أهمية العودة إلى أساسيات اللغة العربية - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أهمية العودة إلى أساسيات اللغة العربية

نشر فى : السبت 14 مايو 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الخميس 27 أكتوبر 2016 - 7:32 م
ليست الممارسة، الممارسة، والممارسة «النهج الأكثر عصرية فى التعليم فى العالم اليوم. لكن عندما تبحث عميقا لإلقاء نظرة على الطريقة التى يتعامل فيها الناس مع المعلومات، فإن هنالك علامة استفهام حول إذا ما كانت الابتكارات الحديثة فى المناهج التعليمية مناسبة حقا للجميع أم لا».

استثمرت دول الخليج بكثرة فى مجال التعليم، وقد يتوقع أولياء الأمور والسلطات على حد سواء وبشكل معقول إنجازات كبيرة لطلابهم نتيجة لذلك. لكن ما السبب الذى يجعل طلاب الدول العربية، عندما يشاركون فى تقييمات المقارنة الدولية، يسجلون درجات تقع فى أسفل القائمة تقريبا فى اختبارات القراءة، والرياضيات، والعلوم؟

لنأخذ على سبيل المثال، درس القراءة فى اللغة العربية للصف الأول لمدرسة للبنات فى إحدى المدن الخليجية. حيث تقوم المعلمة بجعل إحدى الفتيات ترتدى رداء من الأوراق المقصوصة لجعلها تبدو وكأنها شجرة، فيما تم قص أجزاء أخرى من الورق على شكل أوراق شجر وكل منها تحمل كلمات مكتوبة عليها. تقوم المعلمة بتسليم الأوراق للتلميذات، لينهضن بعد ذلك الواحدة تلو الأخرى لتعليق الأوراق ذات الكلمات بدبوس على رداء الفتاة «الشجرة». تستغرق العملية نحو 15 دقيقة، وهى الفترة التى تكون فيها التلميذات متيقظات وسعيدات. لكنهن، وبعيدا عن قراءة كلمة واحدة، فإنهن لا يشاركن فى مهمة تعليمية محددة.

فى الوقت نفسه، عندما تطلب من التلاميذ القراءة على انفراد من الكتاب المدرسى الرسمى للصف الأول، فإنهم يتعثرون. سيكون بإمكانهم تكرار الجمل التى تم تقديمها لهم فى وقت سابق، لكنهم كانوا بطيئين فى تحديد الكلمات أو الجمل الأخرى فى كتابهم. وقد كان هذا فى شهر أبريل، أى قبل شهرين فقط من نهاية العام الدراسى الحالى. يتمكن طلاب الصف الأول ذو المستوى المتوسط فى دول مثل رومانيا وألبانيا من قراءة صفحات كاملة من كتبهم الدراسية، حتى إذا ما كانوا يقومون بذلك بتردد شديد. لكن المشرف على المنهج فى الوزارة فى تلك الدولة الخليجية، قال إن «الهدف هو تمكين التلاميذ من قراءة جمل منفردة فقط».

***

يُعتبر الطريق للقراءة والرياضيات طويلا بالنسبة للطلاب العرب. فمن السهل اكتساب اللغة العربية مع الحركات، تماما كما هو الحال مع الخط اللاتينى للغة التركية أو الألبانية، لكن الحروف متعددة الأجزاء تبطئ من القراءة. والتقدم ليس خطيا، ففى نهاية المطاف تتم إزالة الحركات، ويتدهور مستوى الطلاب مؤقتا لما يقرب من مرحلتين دراسيتين. تستخدم جميع البلدان اللغة العربية الفصحى، ولكن لا يتم التحدث بها فى أى منزل، وفى الوقت ذاته يتوجب على الطلاب تعلم قواعدها المنطقية والمعقدة فى محاولة لفهم النصوص حتى فى كتب الصف الأول. كما تعتمد الرياضيات أيضا على المعرفة اللغوية السريعة والسلسة.

وهذا يعنى بأن على الطلاب العرب أن يدرسوا ويمارسوا ما درسوه بشكل مكثف فى الصف الأول من أجل أن ينافسوا الدول الأخرى على نحو فعال عندما يصلون إلى الصف الرابع.

