عودة شرفاء الشرطة .. عودة كل المختطَفين - محمد المخزنجي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 2:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عودة شرفاء الشرطة .. عودة كل المختطَفين

نشر فى : الثلاثاء 15 فبراير 2011 - 11:07 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 15 فبراير 2011 - 11:07 ص

 حين كتبت أكثر من مرة مدافعا عن أهمية جهاز الشرطة وعدم الاندفاع فى التعميم لإدانة العاملين فيه، لم أكن فقط أدافع عن الشرفاء فى هذا الجهاز، والذى بالقطع يوجد فيه شرفاء كُثر، لكننى كنت أدافع عن شرط من شروط الحياة، فما من تجمع حى إلا ولديه شرطة تحمى أمنه من إغارات المعتدين عليه، وانحرافات الجانحين فيه، سنجد هذا فى أسراب الطيور، والأسماك، وعشائر الأفيال، وقبائل النحل، وحتى داخل أجسامنا وأجسام كل الأحياء، فالجهاز المناعى فى تفاصيل تشكيلاته ومهامه، هو جهاز شرطة، يواجه هجمات الميكروبات الدخيلة وانحرافات الخلايا التى تتحول إلى سرطانات، ولولا شرطة أجسادنا هذه لانقرضت البشرية لأننا منذ وجودنا المبكر، نتعرض يوميا لتحول خلايا جانحة إلى خلايا سرطانية تتصدى لها دون توقف خلايا أجهزتنا المناعية، أفراد شرطتنا الربانية، لهذا قلت وسأظل أكرر أن مهمة الشرطة السوية هى مهمة ربانية، وأداء المحترمين من بينها فى مواجهة المجرمين هو نوع من التطوع للشهادة.

قيل لى ضمن ما قيل عندما كتبت ما كتبت: «كيف تقول ذلك وأنت صاحب ثأر مع جور هذا الجهاز الذى اعتقلك أكثر من مرة وأنت طالب وطبيب شاب، روّع والديك وأهلك، وظلمك فى فترات سجن بلغ مجموعها سنتين من زهرة عمرك؟» قلت، وأكرر ذلك الآن: «لم يكن جهاز الشرطة هو الذى فعل ذلك بى وبآلاف طلاب الحق والعدل والحرية من أبناء هذه الأمة على امتداد كفاحها الذى لم ينقطع أبدا، فالفاعل الأصلى والمجرم الحقيقى كان صاحب القرار السياسى الذى أطلق نظامه قرار ترويع أصحاب الرأى المختلفين معه والمعارضين له، ولم يكن جهاز الشرطة، خاصة جهاز أمن الدولة، إلا أداة تنفيذ فى يد النظام ومتخذ القرار السياسى».

صحيح أن هناك مرضى فى جهاز الشرطة الاستشهادى والنبيل نفذوا أوامر متخذ القرار السياسى الفاسد بافتراء ووحشية، لكن هناك أغلبية تم الزج بهم كُرها فى معارك الفساد والاستبداد السياسى ضد الأمة، لمجرد أنهم ملتزمون بتنفيذ الأوامر، وإن كان هناك أبطال بينهم إما رفضوا تنفيذ إجرام هذه الأوامر، أو بذلوا جهدا شاقا للنأى بأنفسهم عن جورها ووحشيتها. ثم يتبقى الجسم الأكبر من جهاز الشرطة الذى لم يمسسه سوء، أبطال فى أجهزة الإطفاء والدفاع المدنى والنجدة ومكافحة الجريمة وأمن الناس والبيوت والشوارع، هؤلاء لم يكونوا فى عملهم النبيل إلا مشاريع شهداء وقِبلة غوث للملهوفين وحصن أمان للخائفين، ولا يزالون، وسيظلوا.

