جثة.. فوق صندوق انتخابات - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جثة.. فوق صندوق انتخابات

نشر فى : السبت 16 يونيو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 16 يونيو 2012 - 8:00 ص

باستخفاف، وعلى نحو كوميدى ساخر، تعاملت السينما المصرية مع الانتخابات، ومن الصعب أن يلومها أحد فى تصوراتها الكاريكاتورية، فهى فى هذا تعبر عن تاريخ طويل من الزيف والتضليل، يتجلى على الشاشة فى المشهد التقليدى المتكرر، للشادر المقام فى منطقة شعبية، من أجل الدعاية لمرشح يجلس على المنصة، نعلم أنه أفاق وفاسد، وإلى جانبه زبانية يعددون مناقبه ويكيلون له المديح، وغالبا، ينتهى الاحتفال بخناقة، تتطاير فيها الكراسى، وترتفع النبابيت، وتتهشم كلوبات الإضاءة.. ومن قلب عشرات الأفلام، يمكن القول إن السينما المصرية، نظرت بعين الشك، لأعضاء مجالس النواب، الأمة، والشعب، بل فضحت الكثير من دوافعهم وتوجهاتهم وممارساتهم، سواء قبل أو بعد انخراطهم تحت قبة البرلمان.

 

صلاح أبوسيف، فى «الوحش» 1954، يؤكد وقوف رضوان باشا «عباس فارس»، الإقطاعى، عضو مجلس النواب، بجانب ووراء المجرم، فارض الإتاوات، قاطع الطريق، عبدالصبور «محمود المليجى»، ويحميه، مقابل قيام الأخير بتصفية حساب الباشا ضد خصومه، ومساعدته فى الانتخابات.

 

بعد أكثر من ثلاثين عاما، يحقق داود عبدالسيد «الصعاليك» 1985، والفيلم، شأنه شأن «الوحش»، يعتمد على أحداث حقيقية، فبينما استوحى صلاح أبوسيف قصة «الخط»، مجرم الصعيد، استند داود عبدالسيد على وقائع صعود وأفول «رشاد عثمان»، أحد شبيحة الانفتاح فى الإسكندرية. «الصعاليك»، يرصد مشوار الصديقين الصعلوكين، صلاح ومرسى، بأداء محمود عبدالعزيز ونور الشريف. أولهما عاطفى، عشوائى، والثانى عقلانى، صارم القرارات والتصرفات، يدرك بدهائه أن التستر على جرائمهما، ومواصلة تسيدهما، وزيادة نفوذهما، أمور لن تتحقق إلا بوصوله عضوا فى مجلس الشعب، وكان له ما أراد.

 

نور الشريف، يطالعنا فيما بعد، متسللا إلى البرلمان، هاربا من ماض ملوث: «الهروب إلى القمة» لعادل الأعصر 1996، و«عمارة يعقوبيان» لمروان حامد 2006. فى «الهروب إلى القمة» يتحول نور الشريف من لص الخزائن «سيد الهوا»، بوجهه الواضح الإجرام، إلى «وجدى الزينى»، بوجهه البرىء، المحترم، بعد إجراء عملية تجميل وتمتد لنمط حياته، فيغدو، بفضل مؤسسات أقرب للعصابات، نائبا بمجلس الشعب، يقوم باستجوابات، متفق عليها، بشأن صفقات القمح المشبوهة، يصول ويجول، لتنتهى المسألة بتقديم الشكر للقائمين على الأمور. هنا، يكشف الفيلم لعبة الاستجوابات المزيفة.. أما فى «يعقوبيان» فإن نور الشريف، بمهارة، يجسد «الحاج عزام» المتسلق، المتورط فى تجارة الهيروين، يريد تأمين نفسه بالاحتماء بالبرلمان، وربما لأول مرة، إن لم تكن المرة الوحيدة، نشهد على الشاشة، رشوة الحزب الحاكم ــ أيامها ــ حيث يدفع «الحاج» مالا كثيرا، لمسئول يقول، صادقا، إن هذه المبالغ، ليست له وحده.