فأى الأنشطة بإمكانها تحقيق ذلك؟ بإمكان أبحاث استغرقت أكثر من 100 عام حول اكتساب المهارات أن ترشدنا للطريق. باختصار، يتوجب على الطلاب أن يتعلموا من خلال قراءة الحروف المنفردة، ويتوجب ممارسة ذلك فى مجموعات لعدة ساعات. تسرع الممارسة فى جميع المواد من عملية معالجة المعلومات، حتى يصبح الأداء سلسا وتلقائيا. يحرر هذا القدرات العقلية التى يمكن استخدامها لفهم النص، والانخراط فى التفكير الرياضى، والتداول النقدى لمختلف المواضيع. لذلك، ينبغى استخدام وقت التدريس لتحقيق أقصى قدر من الممارسة وتسريع الأداء.

تبدو الأنشطة المبتكرة مثل رمى الكرات على الكلمات أكثر جاذبية من القراءة التقليدية أو تمارين الرياضيات، لكن التمرين الذى يتم استخدامه بصورة تقليدية كان بسبب إدراك المعلمين وعلى مدى قرون لقيمة الممارسة العملية.

***

لفت الاهتمام بالتقييمات الدولية الانتباه بخصوص مشكلة قراءة اللغة العربية. فمن دون تدريب مبكر ومكثف، من المحتمل ألا يكون الطلاب العرب قادرين على معالجة قدر أكبر من المعلومات كما هو حال طلاب اللغات والخطوط المكتوبة الأخرى. وهذا ما يوجب تركيز الجهود لدراسة كيفية استغلال الوقت وتحسين ذلك على أفضل ما يمكن. من العبث أن نبحث عن تفسيرات اجتماعية أو اقتصادية لضعف أداء الطلاب العرب حتى تتم إعادة تشكيل المرحلتين الدراسيتين الأولى والثانية لتحقيق أقصى قدر من الممارسة للدرجة التى يمكن أن تصبح فيها مهارات القراءة تلقائية.

كيف نركز على الممارسة؟ بإمكان المعلمين أن يقوموا بدعوة كل طفل إلى السبورة، لكن وفى الوقت نفسه، يمكن لهم أن يعطوا الزملاء فى الفصل المدرسى نصوصا ليقوموا بفك شفرتها، وتشجيعهم على استكمال مهامهم. فيما يمكن أن تقتصر الأنشطة التى يتطلب إعدادها وتنفيذها الكثير من الوقت على مرة واحدة فى الأسبوع على سبيل المثال. وبعد أن يصبح التلاميذ قادرين على أداء المهارات الأساسية تلقائيا، سيكون لديهم المزيد من القدرات العقلية المتاحة للانخراط فى التفكير الإبداعى الأكثر تعقيدا.

غالبا ما يكون أولياء الأمور العرب قلقين للغاية، حيث إنهم يشعرون بأن عليهم توظيف مدرسين خصوصيين أو وضع أطفالهم فى مدارس باللغة الإنجليزية على أمل أن يكتسبوا المزيد من المعرفة. وقد يرى البعض منهم بأن أطفالهم مصنفون على أنهم عاجزون عن التعلم، فى حين أن كل ما يحتاجون إليه فى الواقع هو قدر إضافى من الممارسة. فمن الوسائل التى يتوجب على أولياء الأمور اتخاذها فى وقت مبكر مراقبتهم لسرعة القراءة. حيث يتوجب على الأطفال من الطبقة الوسطى، على أقل تقدير، قراءة اللغة العربية بالحركات بطلاقة بحلول نهاية الصف الأول. كما إن بالإمكان استخدام الساعة لقياس عدد الكلمات بالدقيقة، على أن يكون الهدف الوصول لقراءة 45 كلمة فى الدقيقة فى نهاية الصف الأول من المدرسة. فيما يشكل الفهم تحديا مختلفا قليلا، حيث يحتاج الطلاب لفهم أشكال اللغة العربية الفصحى بسرعة ودقة، ومن الوسائل السهلة التى تُمكن الدماغ من تحقيق ذلك القيام بتعلمها بشكل منهجى. وإذا ما بقيت النتائج غير مرضية، فبإمكان أولياء الأمور مناقشة المعلمين حول كيفية اتخاذ الإجراءات اللازمة.

تمجد العديد من مقالات الإنترنت فضائل الابتكار، لكن القليل منها يقدم أدلة علمية على أن الابتكار فى حد ذاته مفيد بالنسبة للطلاب. لعل الابتكار الأكثر أهمية يتمثل فى تطبيق نتائج البحوث فى مجال التعليم. فمن أجل أن تستحق منحها وقت الفصول الدراسية، يجب أن يثبت كون الأنشطة فعالة – أو غير ضارة على أقل تقدير. وفى الوقت الحاضر، لا يبدو بأن هذا هو الحال فى التعليم العربى.
ينشر بالاتفاق مع مجلة الفنار للاعلام
النص الأصلي: هـــنـــا
التعليقات