بوتين وأردوغان والآخرون - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بوتين وأردوغان والآخرون

نشر فى : الأحد 14 أغسطس 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الأحد 14 أغسطس 2016 - 9:40 م
لم يكن «فلاديمير بوتين» و«رجب طيب أردوغان» وحدهما فى «قصر الأباطرة» بـ«سان بطرسبرج»، حيث إرث التاريخ ماثل بالصدامات الدامية بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية.

العالم كله كان هناك يستقرئ حسابات المصالح المتغيرة خلف الأبواب المغلقة والتحولات الاستراتيجية المحتملة فى قواعد النفوذ والقوة بأكثر الأقاليم اشتعالا بالنيران.

فتركيا ليست بلدا هامشيا، وثقلها الاقتصادى والسكانى ــ فضلا على موقعها الجغرافى الفريد ــ يضفى عليها أهمية استراتيجية لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها، غير أنها منهكة بفداحة وتعانى من حالة عدم اتزان بأثر «انقلاب عسكرى» فاشل تبعه «انقلاب مدنى» قاده «أردوغان» على أى قواعد ديمقراطية أو أصول لـ«دولة القانون» فى العالم الحديث.

وروسيا لاعب دولى رئيسى اكتسب أدوارا إقليمية كبرى من البوابة السورية، وسياساتها البراجماتية تخضع للغة المصالح وحدها، وقد وجدت الفرصة أمامها فلم تتردد فى العمل على اقتناص جوائزها لكن بحذر اعتاده رجل الكرملين القادم من عوالم الاستخبارات.

يدرك «بوتين» أن ضيفه مثخن بالجراح، فى وضع يفقده أى ندية مفترضة، لكنه حاول ألا يشير إلى مواطن ضعفه، ففى السياسة العبرة بالحصاد الأخير.

فى حالة عدم الاتزان التركى حالة أخرى من عدم اليقين عند «أردوغان» من حقيقة توجهات حلفائه الاستراتيجيين، فهو يتهم الولايات المتحدة بأن لها دورا فى الانقلاب الفاشل دون أن يقدم دليلا، ويقول إن الاتحاد الأوروبى رسب فى الاختبار كأنه اتهام فى مطلق الكلمات بالتورط فى الانقلاب، ويصف «حلف الناتو» بأنه لم يكن على مستوى المسئولية دون أن يكون الكلام محددا.

هو رجل يعتقد أن كل حلفائه الاستراتيجيين خانوه وحاولوا التخلص منه، وهذا الاعتقاد يذكى سعيه للبحث عن «خيارات أخرى فى شأن التعاون الدفاعى»، بحسب المتحدث الرسمى باسم الرئاسة التركية.

لا يعنى ذلك أن تركيا بوارد الخروج من «حلف الناتو»، فهناك تأكيدات قاطعة تقول إن مثل تلك العلاقات ليست محلا للنقاش.

بل إن وزير الخارجية التركى نفى من الأصل أن يكون هناك أى رسالة للغرب فى قمة «قصر الأباطرة».

نحن أمام تصريحات مضطربة، بعضها خشن، ورسالتها لا لبس فيها أمام مراكز صناعة القرار فى الغرب، وبعضها دبلوماسى تطلب أن تظل الأبواب مواربة وألا توضع عليها أقفال ومتاريس تمنع أى تفاهمات جديدة.

فى الاضطراب مشاعر ومخاوف وسعى فى الوقت نفسه لاستكشاف صلابة الأرض التى يقف عليها الرئيس التركى والفرص التى قد يوفرها الاقتراب من موسكو فى تليين السياسات الغربية التى يصعب عليها بأى حساب خسارة حليف إقليمى جوهرى بغض النظر عن طبيعة نظامه.

رغم كل الفجوات الواسعة التى تفصل «أردوغان» عن (٣٠) يونيو فى مصر، فإنه حاول أن يحتذيها فى الانفتاح على موسكو لموازنة تدهور العلاقات مع الإدارة الأمريكية.

بأى أفق؟ وإلى أى حد؟

هذا هو أكثر الأسئلة جوهرية التى لا بد أن يكون قد طرحها رجل الكرملين على مساعديه قبل مفاوضيه.

لم تكن مصادفة أن تكون القمة مع «بوتين» أول زيارة لـ«أردوغان» خارج بلاده بعد الانقلاب الفاشل.

بتلخيص ما فإن أهدافه تبدأ ــ من حيث هو معلن ــ بتسلم حليفه السياسى السابق «فتح الله جولن» المقيم بالولايات المتحدة الذى يتهمه بتخطيط وتمويل الانقلاب الفاشل، وتنتهى ــ من حيث هو مضمر ــ بخفض حدة الانتقادات لانتهاكات الحريات العامة وحقوق الإنسان وأبسط حقوق المتهمين فى ضمان محاكمة عادلة.

لا توجد احتمالات جدية لقطيعة تركية مع الغرب، غير أن الثقة المتبادلة تقوضت إلى حد كبير، ولا يخفى «أردوغان» خشيته من انقلاب جديد رغم إعادة هيكلة الجيش للسيطرة الكاملة عليه.

رغم أى ادعاءات عن القوة الهائلة التى بات يتمتع بها «أردوغان» بعد الانقلاب يصعب الحديث عن أى ندية حقيقية فى مباحثات «قصر الأباطرة».

هناك فوارق جوهرية بين الادعاءات والحقائق.

التوافق الوطنى الواسع على رفض الانقلاب العسكرى لا يعنى تفويضا مفتوحا بالعودة إلى عصور «السلطنة العثمانية«، وطبيعة العصر لا تسمح بالصمت عن أى انتهاكات ممنهجة تصادر الحريات العامة الأساسية.

القمع المفرط ضعف مستتر، و«بوتين» يدرك هذه الحقيقة ويتعاطى معها كـ«لاعب جودو» قديم يدرك من فنونها أين مواطن الضعف ليحسم موقعته أو مصالحه.

بيقين سوف يستثمر اللحظة إلى أقصى حد ممكن.

لم يكن الانفتاح التركى على موسكو مفاجئا بذاته، فقد اعتذر «أردوغان» قبل الانقلاب الفاشل عن إسقاط الطائرة الروسية بالقرب من الحدود مع سوريا، وذهب بعيدا فى إرضاء سيد الكرملين.

فى مرات سابقة خذلت «بوتين» رهاناته، وقد تدعوه تجاربه إلى شىء من التأكد من مواقع الأقدام قبل أى صفقات محتملة من طبيعة استراتيجية.

بالنسبة له سوريا أولوية مطلقة تفوق فى هذه اللحظة «الأزمة الأوكرانية» نفسها التى استقرت حقائقها رغم العقوبات الأوروبية، كما تتجاوز أهميتها أى مكاسب اقتصادية متبادلة بين موسكو وأنقرة فى السياحة ونقل الغاز والطاقة.

بقدر الإمساك بمفاتيح الحرب والتسوية تتأكد الأدوار الروسية فى موازين القوة والنفوذ وفى الترتيبات والخرائط المحتملة بعد تسوية الأزمة السورية.

بحسب الرؤية الروسية فإن تركيا متورطة فى دعم «داعش» و«النصرة» وتنظيمات تكفيرية أخرى، ومن طلباتها إحكام السيطرة على الحدود حتى لا ينفذ مسلحون جدد للداخل السورى.

بأى اقتراب موضوعى من الانعطافة التركية تجاه موسكو فإن كل طرف يحاول اختبار نوايا الآخر وحدود طاقته على التفاهمات والاختراقات وجديته فى المضى قدما بلا تلعثم فى منتصف الطريق.

ذلك موضوع المباحثات التالية التى تضم قيادات عسكرية واستخباراتية ودبلوماسية من الجانبين وللمقايضات غلبتها.

وفق التصريحات التركية هناك توافق على ضرورة وقف إطلاق النار والتوجه للحل السياسى وتدفق المساعدات الإنسانية للمحاصرين فى المناطق السورية المختلفة، غير أن الكلام كله عام ولا يعنى شيئا ممسوكا.

أكثر الأسئلة جوهرية الآن: كيف؟ ومتى؟ وبأى مخرجات؟

على الأغلب سوف تتخلى تركيا عن تشددها بشأن مستقبل الرئيس السورى«بشار الأسد» فى أى عملية سياسية مقبلة، وتعتمد الرؤية الروسية بصياغة لا تصطدم مع مصالحها.

بالمقابل سوف تطلب ضمانات روسية بعدم إنشاء دولة كردية على حدودها مع سوريا تهدد الوجود التركى نفسه كدولة موحدة.

مما يزعج الأتراك أن يروا الطائرات الأمريكية تشارك حزب «التحالف الديمقراطى السورى» حربه على داعش فى «منبيج» والسلطات الروسية تفتتح ممثلية فى عاصمتها موسكو للحزب الكردى نفسه.

للانزعاج أسباب أخرى أخطرها أن الجيش التركى، وهو الجيش الثانى من حيث تصنيف القوة فى «حلف الناتو»، فقد هيبته واحترامه بعد إذلاله على نحو لا مثيل له فى أى مكان آخر بالعالم، فبدا أسد الأناضول عجوزا نزعت مخالبه.