ترامب وخاشقجى.. الأموال أم المبادئ؟!! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب وخاشقجى.. الأموال أم المبادئ؟!!

نشر فى : الأحد 14 أكتوبر 2018 - 11:45 م | آخر تحديث : الأحد 14 أكتوبر 2018 - 11:45 م

يوم الجمعة الماضى سأل الصحفيون فى البيت الأبيض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب: هل ستوقف المشتريات السعودية من الأسلحة الأمريكية، أو تمنع استثماراتهم على خلفية اختفاء الصحفى السعودى المعارض جمال خاشقجى؟.
إجابة ترامب كانت مباشرة وصادمة، حيث قال نصا: «السعوديون ينفقون ١١٠ مليارات دولار على شراء عتاد عسكرى من أمريكا، وعلى أمور توفر وظائف بالنسبة لبلدنا، لا أجد فكرة وقف استثمار بقيمة ١١٠ مليارات دولار فى الولايات المتحدة جيدة، لأنه هل تعلمون ما الذى سيفعلونه؟ سوف يأخذون هذه الأموال، وسينفقونها فى روسيا أو الصين أو أى مكان آخر، والأمر يشبه قرص دواء من الصعب على بلدنا ابتلاعه!!».
ترامب لم يحاول أن يزوق كلامه، ويريد أن يقول ببساطة: «ما يهمنى هو الأموال والاستثمارات وليذهب أى شىء آخر إلى الجحيم!».
لا أعرف ما الذى جرى لجمال خاشقجى، وعلى الرغم من اختلافى الكامل مع معظم أفكاره، القريبة من جماعة الإخوان، لكن اليوم أتعاطف معه كإنسان أولا وأخيرا، وأدين بأشد العبارات الممكنة أى استهداف لحياته، أو لحياة أى إنسان خارج نطاق القانون، وأتمنى أن ينتهى الأمر بمعجزة تظهره حيا، أو على الأقل تقدم تفسيرا صحيحا لما حدث له.
حديثى اليوم ليس عن واقعة الاختفاء، ومن هو المتهم ومن هو البرىء، فلا يوجد كلام رسمى نهائى حتى الآن، لكن أتحدث عن خطورة تصريحات ترامب التى يفترض أن تقدم لنا كيف تصوغ الدول الكبرى سياساتها، وما الذى يحدث حينما تتصادم المبادئ مع المصالح؟
هو حاول لاحقا التخفيف من كلامه الصادم، بقوله إنه سيبحث عن طريقة لمعاقبة السعودية، لكنه كرر أنه لن يوقف مبيعات الأسلحة لها.
ترامب قال أمس الأول: «فى هذه المرحلة يبدو أننا لم نجده بعد ولن نجده، وهذا محزن جدا». ويوم الأربعاء قال: «هناك احتمال أن يكون السعوديون قد قتلوه فى داخل القنصلية، وحدسى أن أمرا مثل هذا حدث، وسأشعر بالغضب إذا صح ذلك».
وبالتالى حينما يقول ترامب بعد ذلك بأيام أنه لن يوقف الاستثمارات أو مبيعات الأسلحة للسعودية على الرغم من إلحاح وغضب كبار المشرعين فى الكونجرس، فهذا يلفت نظرنا، خصوصا المثاليين بيننا، إلى كيف تفكر الدول الكبرى؟!.
بعض هؤلاء المثاليين يعتقدون أن الأمريكيين لا هم عندهم إلا قضايا الحريات وحقوق الإنسان وضرورة تطبيق قانون «ماجنتسيكى» الذى ينص على معاقبة مسئولين دوليين فى الخارج على علاقة بقتل أو تعذيب أو انتهاك كبير لحقوق الإنسان، وتقديم تقرير للكونجرس فى غضون ١٢٠ يوما مع قرار فرض العقوبات.
ترامب وهو رئيس أقوى دولة فى العالم، يقول عبر هذا التصريح الفج: «الأهم عندى هى المصالح الاقتصادية وفرص العمل والصفقات، وليس المبادئ أو الحريات أو حقوق الإنسان».
بالمناسبة بريطانيا فعلت الأمر نفسه قبل ١١ عاما حينما قرر رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير فى نوفمبر ٢٠٠٧ إيقاف التحقيق القضائى فى قضية الرشاوى فى صفقة الأسلحة الضخمة المعروفة إعلاميا باسم «صفقة اليمامة» وكانت بقيمة ٦٨ مليار دولار، وقال وقتها: «حتى لا تتضرر العلاقات مع السعودية لأنها شديدة الأهمية فى الحرب على الإرهاب وكى لا تفقد بريطانيا آلاف الوظائف». حدث ذلك لأن التقارير الصحفية، قالت وقتها إن الحكومة السعودية ستوقف الصفقة إذا استمر التحقيق البريطانى. ونتيجة لذلك أقرت أعلى هيئة قضائية فى بريطانيا فى مجلس اللوردات قانونية إيقاف التحقيق».
شىء من هذا القبيل حدث أيضا حينما طلبت الحكومة السعودية من الحكومة البريطانية، ترحيل المعارض السعودى المعروف محمد المسعرى وكذلك سعد الفقيه.
هل معنى الكلام السابق أن أمريكا وبريطانيا تتشابهان مع ما يحدث فى العالم الثالث والمتخلف بشأن حقوق الإنسان وحريات التعبير؟!.
بالطبع الإجابة هى: لا. لايزال فى هذه البلدان مجتمعات حية وصحافة حرة ومؤسسات مستقلة قادرة على التصدى لترامب شخصيا، لكن الحكومات ليست مثالية، كما يعتقد البعض عندنا. مصالحهم تأتى أولا، وإذا تصادمت هذه المصالح مع المبادئ فشعارهم الفعلى :«فلتذهب المبادئ إلى الجحيم».
وبالتالى فأغلب الظن أن أمريكا وغيرها من القوى الأوروبية وتركيا ــ وبعد تهديدات السعودية أمس بأنها سترد على أى عقوبات بإجراءات أشد ــ ستفكر فى كيفية الاستفادة ماليا واقتصاديا و«مصالحيا» من قضية اختفاء خاشقجى، ولا يوجد مانع من أن يتم ذلك تحت شعار حقوق الإنسان!!!.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي