الحوار الفلسطينى المقترح وحدود صبر القاهرة - طارق فهمي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحوار الفلسطينى المقترح وحدود صبر القاهرة

نشر فى : الثلاثاء 13 ديسمبر 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 13 ديسمبر 2016 - 9:55 م
قدر مصر أن تستمر تدعو القوى والفصائل الفلسطينية لحوار فلسطينى شامل يجرى فى القاهرة على أسس ومعطيات جديدة تتجاوز فكر حوارات القاهرة التى أجرتها مصر منذ سنوات، ولم تنجح فى التوصل لاستراتيجية فلسطينية جديدة لأسباب تتعلق بالنهج الفلسطينى العام وصراع القوى الفلسطينية وعدم وجود الإرادة السياسية الفلسطينية الشاملة، وتعقد الملفات بين ما هو فلسطينى وبين ما هو إقليمى إضافة لنجاح إسرائيل فى استثمار المشهد الراهن لحسابات أمنية واستراتيجية جديدة. لكن فى الوقت الراهن تبرز متطلبات سياسية واقتصادية واستراتيجية جديدة بالنسبة للجانب الفلسطينى يمكن أن تنطلق من خلالها مصر.

أحدد بعض النقاط التالية..

1ــ تكشف المرحلة الجديدة بعد اجراء المؤتمر السابع أن الرئيس محمود عباس ما زال يسيطر على مقاليد الأوضاع داخل حركة فتح، وأنه نجح فى نقل رسالته إلى الأطراف الفلسطينية المعنية وليس تيار الإصلاح فقط أو المساندين للسيد محمد دحلان فقط، بل لكل القوى الصاعدة التى لا تزال ترى أن الأمر فى حاجة لمراجعة ولإعادة ترتيب الأجواء والبدء من جديد فى ترتيب الأولويات التى تتجاوز إجراء انتخابات أو استحضار أسماء موجودة أصلا لسدة المجلس الثورى أو اللجنة المركزية، وأن الأمر ليس مرتبطا بإجراء الانتخابات بل إحياء مؤسسات النظام السياسى الفلسطينى بأكمله وتفعيل الكيانات الموجودة وأهمها المجلس الوطنى؛ الذى أعلن أنه سينعقد فى الثلاثة أشهر المقبلة، ولكن لم تحسم عشرات القضايا ومنها اجراء الانتخابات التشريعية أو الرئاسية المقررة وهو ما طالبت به كل القوى الفلسطينية من قبل.

2ــ ليست المسألة أن يحل اسم مروان البرغوثى أولا والرجوب ثانيا أو يتم منح العضوية الشرفية لقادة فتح الكبار، ولكن المسألة الحقيقية ترتبط بكيفية بناء توافق فلسطينى عام مما يمنح الجميع الفرصة للمشاركة السياسية خاصة أن الحل الحقيقى كما يعلم الجميع ليس فى اجراء انتخابات لجنة أو مجلس وإنما فى إحياء مؤسسات منظمة التحرير وإعادة تقديم المنظمة للعالم. سبق وأن أشرنا إلى أن المسألة ليست فى الخلافة الفلسطينية فهذا أمر مرتبط بالشعب الفلسطينى وليس بأى طرف آخر أو جهة عربية أو إقليمية أخرى، وبالتالى فليس الرهان على اسم البرغوثى أو الرجوب، ويكفى أن تستمع هنا إلى رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو على انتخاب البرغوثى فى إشارة إلى حرص السلطة على انتخاب إرهابى على قائمة فتح على حد زعمه.
***

3ــ إن السيناريوهات المطروحة فى المشهد الفلسطينى الراهن تتلخص فى السيناريو الأول: بناء استراتيجية رفض لمقررات المؤتمر السابع وصولا لإيجاد رأى عام من فتح وفلسطينى رافضا لهذا المؤتمر ولنتائجه. السيناريو الثانى: عقد مؤتمر لحركة فتح من جديد، ومؤسسات تنظيمية موازية تنتخب محمد دحلان رئيسا له. السيناريو الثالث: إجراء اتصالات مع حركة حماس وباقى مكونات النظام السياسى الفلسطينى والتوافق معهم على أفكار تتمثل فى امتلاك زمام المبادرة؛ مثل الدعوة لعقد الإطار القيادى المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية والدعوة لعقد مجلس وطنى فلسطينى، وانتخاب مجلس مركزى ولجنة تنفيذية جديدة والتوافق مع حركة حماس لتشكيل إدارة مشتركة فى قطاع غزة وتفعيل المجلس التشريعى الفلسطينى. السيناريو الرابع: بقاء الوضع على ما هو عليه قبل الوصول للمرحلة الراهنة لحين ترتيب الأجواء الفلسطينية وانتظار خطوات الرئيس محمود عباس والتحول لموقف رد الفعل.

