكان والصحة والتعليم، فقد تراجع مؤشر الرضا العام عن الإسكان من 43% فى 2008 إلى 20% فى 2011، كما تراجع مستوى الرضا عن التأمين الصحى بنسبة 26% فى الفترة ذاتها، بينما استمر عجز الدولة فى محو الأمية فضلا عن ضعف جودة التعليم، وقد أدت تلك العوامل مجتمعة إلى اضمحلال الأمل فى مستقبل أفضل، فتراجعت توقعات المصريين بتحسن الأحوال بمقدار 11% فى السنتين الأخيرتين من حكم مبارك، بحسب استطلاعات مركز جالوب.

 

وقد أعادت الثورة الكثير من الأمل للمصريين، فقفزت توقعات المستقبل الأفضل اقتصاديا بمقدار 8% رغم المعاناة الاقتصادية الحالة التى ضاعفت نسبة من يرون الوضع الحالى أسوأ منه قبل الثورة، وهذا الأمل الوليد لابد من الحفاظ عليه بنصوص دستورية تلزم الدولة بالاضطلاع بواجبها فى تحقيق العدالة الاجتماعية. وثمة دساتير كثيرة تؤكد على هذا الواجب، وبخاصة دساتير أمريكا اللاتينية التى يغلب عليها التفصيل فى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين باعتبارها جزءا رئيسيا من حقوق الإنسان، بعد أن كانت الدساتير فى الماضى تكتفى بالإجمال، وبالإشارة لحقوق كالحياة والحرية، فالدستور البرازيلى على سبيل المثال ينص على جعل «التعليم والصحة والعمل والسكن ووقت الفراغ والأمن والضمان الاجتماعى وحماية الأمومة والطفولة ومساعدة ذوى الاحتياجات الخاصة» حقوقا اجتماعية، ثم يفصل فى بيان هذه الحقوق وكيفية تحصيلها وضماناتها على نحو ربما يغنى عن القانون فى غير شقه التنفيذى (مادة 6)، ولا يختلف الأمر عن ذلك كثيرا فى دساتير أمريكا اللاتينية، بل وبعض الدساتير الأوروبية التى تنص هى أيضا على تلك الحقوق.

 

ولما كان قيام الدولة بهذا الواجب يحتاج لإعادة توزيع الثروة وإدارة موارد الدولة وثرواتها على نحو مختلف، أقل انحيازا للأكثر مقدرة، فقد نصت بعض الدساتير على أسس ومقاصد النظام الاقتصادى بشكل تفصيلى، وهو ما تحتاجه مصر للخروج من حالة العبث التشريعى التى عاشتها لسنوات ظل فيها الدستور اشتراكيا، الواقع تحكمه «رأسمالية المحاسيب»، فالدستور الإيرانى يجعل أهداف النظام الاقتصادى «تحقيق الاستقلال الاقتصادى للمجتمع، والقضاء على جذور الفقر والحرمان، وتلبية الاحتياجات البشرية فى مسار التنمية مع الحفاظ على الحرية الإنسانية»، ويجعل ضمن أسسه توفير ضروريات كل المواطنين (المسكن، والغذاء، والملبس، والبيئة النظيفة، والرعاية الصحية، والتعليم، والتسهيلات اللازمة لتكوين الأسرة)، ومنع «تركز أو تداول الثروة فى أيدى قلة من الأفراد أو المجموعات» أو جعل الحكومة جهة العمل الرئيسية، (مادة 43)، وثمة نصوص مشابهة فى دساتير أخرى.

 

ومن المشكلات التى عانتها مصر قبل الثورة كذلك فساد السياسة الخارجية وعجزها عن صون أمن مصر القومى، وكذلك الفقر الحقوقى الذى تجلى فى جرائم التعذيب والتمييز والتدخل الأمنى، وقد يتسع المقام للتفصيل فيها فى مقال مستقل. أتصور أن مناقشة مثل هذه القضايا تستحق جدلا لم تنله بعد، وأن النصوص المنقولة فى هذا المقال وغيره من دساتير الدول الأخرى تستحق تمحيصا وتعديلا لتناسب الحالة المصرية وتوازن القوى المجتمعية فيها، وأن هذا الأمر يحتاج لوقت تتقاصر عنه مدة الأسابيع التى يريد الحكام المؤقتون أن يكتب الدستور خلالها، وهو ما يوجب على الجميع العودة لخارطة الطريق التى أقرت فى استفتاء مارس الماضى، والتى تجعل كتابة الدستور لاحقة لانتخاب رئيس الجمهورية.

التعليقات