الدروس الأمريكية - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدروس الأمريكية

نشر فى : الأحد 14 ديسمبر 2014 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 14 ديسمبر 2014 - 3:34 م

لماذا تصبح الدول القوية قوية؟

كما شاهدنا الإجابة يوما فى مشهد انهيار جدار برلين (١٩٨٩) الذى أعلن انتصار قيم وهزيمة أخرى، شاهدناها أيضا جلية واضحة قبل أيام فى مشهد السيدة Dianne Feinstein تقدم تقرير اللجنة التى شكلها مجلس الشيوخ الأمريكى للتحقيق ومساءلة مسئولى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA عن «تجاوزات» بدت تنتهك حقوق الإنسان.

لم يشفع للتجاوزات دعاوى أنها كانت بهدف «الحرب على الإرهاب» أو الحفاظ على الأمن القومى الأمريكى. كما كان واضحا أنه «حيث الديموقراطية لا حصانة لأحد».

by Paresh Nath

بلغة الأرقام، فإن التقرير الذى عكفت على إعداده لجنة تحقيق خاصة من الكونجرس مدة خمس سنوات كاملة جاء فى ٦٧٠٠ صفحة (التقرير الملخص المنشور يقع فى ٥٢٥ صفحة)، وكان كل هذا الجهد ينصب أساسا على التحقق من مدى «قانونية» الأساليب التى جرى استخدامها فى احتجاز والتحقيق مع ١١٩ متهما بالانخراط فى أنشطة «إرهابية» ذات علاقة بعملية ضرب برجى التجارة العالمى فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١ وبينهم خالد شيخ محمد الذى اعتبر العقل المدبر للعملية.

بلغة الأرقام أيضا ففى ٢٠١٤ وحدها (وتحديدا من أول يناير وحتى ١٦ نوفمبر) فقد ٩٠ مواطنا مصريا حياته لأسباب مختلفة داخل غرف الحجز بأقسام الشرطة المصرية (حسب تقرير لجريدة الوطن فى ١١ ديسمبر ٢٠١٤) وحسب التقرير الصحفى فضمن الأسباب أن هناك من يقضى عاما كاملا «فى غرفة ضيقة نصيبه من مساحتها لا يتجاوز نصف متر» لا يغادرها إطلاقا، وذلك حسب التقرير «لعدم وجود أماكن شاغرة فى السجون المكتظة بشاغليها» (بعض الأمور فى غنى عن التعليق).

وبلغة الأرقام ثالثا فإن عدد ضحايا واقعة سيارة الترحيلات الشهيرة (١٨ أغسطس ٢٠١٣) والتى لم يعاقب فيها أحد بلغ ٣٧ من المواطنين المصريين، بينهم من كان قد ألقى القبض عليه عشوائيا من الشارع.

وبلغة الأرقام رابعا فإن عدد المواطنين الليبيين الذين أعدمهم نظام القذافى سرا (فى ساعة واحدة دون تحقيق أو محاكمة) فى مجزرة سجن بوسليم الشهيرة (يونيو ١٩٩٦) تجاوز الألف.

وبلغة الأرقام خامسا أن عدد العراقيين الذين أبادهم نظام صدام فى مذبحة «حلبجة» (مارس ١٩٨٨) تجاوز الثلاثة آلاف فى أقل التقديرات.

وبلغة الأرقام سادسا يصل عدد «الإرهابيين» حسب ما تقوله البيانات الرسمية؛ الذين «قضينا عليهم» قى هجمات ومداهمات مختلفة فى سيناء وغيرها إلى ٥٤٩ حتى تاريخ كتابة هذا المقال.

وبلغة الأرقام سابعا (وليس أخيرا) وصل عدد ضحايا «الدولة» الإسلامية هذه المرة (داعش) خلال شهر نوفمبر فقط إلى ما يزيد عن الألفين. وبعضها إعدامات دون محاكمة. ناهيك عن ضحايا التفجيرات الجهادية «انتحارية وغيرها» فى شتى أرجاء المعمورة والذى تجاوز الخمسة آلاف حسب تقرير أخير.

كأنها «دائرتنا الجهنمية المغلقة» ندور داخلها بلا توقف. هو العنف ذاته، وهى الدماء ذاتها، وهي التوليتارية ذاتها، مهما اختلفت القبعات. وهي الناتج الطبيعى لوهم احتكار الحقيقة المطلقة؛ دينية كانت أو وطنية أو عِرقية لا فرق.

للذين يريدون حقا القضاء على الإرهاب، ويدركون أهمية مواجهة «المرض لا العرض» أن يعودوا للأرقام عاليه.

•••

هل نجحت الأساليب «القاسية» أو اللجوء لتعذيب الجناة أو المشتبه بهم (أو حتى هجمات الأباتشى أو الطائرات بدون طيار) فى «مكافحة الإرهاب» أو فى جعل العالم أكثر أمنا؟

يجيب تقرير مجلس الشيوخ «بلا قاطعة». ويجيب الواقع أن فى الأسبوع ذاته وبعد ثلاثة عشر عاما من إعلان بوش «حربه على الإرهاب»، فجر انتحارى طالبانى نفسه داخل مسرح المدرسة الفرنسية فى كابول، واضطرت إدارة أوباما إلى إغلاق سجن «باجرام»، بعد أن استوعبت الدرس الذى يقول ببساطة أن العصا الغليظة، مهما كانت قاسية وعنيفة ومتجاوزة، لن تفلح أبدا فى التعامل مع إرهاب يعشش فى عقل «انتحارى» يغذيه ليس فقط فكرٌ عقيمٌ لكتب موروثات قديمة، بل وإحساسٌ واقعىٌ بالظلم والقهر وعدم المساواة.

من الدروس أيضا أن بعد أحد عشر عاما على وقفة بوش الطاووسية على المدمرة Abraham Lincoln ليعلن ما تصوره نجاحا Mission Accomplished، نجح تنظيم «الدولة الإسلامية» أن يسيطر واقعيّا على مساحات شاسعة من أراضى «دولتى» سوريا والعراق.. لماذا؟ لأن العدو الحقيقى للحرب على الإرهاب لم يكن ساعتها بن لادن المختفى فى كهوف «تورا بورا» أو الذى جرى إعدامه فى بيت ريفى فى «أبوت آباد» بل حكومات مستبدة لم تعدل يوما بين مواطنيها، كما لم تدرك أبدا خطر اللعب بنار الطائفية التى أمسكت فى أطراف ثيابها فى نهاية الأمر.