حجة البليد.. الإعلام - بلال فضل - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حجة البليد.. الإعلام

نشر فى : الثلاثاء 14 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 مايو 2013 - 10:09 ص

8ــ عندما تكون صاحب رؤية غير قائمة على الشعارات الهلامية، بل قمت ببنائها على تجاربك الناجحة والفاشلة، لن تندهش إذا وجدت أن أعداءك لن يقابلوا ميلك إلى تجنب الصراع بأن يجنحوا بدورهم للسلم، بل على العكس سيحاولون تحطيمك ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، لكنك لن تنشغل بهم قدر إنشغالك بتحقيق إنجازات تُفشل رغبتهم في تحطيمك، والأهم أنك لن تمنحهم بغبائك السياسي كل يوم هدية جديدة تجعل مهمتهم في تحطيمك أسهل وألذ.

 

في دراسته عن مشوار لولا دي سيلفا يقول المؤرخ الأمريكي بيري أندرسون أن كراهية لولا للنزاع والصراع لم يتم مقابلتها بالمثل، خصوصا من وسائل الإعلام الأكثر إنتشارا وتأثيرا، ففي حين كانت وسائل إعلام عالمية ذات سمعة رفيعة مثل مجلة الإيكونوميست وصحيفة الفايناننشيال تايمز لا تكفان عن الثناء على حلول لولا المبتكرة في تقديم سياسات إجتماعية تخدم الفقراء دون أن تصطدم بسياسات السوق، وعلى وضعه بلاده على مسار ثابت نحو الإزدهار، كان من يقرأ صحفا ذائعة الإنتشار في البرازيل مثل صحيفتي «فولها» و»استادو» ومجلة «فيغا» يشعر أنه يعيش في عالم مختلف، فبحسب ما يرد عادة في مقالات تلك الصحف فإنه «كان يحكم البرازيل حكما سيئا ديكتاتور فظ ومدّعٍ لا يفهم بتاتا المبادئ الإقتصادية، كما لا يكن أدنى إحترام للحريات المدنية ويمثل تهديدا دائما للحرية والملكية على حد سواء».

 

يقول أندرسون أنه لم يكن لدرجة الحقد الإعلامي الموجهة ضد لولا أي علاقة تقريبا بما كان يقوم به فعليا، إذ خبأت وراءها ضغائن أكثر وأكبر، فقد عنى نظام لولا بالنسبة إلى الإعلام فقدان السلطة التي اكتسبها منذ 1985 حين انتهى الحكم العسكري واستولى اليمين بإعلامه على السلطة، فقد كان أصحاب وسائل الإعلام والتلفزيونات يختارون فعليا المرشحين ويحددون نتائج الإنتخابات، حتى أن الصحافة قامت بتتويج سلف لولا «كاردوسو» رئيسا قبل حتى أن يترشح أصلا، ولذلك فقد كسرت علاقة لولا المباشرة مع الجماهير هذه السيطرة الإعلامية على المشهد السياسي، وللمرة الأولى لم يكن الحاكم رهن أصحاب المؤسسات الإعلامية، ولذلك كرهوه، وساعدهم على الإمعان في ضراوة حملاتهم الإعلامية وجود جمهور متعاطف معها، كان يتمثل في طبقات البلاد الوسطى التقليدية المتمركزة في المدن الكبيرة وخصوصا ساو باولو، والذين شعروا أن وجود لولا يهدد منزلتهم الإجتماعية، فالرئيس الحالي كان عاملا سابقا غير متعلم اشتهر بلغته الشعبية الركيكة، وزاد الطين بلة لدى هؤلاء أن الرعاع من وجهة نظرهم صاروا يحصلون في عهده على سلع إستهلاكية كانت مخصصة للطبقة المتوسطة فقط، فراح هؤلاء الرعاع يتباهون بذلك في حياتهم اليومية بشكل أزعج أبناء الطبقة الوسطى. أذكر أن الصديقة المدونة هند محيي الدين حكت لي عن لقاء جمعها بزملاء برازيليين في شركة بترول كانت تعمل بها وفوجئت بكم العداء الذي يكنونه له وإتهامهم له بأنه خرب البرازيل وقام بتدليل حثالة البشر فيها ليقوم بتخريب بنية المجتمع البرازيلي، وهو ما أكد لي عبقرية التوصيف الذي أسماه الناقد السياسي البرازيلي إيليو غاسباري «ظاهرة رُهاب الشياطين» التي تشكلت من امتزاج الغم السياسي الذي يشعر به أصحاب المؤسسات الإعلامية مع الضغينة الإجتماعية الموجودة لدى قرائهم أبناء الطبقة الوسطى، ليشترك الجميع في ظاهرة مرارة غريبة تعادي نظام لولا.

 

أذكر أنني تحدثت عن علاقة لولا المتوترة بالإعلام البرازيلي في البرنامج الإذاعي (في أوروبا والدول المتخلفة) الذي كنت أقدمه في شهر رمضان الماضي على إذاعة نجوم إف إم، فهلل أنصار الإخوان له وصفقوا كعادتهم كلما سمعوا كلاما يعجبهم، لكنهم صموا آذانهم تماما عن النصف الآخر من الكلام الذي تحدثت فيه عما فعله لولا في مواجهة هذه الحرب الإعلامية الشرسة، فلولا مثلا لم يكن من الغباء بحيث يصعب مهمته أكثر بمحاربة وسائل الإعلام هذه بالدعاوى القضائية والبلاغات التي يرفعها محبوه وأنصاره، لأنه كان يعلم أنه لو فعل ذلك سيجعل الشكوك التي تروجها وسائل الإعلام ضده بأنه كان يستخدم الديمقراطية التي لا يؤمن بها للوصول إلى الحكم، لذلك قرر أن يترك قراراته وحدها ترد على وسائل الإعلام المعادية له، وابتعد عن إتخاذ أي قرارات إستبدادية يستغل فيها صلاحياته لكي يعطي الحجة لوسائل الإعلام أن تقول للناس: ألم نقل لكم أن خلف هذا الوجه الذي يدعي محبتكم ديكتاتور شرير يتحين الفرصة لضرب الديمقراطية، وكما قرأت في دراسة بيري أندرسون فإن المجال الوحيد الذي قرر فيه لولا توسيع صلاحياته الرئاسية كان مجال القرارات الرئاسية للتوظيف حيث كان يصدر كل عام قرارات بتوظيف حوالي 200 ألف شخص في وظائف يرى أنهم الأكفأ لها، وكان حزبه يساعده على إختيار أكفأ العناصر التي كانت مظلومة في العهد السابق بحيث لا يجلب تعيين هؤلاء سخط الناس بل على العكس يثير إستحسانهم وتأييدهم له ولحزبه.

 

لقد كان لولا أكثر حكمة من أن يظن أن وجود عشيرة عمالية تدعمه سيكون كافيا لإخراس وسائل الإعلام الكارهة له، وهكذا استمر مع كل يوم له على كرسي الحكم يقابل كل طعنة إعلامية يتلقاها بإكتساب مواطن يؤيد سياساته بعد أن رأى مدى فائدتها له، وعندما وصل لولا إلى نهاية فترة رئاسته الثانية كانت كل وسائل الإعلام المعادية له تقسم لجمهورها أن لولا لن يترك كرسي الحكم أبدا، وأنه سيعمل إلى التحايل على الدستور، وسيقوم بإستغلال شعبيته لضرب تداول السلطة في مقتل، لكن لولا لم يكتف فقط بأن يفي بتعهداته ليترك الحكم وهو في أوج مجده، بل حرص على أن يقدم للبرازيل خليفة يحافظ على إنجازاته، ظل لولا يساهم في إعداده لسنين ووقف إلى جواره بكل ما أوتي من قوة، فقط لكي لا يذهب كل ما حققه لشعبه أدراج الرياح بعد أن يرحل عن الحكم، كانت هذه الخليفة إمرأة إسمها ديلما روسيف جاء إنتصارها في الإنتخابات الرئاسية إنتصارا جديدا للولا دي سيلفا، وهو ما نختم به حديثنا عن لولا دي سيلفا في (المعصرة) غدا بإذن الله.

 

belalfadl@hotmail.com