لقد اختطف متخذ القرار السياسى الفاسد وبطانته وعصابته قطاعات من جهاز الشرطة، لحراسة حصون فساده وقلاع استبداده، وحماية حثالة منتسبة، مافيا أصحاب المنافع الحرام، لكن هذا لا يعنى أبدا أن نعمم الإدانة على جهاز الشرطة، على جهاز جسد الأمة المناعى، على شرفاء هم بكل المقاييس أغلبية فى هذا الجهاز الذى لا نطالب فقط بعودته الحميدة، بل نرجو كل شرفائه أن يعودوا إلى نبالة مواقعهم وقدسية مهماتهم، لأنها مواقع ومهمات فى صورتها السوية والأصيلة محاكاة لبديع خلق الله فى مخلوقاته، فينا ومن حولنا كما أسلفت.

جهاز شرطتنا الوطنية كان مُختطَفا من نظام الاستبداد والفساد البائد، ولا بد أن نرحب بعودة كريمة لشرفائه وهم الأغلبية، عودة كريمة نحوط أفراده خلالها بكل الاحترام، ونصرُّ أن نبلور احترامنا لهم كما احترامهم لنا فى إطار القانون وصون الكرامة المشتركة لنا جميعا كمواطنين، إخوة، وأبناء أم واحدة. ولعلى أُضيف اقتراحا رمزيا يؤكد عودة هؤلاء الشرفاء من جهاز شرطتنا الوطنية، وحمايتهم وحماية أنفسنا من كل تجاوز هنا أو هناك، وهو أن تكون هناك بطاقة تعريف باسم حاملها، وتكون أرضية هذه البطاقة علم مصر، تزين صدر كل ضابط أو ضابط صف أو جندى من الشرطة أثناء وجوده فى الخدمة.

هذا إلى أن ينفسح الوقت، ونستعيد من الأمن والأمان ما يتيح لنا جميعا كأمة، صياغة ميثاق جديد يصون شرطتنا الوطنية من أى احتمال للاختطاف السياسى أو غير السياسى. ويصون حياتنا جميعا من ويل خسارة جهازها المناعى الحامى من كل سرطانات وميكروبات الاستبداد والفساد.


وعلى سيرة الاختطاف، لا يمكن أن تكون هناك أرضية حقيقية لثقة فاعلة بين الأمة وبين شرطتها، بينما هناك مئات من المفقودين لابد أن كثيرا منهم مقبوض عليهم ومودَعين فى سجون أو مغارات ما من مغارات نظام البلطجة والاختطاف البائد، هؤلاء لابد من الإفصاح عن مصائرهم وأماكن احتجازهم كحد أدنى، بل الإفراج عنهم كمطلب وطنى لأمة ثائرة ومطلب إنسانى لبشر معذبين بغياب أبنائهم، الذى أعرف أنه غياب مؤلم، ربما أكثر إيلاما من الموت.

وفى هذا المقام تحديدا، يكون الأسوياء من جهاز امن الدولة أولى بالنداء، للإفصاح عن مصائر الغائبين، لأن استمرار تغييب هؤلاء والتكتم على مصائرهم، لا يعبر عن وجود عملية اختطاف مشين للمواطنين، بل عن استمرار اختطاف أكثر إشانة وأكثر خطورة لهذا الجهاز الذى لن يعدم وجود أسوياء فى ثناياه. ويبقى أن وزير الداخلية كما رئيس الوزراء مسئولان، مسئولية مباشرة، عن الرد الحاسم فى شأن كل اختطاف.

أهلا وسهلا بعودة شرطتنا الوطنية إلى مواقع الخير التى هى حق أصيل لفرسانها الشرفاء، ولا أهلا ولا سهلا لأى اختطاف، سواء اختطاف الشرطة أو اختطاف المواطنين.

محمد المخزنجي كاتب مصري كبير ، وطبيب أمراض نفسية ، ولد في المنصورة ، وعمل في مجلة العربي الكويتية ثم تفرغ ككاتب حر ، يُعتبر من أبرز كتاب القصة في العالم العربي ، وله إسهامات متفردة في الكتابة العلمية وأدب الرحلات والمقال الصحفي .