 

ينهض «حتى لا يطير الدخان» لأحمد يحيى 1984 على ذات الفكرة التى تعشقها السينما المصرية: الشاب القادم من قاع المجتمع، يدرك، بذكائه الوحشى، قوانين الصعود السريع فى نظام لا يرحم. ينغمس فى جرائم، ويجد درعه فى حصوله على عضوية مجلس الشعب.. عادل إمام، يؤدى شخصية «فهمى»، المعدم، الذى يدرس الحقوق، ويعيش حياة ضنينة فى كنف ثلاثة أصدقاء أثرياء، يجهز لهم سهراتهم ويدبر لهم الحشيش، وشيئا فشيئا يتحول إلى تاجر مخدرات، يعرف طريقه إلى البرلمان.. لكن السينما المصرية الحذرة، بنزعتها الأخلاقية، لا يفوتها معاقبة «فهمى» الذى يموت مدمنا. ومصيره البائس هنا، لا يختلف عن مصير طابور زملائه: «رضوان باشا»، يلقى حتفه على يد مخلبه «عبدالصبور». «مرسى»، فى «الصعاليك» ويقع فى قبضة الشرطة. «سيد الهوا» أو «وجدى الزينى» ينكشف أمره فى «الهروب إلى القمة». «الحاج عزام». يغادر عمارة يعقوبيان، فى طريقه للسجن.

 

الانتخابات، فى هذه الأفلام، وغيرها، لا تستغرق العمل كله، فهى تأتى كحلقة من حلقات الصعود، ولهدف لا علاقة له بما يتشدق به المرشح حول رغبته فى خدمة أهالى الحى الكرام. ولعل الفيلم الوحيد الذى يتابع الانتخابات كاملة، هو «الجردل والكنكة» لنادر جلال 1997، حيث تتوالى المواقف الساخرة، من أساليب الدعاية الممجوجة، لكل من بطلى الفيلم: «بخيت المهيطل» بأداء عادل إمام، و«عديلة صندوق» بأداء شيرين، فالهتافات المبتذلة من نوع «المهيطل يا بلاش.. واحد غيره ما ينفعناش»، وهو الهتاف السمج، المتكرر واقعيا، مع كل مرشح، بالإضافة لتوزيع قطع اللحم والقماش كرشوة للمواطنين، فضلا على تعقب الفيلم لأساليب المناورات الرخيصة التى يتبعها الخصوم، الأقرب إلى العصابات، وربما ما يعيب «الجردل والكنكة» انتصاره غير المبرر لبطليه، وزعمه أنهما ينحازان للناس، بينما نعلم تماما أنهما أفاقان، من شذاذ الآفاق.

 

عشرات الأفلام، تعرضت لمسألة الانتخابات، معظمها ساخر، وهذا لا يعنى أنها ضد الديمقراطية، لكنها مجرد هجائيات للأسلوب المصرى فى اختيار النواب وإدارة العملية الانتخابية.

 

من بين هذه الأفلام، يتألق «يوميات نائب فى الأرياف» لتوفيق صالح 1969، وبالتحديد فى شذرة من حوار كاشف وبديع، ولقطة النهاية التى تقول الكثير.. يقول المأمول ــ توفيق الدقن ــ إنه لا يتدخل فى الانتخابات، كل ما يفعله هو إلقاء الصندوق، بأوراقه، فى الترعة، وتقديم صندوق آخر، جديد، جاهز، أوراقه تختار المرشح الذى تريده الحكومة.. أما عن اللقطة الأخيرة، التى توفرت فيها الطاقة الإبداعية لكل من توفيق الحكيم، وكاتب السيناريو، ألفريد فرج، مع المخرج توفيق صالح، فتأتى حينما يتم العثور على جثة الفتاة الجميلة، الأخاذة، الغامضة «ريم» ــ إلى ماذا ترمز؟ هائمة فى مياه الترعة.. يندفع البعض لسحبها إلى الحافة.. من القاع، يخرجون صندوق الانتخابات.. لا يمكن للمرء إلا أن يفكر طويلا، فى معنى انتهاء الفيلم بجثة ريم، ممددة، فوق صندوق انتخابات.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات