أزمة الوباء.. والعملية الديمقراطية فى المنطقة العربية - محمد العجاتي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الوباء.. والعملية الديمقراطية فى المنطقة العربية

نشر فى : الإثنين 14 أغسطس 2023 - 7:20 م | آخر تحديث : الإثنين 14 أغسطس 2023 - 7:20 م
منذ بداية العشرية الثانية من القرن الحادى والعشرين ومنطقتنا العربية تعيش فى حالة مد وجزر فى أوضاعها الديمقراطية، ما بين فترات فى دول من المد فى الممارسات الإيجابية، وفترات نرى فيها مجرد إجراءات ديمقراطية تفتقد القيم والمعانى الحقيقة وتركز فقط على الآليات، وبين فترات انقضت فيها السلطات على تلك المكتسبات وهكذا، أى إننا يمكننا وصف هذه الفترة بمرحلة مخاض للديمقراطية فى منطقتنا قد تنجب نظما جديدة أو قد تعود بنا لنماذج سلطوية لم تغب ولكن لم تتمكن بعد.
فى ظل هذه الوضعية غير المستقرة انتهت هذه الحقبة بكارثة إنسانية مروعة وهى وباء الكورونا، حيث أودى بحياة 6.45 مليون شخص فى جميع أنحاء العالم منذ ظهور الإصابات الأولى نهاية العام 2019 فى ووهان فى الصين وحتى نهايات العام 2022، وفقا لماريا فان كيرخوف رئيسة الفريق التقنى المعنى بكوفيدــ19 فى منظمة الصحة العالمية. بينما تفاعلت العديد من الدراسات والأبحاث مع الجانب الصحى والآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذا الوباء، تطرق القليل جدا منها للأبعاد السياسية للأزمة وآثارها على الممارسات الديمقراطية خاصة فى منطقتنا العربية، رغم أهمية هذا الموضوع فى ظل الحالة الموصوفة سابقا. وفى هذا الإطار يقوم منتدى البدائل العربى ببيروت بمشروع يرصد هذه الآثار بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية، والتى تم فى إطاره القيام بعدد من الأبحاث التى ترصد وتحلل الآثار السياسية للجائحة.
• • •
خلصت الأوراق لعدة إشكاليات خلفتها فترة الجائحة على العملية الديمقراطية فى المنطقة، حيث سنجد أن هذه الفترة بما فرض فيها من قوانين وما تم فيها من ممارسات قد رسخت فى معظم بلدان منطقتنا أزمة الثقة بين المواطن أو المواطنة من جانب وبين الدولة من جانب آخر، وهى أزمة تاريخية فى منطقتنا ولكن الوباء جاء ليؤكدها من جديد وتجلى ذلك فى حالات الرفض المعلن أو الصامت لإجراءات أساسية كان على الدول اتخاذها لحماية صحة مواطنيها ومواطناتها من الإغلاق وحتى اللقاح، حيث ظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعى وفى العديد من الفاعليات كلما أتيحت فرصة لذلك تشكك وريبة المواطن والمواطنة فى ما وراء هذه الإجراءات.
ومع ارتباط هذه الحالة بآثار اجتماعية، أكدت الأوراق أن العملية الديمقراطية ليست عملية منعزلة إنما تؤثر وتتأثر بالوضع الاقتصادى والاجتماعى فما ولدته الكورونا من آثار اقتصادية واجتماعية كان له انعكاسات واضحة على الممارسات الديمقراطية، كالعزوف عن المشاركة فى العمليات الانتخابية التى تمت خلال هذه الفترة فى أكثر من دولة. كما أوضحت الدراسات والتحقيقات الاستقصائية التى تمت خلال هذه الفترة أن النساء تعرضن لقمع مركب، حيث عانوا إلى جوار هذه الأزمة من نقص فى الموارد وزيادة فى الأعباء خاصة فيما يتعلق بتعليم الأطفال، وزادت معدلات العنف داخل المنازل تجاههن، ولم تكن النساء الفئة الوحيدة التى تعرضت لهذا القمع المركب وإنما فئات أخرى هشة تعيش فى مجتمعاتنا منها الفلاحون والأشخاص اللاجئون والمهاجرون.
كما شهدت هذه الفترة إغلاق لمساحات فى المجال كان قد تم اكتسابها خلال الفترة الماضية فى عدة دول فى المنطقة، فقد استخدمت القوانين الاستثنائية مثل الطوارئ والدفاع وغيرهما من المسميات ــ التى تم تفعيلها فى أكثر من دولة فى المنطقة لمواجهة الجائحة ــ للتضييق على الحريات والتراجع عن مكتسبات ديمقراطية كان البعض يظن أنه من الصعب التراجع عنها، فأتاح الوباء هذه الفرصة لأصحاب المصالح للقيام بذلك. بل إنه بعد انتهاء الجائحة لم توقف أكثر من دولة العمل بهذه القوانين الاستثنائية.
