موسم انتشار السلاح وطرق تهريب ترسانات الأسلحة إلى الصعيد «3_3» - مصطفى الأسواني - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 9:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موسم انتشار السلاح وطرق تهريب ترسانات الأسلحة إلى الصعيد «3_3»

نشر فى : الخميس 8 مايو 2014 - 11:45 ص | آخر تحديث : الخميس 8 مايو 2014 - 11:45 ص

إن لتجارة السلاح في الصعيد -مثل أي سلعة أخرى- بورصة ومواسم رواجٍ تتحكم في ضبط وتوجيه مؤشر أسعارها، ارتفاعًا وهبوطًا، حسب طبيعة الموسم والظروف المصاحبة له، وهذا ما أظنه ليس خافيًا على أحد هناك.

وأكثر المواسم التي تتميز باتساع دائرة هذا النشاط؛ موسم الانتخابات «برلمانية، ورئاسية» على حد سواء، وهذا ليس سرًا أيضًا، وفيه يحظى تجار وسماسرة السلاح في الصعيد بحصانة من بعض المرشحين لتلك الانتخابات، والتي تكون بمثابة موسم لاستعراض القوة بالنسبة لهم، من خلال إطلاق الأعيرة النارية بكثافة في منطقة كل مرشح وأثناء جولاتهم للدعاية الانتخابية له، كنوع من أنواع مناصرة أفراد القبيلة لأقاربهم ومرشحهم في الانتخابات، وهذا ما تفرضه العادات والتقاليد على الأهالي في الصعيد، ويكون بمثابة أحد أسباب الصراعات بين القبائل والعائلات هناك أيضًا.

ومعروف أن «القبَلية» هي العنصر الحاسم في الانتخابات؛ حيث إن الأحزاب السياسية ليس لها وجود فعّال في الصعيد، فضلاً عن أن الأهالي هناك لا يقسمون المرشحين بين «فلول وثوار»، بل يتم تقسيمهم حسب القبَيلة أو العائلة التي تساندهم والخدمات التي قدموها إلى دوائرهم.

وأصبحت مناصرة القبيلة تتم حتى وإن كانت على حساب تحقيق العدالة، فأفراد كل قبيلة يستخدمون العديد من الوسائل لنصرة مرشحهم في الانتخابات، ليساعدهم لاحقًا في تنافسهم مع العائلات الأخرى للحصول على الوظائف المرموقة وعضوية المجالس النيابية وتعيينهم في بعض المؤسسات الحكومية، وكل ذلك معتمد في تحقيقه بالأساس على قوة القبيلة المنتمي إليها المرشح للانتخابات، والتي تقاس بما تملكه من أسلحة وذخيرة، ما يثير حفيظة أنصار المرشح المنافس من القبيلة أو العائلة الأخرى، وينتج عن ذلك تجدد الصراعات القبَلية، وتعكير صفو الأجواء الأمنية شبه المستقرة في الصعيد.

وفي الأثناء، تظهر وجوه جديدة من تجار السلاح أو المسجلين خطر الذين يسعون بكل طاقاتهم لاحتلال صدارة المشهد واعتلاء عرش البلطجة، والتحكم في تجارة السلاح ومنافذ بيعه خلال تلك الفترة؛ حيث إنهم يلجأون إلى إظهار قدراتهم على تهريب مختلف أنواع الأسلحة، الثقيلة والخفيفة منها، وإخراج ما تم إخفاؤه طوال الفترة السابقة للعملية الانتخابية، في استعراض كافٍ لتهديد استقرار تلك المنطقة، للفت أنظار المرشحين إليهم، والذين يلجأون للاتفاق معهم ليكونوا عونًا لأنصارهم في الانتخابات.

ولن ننكر أن الأجهزة الأمنية في بعض المناطق بالصعيد تبدأ في اتخاذ التدابير اللازمة والملائمة قبل بدء العملية الانتخابية «البرلمان»، من خلال تحذير المرشح ومطالبته بالتنبيه على أنصاره وأعوانهم من تجار السلاح والبلطجية بعدم إطلاق الأعيرة النارية بطريقة عشوائية أثناء سير العملية الانتخابية، أو ابتهاجًا بفوزه أمام منافسيه.

أضف إلى ذلك، أن تلك الأجهزة تقوم أيضًا برصد المرشحين للانتخابات، وتكثّف من تحرياتها عن أنصارهم أو أولئك الذين جرى استقطابهم من المسجلين خطر وتجار السلاح، حيث إن العلاقة بين المرشح ومن يستقطبهم من بين هؤلاء علاقة «تبادل منفعة»، فكل منهما يجد ضالته في الآخر؛ أحدهما يرغب في بسط نفوذه وعائلته باستعراضه قوته من خلال أنصاره في الانتخابات، والآخر يسعى إلى أن يحجز لنفسه مكانة اجتماعية متقدمة بين أقرانه من تجار السلاح والبلطجية في دولتهم السرية في الصعيد.

