مستقبل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران فى ظل عالم متغيّر - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران فى ظل عالم متغيّر

نشر فى : الجمعة 15 مارس 2024 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 15 مارس 2024 - 7:25 م
نشرت جريدة النهار اللبنانية مقالا للكاتبة إيمان درنيقة الكمالى، تناولت فيه عددا من النتائج الإيجابية للتفاهم الإيرانى الصينى لكلا البلدين فى ظل أوضاع عالمية مضطربة منها تحرير إيران من عزلتها الدولية وجعلها جزءا من مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ تمثل الاتفاقية بين طهران وبكين بداية تحول استراتيجى فى النظام العالمى.
يشير الفيلسوف الإيطالى أنطونيو غرامشى فى كتابه «مذكرات سجن» إلى أنّ الأزمة تتمثّل بدقة بحقيقة أنّ القديم يموت، والجديد يتعذر ميلاده؛ وفى هذه الفترة الانتقالية، كثير من العوارض الخبيثة تظهر على السطح».
لا شك فى أننا نمرّ اليوم بـ«الفترة الانتقالية» التى حذر منها «غرامشى»، فى ظل المتغيرات المعقدة والتجاذبات والاضطرابات والإخفاقات فى سياق التاريخ والعالم والزمان.
إنها مرحلة يشوبها الكثير من الغموض والالتباس؛ هى مرحلة لا اسم لها و«لا هوية»، بل هى مرحلة «الفوضى فى النظام العالمى»؛ الفوضى فى كل التفاصيل وفى التطبيق على أرض الواقع، بعد أن بدت قيادة النظام ضعيفة وواهنة لا تكاد تلتقط قضية، إلا وتتبعها قضايا، من الأمن، إلى الاقتصاد، إلى السياسة، إلى الاجتماع، إلى الثقافة.
وفى ظل هذه الإخفاقات المنتشرة فى كل المجالات، يواجه النظام العالمى الحالى موتًا سريريا بطيئا، بينما يناضل نظام جديد للظهور. وتشهد العلاقات الدولية تحولات متسارعة ومتعددة الأبعاد، وتبرز دول جديدة وصاعدة تسعى للتربع على عرش الزعامة العالمية. وفى هذا السياق، يأتى التفاهم الصينى ــ الإيرانى، وهو عبارة عن خطة عمل شاملة، أو «خريطة طريق»، وتعاون تجارى واستراتيجى لتعزيز العلاقات الإيرانية الصينية. ولا تقتصر مجالات التعاون على الطاقة فقط، بل تشمل مجموعة متنوعة من المجالات، بما فى ذلك الاقتصاد، والتجارة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا والاتصالات، والـcyber security.
مما لا شك فيه أنّ توقيت الاتفاقية مهم جدا بالنسبة للبلدين. فهو يأتى بعد رفع الحظر الأممى الذى فرضته الأمم المتحدة وفقا للقرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولى عام 2015، والذى يسمح لإيران وبشكل تلقائى بشراء وبيع الأسلحة التقليدية بعد 5 سنوات من تاريخ القرار، وفى ظل معاناة طهران من سطوة العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب، وتعثر المفاوضات بشأن العودة إلى الاتفاق النووى.
وبالنسبة للصين، تُمثل الاتفاقية خطوة مهمة لتعزيز أمن الطاقة، حيث تُؤمن لها الحصول على احتياجاتها من النفط والغاز من دولة غير خاضعة للنفوذ الغربى، وعبر ممرات ملاحية جديدة لا يتحكّم بها الغرب. كذلك تأتى الاتفاقية فى ظلّ توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة حول القضايا التجارية، والعسكرية، والأمنية، والتكنولوجية.
وللاتفاقية منافع كثيرة لكلّ من الصين وإيران
بالنسبة لإيران، ستكون الاتفاقية مقدمة لفكّ عزلتها الدولية وجعلها جزءا لا يتجزأ من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتعزيز دورها فى التجارة الدولية «الترانزيت». كما ستعمل الاتفاقية على «انخراط» إيران فى التكتلات السياسية والاقتصادية والعسكرية الإقليمية والدولية كمنظمة شانغهاى ومجموعة البريكس. وستساعد الصين على توسيع القدرة العسكرية الإيرانية من خلال تطوير أسطولها الجوى والبحرى والبرى، وتأسيس معامل إنتاج أسلحة صينية على الأراضى الإيرانيّة.
إلى ذلك، ستؤمن الاتفاقية للصين كمية من النفط الإيرانى تلبّى قرابة 60% من احتياجاتها النفطية، وتضمن لها الحصول على إمدادات ثابتة من النفط، والبتروكيماويات، بأسعار مخفّضة قدّرت بنحو 32% وبأكلاف شحن قليلة نسبيا، مع إمكانية الدفع المؤجل، أو الدفع بالعملة الوطنية الصينية، فى إطار المسعى الكبير لكسر هيمنة الدولار الأمريكى، إضافة إلى إمكانية تصدير التكنولوجيا الصينية عبر البوابة الإيرانية، وتزويد إيران بخدمات الجيل الخامس G5 فى الاتصالات، وتقنية «البايدو» الصينية، وتكنولوجيا مراقبة الخطوط الأرضية والخلوية، وأنواع متقدّمة من الأسلحة الجوية والبرية والبحرية الصينية.
وستسمح الاتفاقية للصين بتطبيق سياسة التطويق والاحتواء عن طريق بناء مجموعة من الموانئ المعروفة بـ«خيوط اللؤلؤ» على طول المحيط الهندى، والتى ستكون ذات قيمة عسكرية، تسمح للبحرية الصينية، التى تتطوّر باضطراد، بتوسيع نفوذها لبناء نظام إقليمى ‏بقيادتها فى آسيا الوسطى، تمهيدا لقيادة النظام العالمى. كما تعزّز الاتفاقية رسالة إيران بالتوجّه شرقا، مع ما يمثله ذلك من إمكانية عقد اتفاقيات من شانها تبديل المشهد الدولى.
أخيرا، ستؤثر الاتفاقية على علاقة قطبى الاتفاقية مع الجانب الأمريكى. فبكين تعرض نفسها وسيطا لحلّ الصراع العربى الإسرائيلى. وكان لها دور فى التقارب السعودى الإيرانى أخيرا. فى المقابل، فإن الولايات المتحدة، تزيد التصعيد، وترفع سقف التحدّى مع الصين من خلال حرب التكنولوجيا والاقتصاد، والاستعداد للمواجهة العسكرية فى المحيط الهادئ. وتفرض الولايات المتحدة مزيدا من العقوبات على إيران. فى المقابل، تستمرّ إيران فى رفع مستوى التحدّى والتخصيب النووى، حتّى إنّها أعلنت وصولها فى بعض المنشآت (فاردو) إلى نسبة تخصيب 84%، وقبولها بأن تأتى أمريكا للكشف على منشآتها.
فى الختام، تُمثّل الاتفاقية الصينيةــالإيرانية علامة فارقة فى مسار العلاقات الدولية، وتُؤشّر إلى بداية تحوّلٍ استراتيجى فى النظام العالمى. فهل ستسمح الولايات المتحدة لإيران بالحصول على التكنولوجيا أو الدعم العسكرى من الصين؟ أم سنشهد مزيدا من الصدمات الأمنية، ومزيدا من العقوبات الاقتصادية، والتوترات على الساحة الدولية، التى قد تنتهى بمواجهة ساخنة بين بكين وواشنطن؟
النص الأصلى

التعليقات