العائد من الموت - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 9:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العائد من الموت

نشر فى : الإثنين 15 فبراير 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : الإثنين 15 فبراير 2016 - 10:40 م
لولا المواهب الكبيرة المدججة بتمكن حرفى رفيع، لكان هذا الفيلم غير قابل للمشاهدة، ذلك أنه ينتمى إلى المدرسة الوحشية، فى أكثر صورها عنفا ودما: صراعات عاتية بين الفرد والآخر، سواء جاء هذا «الآخر»، فى شكل حيوان شرس، أو طبيعة غادرة، أو مجموعة بشرية معادية، أو شبح الموت جوعا وعطشا وقتلا.. الإنهاك يحيق بالبطل، المرة تلو المرة، يكاد يلقى حتفه، لكن بإرادة من حديد، يتمسك بأهداب الحياة.

كعادته يطرح صاحب «بابل» ٢٠٠٦، و«الرجل الطائر» ٢٠١٤، تأملاته العميقة الصائبة، فى عمله الجديد «العائد» الناجح، تجاريا ونقديا، المرشح لعدد كبير من جوائز الأوسكار.

المخرج كاتب السيناريو، اليخاندرو جونزاليس اناريتو، المكسيكى، اختطفته هوليود، منحته كل ما يطلبه من إمكانات، وهى تدرك بذكائها، أنه سيضيف لها أكثر مما سيكلفها.

«العائد» تاريخيا، يدور فى العقود الأولى من القرن التاسع عشر، إبان بقايا الاندماج المحموم نحو الاستيلاء على أراضى سكان أمريكا الأصليين، والبحث الهستيرى عن الذهب، واصطياد الحيوانات البرية للاتجار فى جلودها. مسرح الأحداث، تتدفق فوق ثلوج الغرب الأمريكى، أثناء شتاء قارص الصقيع، يعتمد على بطل واحد، ليوجلاس ليوناردو كابريو»، الصياد، القائد لمجموعة من الصيادين.

بلا مقدمات، يبدأ الفيلم بداية ساخنة، تضعنا فى أجواء محفوفة بالمخاطر، منفذة بإتقان مبهر: مجموعة الرجل تقع فى كمين أعده فرسان قبيلة «أريكارا»، السهام الطائرة ترشق فى الأجساد، يتفجر منها الدم، محاولات الهرب والاحتماء بالأشجار لا تتوقف.. كاميرا المصور القدير المكسيكى، إيمانويل لويزكى، تتابع لاهثة، الحركة البشرية المذعورة، فى لقطات عامة، لتركز فى لقطات كبيرة، قريبة على وجوه تفيض بالألم والغضب.. الصيادون، يموت بعضهم، يتشتت البعض الآخر.

ما أن تنتهى موجة العنف الأولى، التى تعبر عن الضغينة بين القبائل، مسلوبى الأرض، والوافدين، حتى تأتى الموجة الثانية.. صراع مميت بين ليوجلاس ودب شرس ضخم، لا يفوت المخرج مع مصوره، رصد حركة الصياد وهو يوجه بندقيته نحو صغار الدببة.. الأم تلمحه، تهجم عليه، تستمر المعركة لعدة دقائق، نتابع فيها مخالب الدب، وأنيابه، تجرح وتنهش كتفى الصياد، وتتركه بين الحياة والموت.. المشهد كله غير مسبوق على شاشات سينما العنف، لكن الأهم أن المخرج كاتب السيناريو، بلقطاته العابرة لمحاولة صيد الدببة الصغيرة، يشير برهافة إلى جريمة البشر فى حق الحيوانات البرية، وفى ذات الوقت، ينبه إلى إدراك الأم، حتى إن كانت من الدببة، لما يقترفه الإنسان القاتل، مما يسبب ضغينة فى الأفئدة.

لعبة تماثل الأدوار تتكرر، مرتين فى الفيلم، جوهرها، الغدر والانتقام.. «جلاس»، فى متاهة، يلتقى بزعيم إحدى القبائل، يبحث عن فرنسيين خطفوا ابنته، يريد استعادتها والثأر من خاطفيها.. و«جلاس» نفسه، يصبح فى وضع مطابق لكل من زعيم القبيلة، والدبة الأم، ذلك أن ابنه قُتل على يد زميل الرحلة، الوغد، فيتزجيرالد، بأداء «توم هاردى»، الذى توقع موت جلاس، عقب صراعه مع لادب، وبالتالى، يغدو «جلاس» طالبا للثأر، بل يمكن القول، من خلال أداء «دى كابريو»، أن أحد أسباب الإصرار على البقاء حيا، يكمن فى هوس الانتقام.

يستمر الفيلم فى دوائر لا تكاد تنتهى من التحدى والاستجابة، ويقدم مع كل دائرة، مواقف ومشاهد مبتكرة، لا تكاد تخطر على بال، فعندما يعضه الجوع، اضطر إلى أكل نخاع عظام حيوان ميت، وحين يطبق عليه الصقيع، يبقر بطن حصان لقى حتفه، ويُخرج فى لقطات مروعة أمعاءه، ثم يدخل فى جوفه، ليخلد للنوم.. لكن، برغم براعة التصوير، متنوع اللقطات، وقوة الموسيقى الممتزجة بالمؤثرات الصوتية، فإن الملل يتسلل للمتابع، خاصة أن زمن عرض الفيلم يتجاوز الساعتين ونصف الساعة.

أدوار معظم شخصيات الفيلم ثانوية، أو هامشية إن شئت الدقة، المساحة كلها، متروكة لـ«دى كابريو»، الذى بذل جهدا بدنيا هائلا، لكن لحيته من ناحية، وبراعة مكياج الجروح من ناحية ثانية، قللا كثيرا من إمكانية التعبير عن الانفعالات بملامح الوجه.

«العائد من الموت»، أو «The Revenant»، تجربة مهمة، مثيرة، فكريا وفنيا، ستغدو، من الأعمال المرموقة، فى تاريخ السينما، أيا كان نصيبها من الجوائز لـ«١٢» التى رشح لها، فى مسابقة الأوسكار.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات