المدرس «الإخواني» وإحراج الأجهزة الأمنية في أسوان - مصطفى الأسواني - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المدرس «الإخواني» وإحراج الأجهزة الأمنية في أسوان

نشر فى : الإثنين 14 أبريل 2014 - 3:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 15 أبريل 2014 - 12:10 ص

في مقالي السابق، كنت قد تحدثت بشيء من التفصيل قدر المستطاع عن «حقيقة ما يحدث في أسوان»، وأكدت فيه أن السبب الرئيس لوقوع الأحداث الدموية المؤسفة بين عدد من أبناء قبيلتي «الدابودبة» النوبية و«بني هلال»، والتي راح ضحيتها 26 شخصًا فضلاً عن عشرات المصابين، هو الخلاف بين شباب من الطرفين بمنطقة السيل الريفي في أسوان، على شراء كمية من المواد المخدرة ومواءمتها للسعر المدفوع، وأشرت إلى أن ما تم تداوله عن تورط جماعة الإخوان في إشعال نار الفتنة بين الطرفين «مجرد أكاذيب»، وهذا ليس دفاعًا عن جماعة اعتبرها إرهابية من قبل حتى أن تُقر بذلك الحكومة المصرية، ولكنه إعمالاً بما غرسه فينا آباؤنا وأجدادنا في الصعيد «اللي يخبّي القُول، ما يبقاش وَلَدْ»، وسأفند لكم ذلك بشيء من الإيجاز من خلال السطور التالية، بناء على الواقع الذي نعيشه في بلادي، وما استجد في الأزمة هناك.

نذكر أنه في اليوم الأول للأحداث، أكد وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، أن الأجهزة الأمنية حددت المتورطين في الاشتباكات، وأن التحريات والمعلومات تؤكد ضلوع أيادٍ «إخوانية» في إشعالها، وعندما بدى له أن أزمة المواجهات القبَلية التي عصفت بمدينة أسوان خارج سيطرة الحكومة في القاهرة، وأكثر تعقيدًا من أن يفهمها المسؤولون، قال الوزير خلال اليوم الثاني للأحداث، إن «الوضع معقد والمشكلة لها تفريعات عديدة»، وهذه المرة لم يلمّح حتى بضلوع الإخوان في الأزمة، ولم يخشَ من الإشارة أيضًا إلى أن «عمل الأجهزة الأمنية يقتصر على حل الأزمة بمعاونة كبار العائلات»، وهذا ما أكده أيضًا اللواء حسن السوهاجي مدير أمن أسوان، بقوله: «لا نتدخل فى النزاعات القبَلية»!! وإن استمر الوضع هكذا؛ أؤكد لكم أن هذا الهدوء الذي تشهده أسوان حاليًا لن يدوم طويلاً.

غير أن الأجهزة الأمنية عملت جاهدة فيما بعد على عدم تكذيب ما قالته عن تورط الإخوان في الأحداث، وتصحيح الخطأ الذي وقعت فيه -بقصد أو بغير قصد- ومصارحة الشعب بحقيقة ما يحدث، أو إنكار أنها كانت بمثابة «قبيلة ثالثة» تقف متفرجة على النزاع بين «الدابودية» و«الهلالية» ولا يزعجها سقوط عشرات القتلى والمصابين، وأعلنت عصر الجمعة 11 أبريل الجاري، عن تمكنها من إلقاء القبض على مدرس «إخواني» يدعى «نجم الدين إبراهيم»، وعثر بحوزته على 33 زجاجة مولوتوف ومقبض خشبي خاص بإحدى البنادق الآلية، التي تم ضبطها داخل منزله بمنطقة «امبركاب» في مدينة أسوان، وأفادت التحريات، أن «نجم الدين» ينتمي للعناصر الإخوانية النشطة، وهو المحرض على العنف والمتسبب الرئيسي في إشعال الفتنة بين قبلتي «الدابودية» النوبية و«بني هلال».

الحقيقة، أن «نجم الدين إبراهيم محمد حسن، 44 عامًا» مقيم بقرية «امبركاب» إحدى القرى المجاورة لمنطقة السيل الريفي التي شهدت الاشتباكات طوال الأسبوع الماضي، وهو من أبناء قبيلة «الدابودية» النوبية، ويعمل مدرسًا بمدرسة كركر الابتدائية «أكثر من 40 كلم غرب مدينة أسوان»، ويشهد له زملاؤه وجيرانه بأنه ملتزم أخلاقيًا ودينيًا، كما أنه تربطه علاقة نسب مع «آل جريس» والتي قتل اثنين من أبناءها هما «طه، ونجم» في أحداث العنف، مؤكدين أنه ليس له أي علاقة بالأحداث على الإطلاق.

كما أكد شهود عيان -من قبيلتي «الدابودية وبني هلال»- أن قوات الشرطة ألقت القبض على «نجم الدين» أثناء خروجه من المسجد عقب صلاة المغرب يوم الخميس 10 أبريل الجاري، أي أنه لم يتم القبض عليه في منزله كما ادعت الأجهزة الأمنية ذلك في البيان الذي نشرته مديرية أمن أسوان بشأنه.. وهنا لا يسعني سوى انتظار رد من مدير الأمن، ورئيس مباحث المديرية، اللذين أشرفا على عملية القبض على «المتهم» وفقًا لتحرياتهم، «البريء» بشهادة القبيلتين طرفي النزاع!!

والعجيب، أن يتفق طرفي النزاع «الدابودبة وبني هلال» على الوقوف مع «نجم الدين» لتبرئته من «التهمة الزور المنسوبة له!!»، والمطالبة بالإفراج الفوري عنه؛ لـ«دوره البارز في تهدئة الأوضاع بمنطقة السيل الريفي حيث تربطه علاقة طيبة بين طرفي النزاع، ولأنه لم يشارك في الأحداث!!»، بشهادة عدد من أبناء القبيلتين!!

ليس هذا وحسب، بل إن طرفي النزاع قالوا أيضًا: إن «أحد المتهمين ويدعى (بسام.ع.ع) من أنباء قرية امبركاب، الذين تم إلقاء القبض عليهم منذ أيام على خلفية الاشتباكات، وبحوزته 3 بنادق آلية، هو من اتهم (نجم الدين)، وتم تحرير محضر وتحريز مضبوطات لم تكن بحوزة (نجم الدين) الذي تم إلقاء القبض عليه أثناء خروجه من المسجد، ولم يكن بحوزته أي شيء»، حسب قولهم.

ويشاء القدر كذلك، أن يخرج علينا المتحدث الإعلامي باسم قبائل «بني هلال» على مستوى الجمهورية أشرف الهلالي، ليؤكد على عدم وجود أي خلفية سياسية لأحداث الفتنة التي جرت الأسبوع الماضي بمنطقة السيل الريفي، قائلاً في تصريحات صحفية: «بالرغم من انتماء المدرس (نجم الدين) لقبيلة الدابودية، لكنه بريء من هذه الأحداث.. والذي أرشد عنه هم المتهمون الحقيقيون تحت ضغط الأمن؛ لإعطاء المشكلة خلفية سياسية، والزج بجماعة الإخوان في هذه الأحداث»، مطالبًا بضرورة حصر الفتنة في نطاقها القبَلي حتى لا تضيع الدماء هدرًا «نحن نريد محاسبة من سفك الدماء وليس اتهام الأبرياء من القبيلة الأخرى»، وسأكتفي بما قاله المتحدث باسم «بني هلال» في حق أحد أبناء «الدابودية»، التي بمثابة «عدو» له الآن يتمنى أن يُشفي غليله منهم بأي طريقة، وأترك لك أيها القارئ الكريم الحكم في هذا.

•••

أما هؤلاء الذين يزعمون أن الاقتتال نشأ عن خلاف سياسي بين أبناء القبيلتين من تأييد للمشير عبد الفتاح السيسي المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية، وعدم تأييده، أؤكد مرة أخرى أن كل ذلك «كلام عارٍ تمامًا عن الصحة».

إن التضارب في التصريحات الرسمية للمسؤولين في الدولة، وتناقضها مع تصريحات طرفي النزاع في أسوان، يؤكد أن طرفي النزاع لا يملكان موقفًا سياسيًا موحدًا داخل القبيلة الواحدة؛ حيث إن أبناء قبيلة «الدابودية» منهم من خرج في تظاهرات رافضة لعزل رئيس الإخوان محمد مرسي، ومنهم من أعلن تأييده للمشير عبد الفتاح السيسي. كذلك أبناء قبيلة «بني هلال» الذين كانوا يحرسون تظاهرات الإخوان ومقارهم، شاركوا أيضًا في حملة «تمرد» وتظاهرات 30 يونيه العام الماضي.

وحتى نتمكن من فهم الصورة كاملة، دعونا نعود إلى الوراء قليلاً، إلى ما قبل حدوث الاشتباكات المسلحة بين «الدابودية» النوبية و«بني هلال»، القبيلتان الواقعتان في واحدة من أكثر المناطق المنسية في مصر «أسوان»، والتي لا علاقة للدولة بها إلا في مواسم السياحة، التي تشكل شريانًا هامًا للاقتصاد القومي، أما غير ذلك، فلا وجود يُذكر للحكومة إلا بعد وقوع كارثة مثل هذه التي نتحدث عنها الآن، والتي لولاها ما عرف الكثيرون شيئًا عن الصراع «القديم الجديد» الدائر بين القبائل المختلفة في صعيد مصر بصفة عامة، وأسوان بصفة خاصة، والذي لن أكون مبالغًا إذا ما قلت إنه صراع يهدد الأمن القومي المصري.

وأود الإشارة هنا إلى أن قبيلة «الدابودية» هم من سكان بلدة دابود النوبية (أقصى شمال أسوان حاليًا)، وتسمى أيضًا بـ«عاصمة النوبة الحديثة»، والتي تحكي جزءًا من معاناة النوبيين المصريين الذين أُغرقت بلادهم القديمة في ستينيات القرن الماضي عندما تم حفر بحيرة ناصر وتعلية خزان أسوان، واسمها يعود إلى «دابود القديمة» التي غرقت عقب تعلية سد أسوان، وكغيرها من مناطق الصعيد، تعاني القرية من إهمال الحكومة، وكأنها خارج نطاق الدولة، وكباقي قبائل النوبة، ما زال أهلها يتحدثون بلغتهم العتيقة «الماتوكية»، حريصين على مناهضة السياسات المركزية التي اقتلعتهم من بلادهم القديمة، ما جعلهم من أكثر المجتمعات خصوصية في مصر.

أما أبناء قبيلة «بني هلال» العربية، الذين بدءوا رحلة انتشار منذ القرن الحادي عشر، حين خرجوا من الحجاز ومروا بالشام ومصر، وأخيرًا استقروا في شمال إفريقيا، واحتفظوا في مصر بخصوصية ميزتهم عن باقي أبناء عمومتهم من قبائل الصعيد الأخرى، تجلّت في ترديدهم «السيرة الهلالية»، التي حكت رحلتهم في المناسبات المختلفة في صعيد وريف مصر، ويعيش معظم أبناء قبيلة «بني هلال» في محافظات قنا وسوهاج، ومؤخرًا انتقل عدد منهم للعيش في أسوان، والطبيعة القبلية لهم، فضلاً عن كونهم ليسوا من «السكان الأصليين»، وفقًا للتاريخ، خلقت لديهم شعورًا عامًا بأنهم طبقة أقل من القبائل، وزاد من الأمر، عدم تعصبهم لأرض معينة.

وكما ذكرت من قبل، أن وضعهم كمنبوذين من قِبل القبائل الأخرى، جعل عددًا كبيرًا من عائلات «بني هلال» يعملون في تهريب الأسلحة والمخدرات، بغض النظر عن وجهة هذا السلاح؛ وهذا ما جعلهم عونًا للسلطات السياسية التي تعاقبت على حكم مصر خلال السنوات الماضية؛ حيث استعان بهم الحزب الوطني المنحل في محاربة خصومه في الاستحقاقات السياسية، كما استعانت بهم جماعة الإخوان لتأمين تظاهراتهم قبل عزل رئيسهم محمد مرسي وبعد ذلك أيضًا، غير أن قسمًا منهم كان قد أعلن دعمه لحركة «تمرد» المناهضة لحكم الإخوان، والآن أصبحوا من أهم القبائل المؤيدة للمشير عبد الفتاح السيسي المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويُعد وضع «بني هلال» الأكثر حساسية في صعيد مصر، فعمل العديد من أبناءها في تهريب السلاح، واستعانة الأنظمة السياسية المختلفة بهم، خلقا ثأرًا بينهم والكثير من القبائل الأخرى، وهو ما كان واضحًا خلال الأعوام الماضية، وزاد ذلك في الفترة من ثورة 25 يناير 2011 حتى كتابة هذا المقال، والتي شهدت الكثير من الاشتباكات وحوادث الخطف كانوا هم طرفًا رئيسًا فيها.

لكن هذا لا يجعلنا نُغفل أن هناك قاسمًا مشتركًا بين أبناء قبيلتي «الدابودية» النوبية و«بني هلال»، حيث إن كليهما له خصوصية تجعل المنتمين إليهما يتجاوزون الأسباب الأصلية في الاشتباكات والتنوع السياسي فيما بين الطرف الواحد، ولا تبقى إلا راية «الحفاظ على الهوية» و«الثأر من أجل القبيلة»، بالرغم من أن الاشتباكات التي وقعت بمنطقة السيل الريفي في أسوان اقتصرت على عائلات من القبيلتين، أي أن المعركة ما زالت حتى الآن محصورة فقط فى قرية من قرى كل قبيلة، وهذا ما يُنذر بخطر انتقال المواجهة إلى أي مكان يتواجد فيه الطرفان ما لم يتم إعطاء كل ذي حق حقه، والتوصل بصورة عاجلة إلى عقد جلسة صلح بين طرفي النزاع، وليس مجرد التوصل إلى تهدئة بينهما أخشى أن يتم خرقها عاجلاً أم آجلاً.. وأدعوا الله أن يحفظ مصر ويحقن دماء أبناءها.

التعليقات