4ــ ومن ثم فإن المشهد الفلسطينى لن يستقر، وسيحتاج إلى إعادة ترتيب للأولويات السياسية والاستراتيجية المطروحة وهو ما يجب على الرئيس محمود عباس أن يتفهمه فى حال القبول بإجراء حوار فلسطينى عام فى مصر من أجل المصلحة الفلسطينية وليس من أجل تيار أو فصيل؛ حيث لا توجد مصلحة مصرية مباشرة فى مناكفة حركة أو الدخول فى صدامات أو جدالات من أى نوع. بالتالى فإن التأخير ليس فى صالح الرئيس وحركة فتح وأن مضى الأمور على ما هى عليه لن يستمر خاصة وأن ردود الفعل الفلسطينية غير واضحة فى ظل التخوف من السيناريوهات المفاجئة التى ربما تحدث فى أى وقت. ومن ثم يجب التحسب من الآن لتداعياتها والتى تتجاوز أسماء أو تيارات، وهو ما تخشاه القاهرة بالفعل وفى ظل انسحاب الأطراف العربية الأخرى والتى يبدو أنها فضلت السلامة وعدم الصدام المباشر مع الرئيس محمود عباس والقيام بمراجعة سياساتها فى ظل حسابات ربما تكون جديدة خاصة مع اعتزامه تعيين 4 أعضاء إضافيين فى اللجنة المركزية لحركة فتح من شرقى القدس وقطاع غزة ومخيمات اللاجئين فى لبنان، وتعيين 30 عضوا آخر فى المجلس الثورى ليصبح 80 عضوا. وسيتم انتخاب الأعضاء الجدد من قبل اللجنة المركزية لضمان سيطرة عباس الكاملة على المؤسسات وعملية صنع القرار.. ومن أبرز الشخصيات المرشحة لمغادرة قيادة منظمة التحرير فاروق القدومى الذى يتولى الدائرة السياسية فى المنظمة منذ أكثر من 65 عاما، وبلغ من العمر حوالى 87 سنة، وزهدى النشاشيبى الذى تجاوز التسعين، وسليم الزعنون وزكريا الآغا وعلى اسحق وأحمد قريع وعبدالرحيم ملّوح وغيرهم. كما يعتزم ياسر عبدربه، العضو المستقل فى المنظمة، تقديم استقالته من اللجنة التنفيذية بسبب الخلافات بينه وبين الرئيس عباس.

***
5ــ ماذا تفعل مصر مع تطورات المشهد الفلسطينى؟ هناك أحد تصورين؛ الأول التهدئة وإعادة ترتيب الحسابات والتقييمات السياسية من جديد مع عدم الدخول فى أى منازعات سياسية جديدة فى ظل المناخ السياسى القائم، وبالتالى عدم القبول باستضافة القاهرة لمؤتمرات فلسطينية داخلية أو تشجيع أى فصيل على القيام بدور جديد فى المرحلة المقبلة، والاكتفاء بالمتابعة وهو ما يعنى فعليا اغلاق الباب أمام إحداث أى تطور مفصلى واستمرار الأوضاع على ما هى عليه، واتجاه القاهرة لبناء شراكة جديدة مع قطاع غزة تسمح بفتح المعبر بصورة دورية، مع البدء فى إجراءات اقتصادية واستثمارية على طول الحدود فى اطار استراتيجية شاملة، والاكتفاء بذلك لحين اتضاح طبيعة التطورات الراهنة مع السلطة الفلسطينية التى ربما تفضل بقاء الأوضاع على ما هى عليه طالما سيستمر تيار الإصلاح يتحرك ويستقوى فعليا بمصر. ومن ثم فإن الحل إما الانتقال إقليميا إلى أطراف أخرى وإما التحرك نحو مصالحة حركة حماس والتى تدرك تبعات ما تخطط له حركة فتح جديدا ولن تذهب إلى مصالحة فى مناخ مرحلى مرتبك الثانى الاستمرار فى نهج واقعى وعدم التقابل مع الرئيس محمود عباس على أرضية المصالح الفلسطينية واستمرار الضغط على السلطة الفلسطينية مع استمرار الخيار المصرى الجديد فى قطاع غزة وعدم اسقاط التعامل مع كل القوى الفلسطينية المختلفة؛ بما فى ذلك حركة الجهاد الفلسطينى وحماس وهو أمر ربما سيتطلب من مصر الالتقاء مع حركة حماس على أرضية جديدة تتجاوز جدول الأعمال الموجود، وهو ما سيطرح تساؤلات شائكة حول تعاملات القاهرة مع أى سلطة فى قطاع غزة إذ لا يمكن استبعاد أى اتفاق سيجرى مع حركة حماس والخروج من دائرة التوافقات السياسية وأنصاف الخيارات لحالة واضحة من السياسات مع القطاع وإعادة تأهيله بالكامل مع الإعلان عن الحضور المصرى الرسمى، وسيتطلب ذلك الأمر مناكفة قوى قائمة ومنها قطر وإيران وتركيا والسلطة الغائبة فى القطاع وفى هذه الحالة ستتعامل القاهرة مع سياسات جديدة مع حركة حماس، كما أن هذا المسار المصرى سيأخذ فى اعتباره عدم حدوث أى انقطاع فى حال تبنى استراتيجية متكاملة شكلا ومضمونا، وهو ما سيتطلب رؤية كاملة وحركة شاملة وتصورا من جميع الرؤى وليس فقط مجرد اختبار للسياسات أو الأشخاص وفى ظل حسابات تتجاوز دعم مرشح أو تيار لتصور أعمق وأوضح وأشمل.