غير أن ما يثير الدهشة في تلك القصة، أن كبار المتعاملين فيها معروفون للجميع، وتربطهم علاقات واسعة بالأوساط الشعبية والأجهزة الأمنية على حد سواء؛ حيث إنهم يتحركون بحرية تامة في مواكب تأمين أو كحراسات بالأسلحة الآلية لبعض الشخصيات التي تنتوي خوض الانتخابات، وتحركهم يتم علنًا في الكمائن الأمنية والطرق الرئيسية، والأكثر دهشة في ذلك، أن هؤلاء الأفراد معظمهم من المطلوبين أمنيًا، وهنا تكمن المخاوف من انهيار الاستقرار النسبي في بعض المناطق بالصعيد، خاصة في الدوائر الانتخابية الرئيسية التي تشهد تحفزًا بين المتنافسين من قبيلتين مختلفتين في نفس الدائرة، والوقائع الكارثية التي حدثت من قبل وراح ضحيتها العشرات ما بين قتيل وجريح، كثيرة ولا مكان لذكرها هنا.

ما ذكرته آنفًا يفسر ضرورة الاهتمام بتكثيف تواجد القوات الأمنية واتساع دائرة عمل أجهزة البحث والتحري، تجنبًا لوقوع المزيد من الضحايا أو تكرار حدوث اشتباكات مرة أخرى، خاصة أن مصر مقبلة على إجراء انتخابات رئاسية تعقبها برلمانية خلال الفترة المقبلة، وأكثر ما يثير رعبي -على المستوى الشخصي- ليس أن القبائل والعائلات في الصعيد حاليًا يمتلكون أسلحة قديمة «مخلفات الحروب» أو تلك الأسلحة الخفيفة المهربة إليهم من بلدان مختلفة، ذكرتها بالتفصيل في مقالي «طرق تهريب ترسانات الأسلحة إلى الصعيد»، ولكن الرعب الذي لا تعرفه الدولة في هذا الشأن، يكمن في تلك الأسلحة الثقيلة التي صارت بحوزة بعض القبائل والعائلات في الصعيد منذ ثورة 25 يناير 2011، والتي من المؤكد سيلجأون لاستخدامها في موسم الانتخابات المقبلة، بعد غياب الإشراف القضائي عن الانتخابات، وعودة تفعيل اللجان مرة أخرى، والتي لن تتم في الصعيد إلا باستخدام ترسانات السلاح التي بحوزتهم لإحكام السيطرة الكاملة على لجان الانتخابات والفرز؛ لأن الصعيد له طبيعته القبَلية الخاصة القائمة على التوازن القبَلي، وكل عائلة أو قبيلة تسعى لتأكيد قوة مرشحها في الانتخابات من خلال كمية ونوعية الأسلحة التي يمتلكونها.

وأؤكد أنه إذا ما استمر الوضع كما هو عليه في السابق، سيكون التقتيل عشوائيًا في بلادي على هوية الانتساب القبَلي، فالترويع وسيلة لإثبات القوة والمكانة باستخدام السلاح، والأجهزة الأمنية معروف عنها هناك أنها في كل مرة تتحول إلى «قبيلة» تقف على الحياد في نزاعات القبائل الأخرى، وأصوات الأسلحة الآلية الكثيفة لا تزعجها، وسقوط الضحايا خارج اختصاصها، وكل ما يحدث من اشتباكات تتدخل فيها في أضيق الحدود، وكأن كل ذلك أمور لا شأن لها بها، وأنا متفق أن كل ذلك الكلام عبثي ومهين لأية دولة، ويمنح القانون إجازة، ويحيل الدولة إلى التقاعد في ظل مستويات التسليح المرعبة التي وصل إليها الصعيد، ودرجات العنف الانتقامي التي تجاوزت أي حد، وأظهرت الدولة في وضع ضعف غير مسبوق.

أخيرًا وليس آخرًا، أرى أن الكرة الآن في ملعب الحكومة، وعليها أن تتدارك أخطاء الحكومات السابقة وتبدأ في نزع السلاح وتفكيك ترساناته المتواجدة في الصعيد، دون إغفال للتعقيدات القبَلية هناك، والعمل على تخفيض آثارها بالوسائل السياسية؛ بمعنى أن تكون الدولة الطرف الأقوى في المعادلة كلها لا مجرد وسيط بين الأطراف المتنافسة والمتقاتلة هناك، هذا إذا كانت حقًا تريد التوصل إلى حل يقضي على الأزمات المختلفة التي يعاني منها الصعيد، والدولة عليها الآن إما أن تفرض هيبتها وقوتها وتجمع السلاح المنتشر في الصعيد، وتفرض السلام على الجميع، أو أن تنتظر الأسوأ.. وحفظ الله مصر والمصريين من كل سوء.

التعليقات