كما تشير الأوراق إلى أن الشفافية لم تكن كاملة، فعلى الرغم من أن عدة دول قد بدأت مع الأزمة سياسات إفصاح واضحة عن الأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية إلا إنها سرعان ما تراجعت عن ذلك. كما تشير العديد من المقالات إلى أن الأرقام المعلنة فى أكثر من دولة فى منطقتنا لم تكن معلومات كاملة أو واضحة والأرقام كانت متضاربة وغير دقيقة.
أى إنه يمكننا أن نقول إن الوباء سمح فى عديد من الدول باستدعاء تراث القمع، إلا أن الجديد هذه المرة فى أكثر من حالة فى منطقتنا كان الخطاب الشعبوى المصاحب لذلك، وهو بالطبع امتداد لخطاب منتشر فى العالم. أى أننا شهدنا عودة نموذج سلطوى قديم بخطاب شعبوى جديد.
• • •
ومع ذلك، الوباء ومحاولات مواجهته سواء من الحكومات أو من المجتمع لم تكن سلبية دائما فيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية، فقد شهدت بلاد عدة فى منطقتنا نشاطا غير معتاد للبلديات والمحليات حتى فى دول تتصف بالمركزية الشديدة فى توزيع الخدمات، وظهر هذا بوضوح فى عملية توزيع اللقاحات وتطبيق سياسات الإغلاق مما خلق درجة من السلطة المحلية والمشاركة الفعالة لها فى إدارة شئون مناطقها. كما برزت قدرات المجتمع المدنى على التفاعل مع الأحداث عبر حملات التوعية والتضامن وفتح مساحات فى العديد من الدول ذات النظم المغلقة لتفعيل دور المجتمع المدنى. هذه الحالة خلقت آليات جديدة للتضامن والتعبير، ومنحت مساحات للعديد من الأجيال الجديدة لدخول المجال العام وفتح مساحات للحوار والتفاعل والتعبير عبر وسائل التواصل كانت قد خفتت فى السنوات القليلة التى سبقت الكورونا، أو بالأحرى كان قد تم الهيمنة عليها من التيارات السياسية سواء التابعة للسلطات أو المعارضات ذات الخطاب الدينى، فجاءت الكورونا لتدخل فاعلين جدد لكسر هذا الاحتكار.
حتى السلطات فى منطقتنا حرصت على البعد الخاص بآليات الديمقراطية فقامت أكثر من دولة بتنظيم الانتخابات البرلمانية فى موعدها مع الأخذ بالإجراءات الاحترازية فى تنظيمها. ولم توقف إلا دولة واحدة العمل البرلمانى فيها واتبعت الدول الباقية آليات خاصة لاستمرار عمل البرلمان من تصميم برامج لاجتماعات أون لاين لأعضائه، إلى نقل الاجتماعات فى قاعات كبيرة خارج المقر التقليدى للمجلس التشريعى لتطبيق سياسات التباعد وغيرها من الحلول.
كما أن الجائحة كشفت عن ثغرات تخص خدمات حفز المشاركة المجتمعية فى التعامل مع هذه الفجوات بدءا من النقد وصولا للتبرع والدعم وهو ما من شأنه أن يخلق روابط من نوع جديد تمثل قاعدة للمشاركة والممارسة الديمقراطية. وأبرزت الجائحة العديد من القضايا النسوية العادلة التى دفعت السلطات للتدخل بأشكال مختلفة لحماية حقوقهن مثل تفعيل مراكز مواجهة العنف الأسرى فى أكثر من بلد أو وضع تعديلات تشريعية تخص حقوق المرأة على مائدة الحوار خلال الأزمة.
• • •
إذا كانت حصيلة تأثير الأزمة على الممارسات الديمقراطية سلبية خاصة على المستوى الحكومى إلا أنها أنبتت نبتات تحديدا على مستوى المجتمعات يمكن البناء عليها لترسيخ قواعد جديدة لممارسات ديمقراطية جيدة فى منطقتنا. ومع ذلك، هذا لا يمكن أن يتم فى ظل سياق دولى يرتفع فيه الخطاب الشعبوى ويأتى صداه فى منطقتنا، فالخطر الأكبر ليس فى الجائحة الصحية إنما فى الوباء الفكرى والممارسات المرتبطة به ولنا فى ذلك حديث آخر.
محمد العجاتي باحث والمدير التنفيذي لمنتدى البدائل العربي
التعليقات