6ــ فى كل الأحوال ستتحرك القاهرة صوب الحوار الفلسطينى المقترح مصريا من زاوية الإدراك بأنه لا بديل عربيا أو دوليا مطروحا وأن بقاء الأوضاع على ما هى عليه لن يحل المشكلة، وإنما سيدحرج الأزمة ولن يحلها بالفعل، ومن ثم فإن اجراء الحوار سيتطلب حضورا فلسطينيا عاما يضم كل القوى الفلسطينية ولن يستبعد منه تيار أو فصيل إلا إذا فضل تيار بعينه الغياب. ولا أظن أن القاهرة سترحب بهذا أو تدعو فصيلا على حساب آخر بل على العكس طالبت الجميع بالحضور من أجل التوصل لمعطيات جديدة يمكن الانطلاق منها ووفقا لجدول أعمال وطنى وشامل بناء على الرؤى الوطنية المقدمة من بعض الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة الجهاد الفلسطينى، وبعض الشخصيات الفلسطينية المستقلة..

7ــ لا تفكر القاهرة وفقا لحسابات ضيقة أو أنها تنتظر طرفا أن يعلن مشاركته فى الحوار أو عدم المشاركة، ولن تبادر القاهرة بالخروج من دائرة المصالح الوطنية الفلسطينية المشتركة إلى حسابات الفصائل أو أنها ستقبل بما يطرحه فصيل أو تيار يرى الصورة من زاويته على اعتبار أن مصر وحدها تملك الرؤية الأشمل التى يجب على الجميع الانطلاق منها وعدم التوقف عندها فى ظل المشهد الراهن فلسطينيا، والذى لا يحتمل الاستمرار فيه مع إدارة أمريكية جديدة تتبنى خطابا سياسيا واضحا لا مجال فيه لتأويل أو تفسير من أى نوع، بل على العكس تؤكد أن القضية الفلسطينية ليست على رأس أولوياتها وأن الطرفين وحدهما وليس أى طرف آخر يمكن أن يتوصلا إلى مسار للتسوية، وبالتالى ستسقط كل الخيارات تباعا سواء من تحركات فرنسية أو روسية وأوروبية وفى المقابل ستمضى الحكومة الإسرائيلية فى تحقيق أهدافها الاستراتيجية المباشرة ليس فى ملف التهويد أو الاستيطان فحسب بل فى كل ملفات القضية وخاصة حق العودة والقدس.
***

ليست القضية أبدا فى فتح أو غلق القاهرة ملف الحوار الفلسطينى او انتظار ردود القيادة الفلسطينية أو تجميد المشهد الفلسطينى لحين اتضاح الصورة؛ فأى خطوة غير محسوبة فلسطينيا أو تصعيد تيار أو فصيل أو التخطيط لعقد مؤتمرات والبحث عن شرعيات جديدة لن تحل المشكلة بل ستعمق الوضع الراهن والمصلحة الوطنية الرشيدة تتطلب الاتفاق على جدول أعمال وطنى ربما يتجاوز كل الأجندات أو التقييمات الحالية لأجواء من إجراءات بناء الثقة التى يجب أن يتفق عليها الجميع من خلال مصر، وبدعم أعضاء الرباعية العربية وحيث لا يملك الفلسطينيون بالفعل رفاهة الوقت ولن نزيد.
التعليقات