ربع قرن على أوسلو - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ربع قرن على أوسلو

نشر فى : السبت 15 سبتمبر 2018 - 10:05 م | آخر تحديث : السبت 15 سبتمبر 2018 - 10:05 م

يندرج بعض ما يقال فى هجاء اتفاق أوسلو فى باب «الحكمة بأثر الرجعى».. هذا لا يعنى أنه ليس هناك من انتقد الاتفاق مذ أن عرف به، لكن كثيرا من النقد الموجه للاتفاق اليوم، مستوحى من قاعدة أن «الفشل يتيم وأن للنجاح مائة أب».. أوسلو فشل فى نقل الحركة الوطنية الفلسطينية من المقاومة إلى الدولة، واليوم ينبرى أكثر المستفيدين من الاتفاق، للهجوم عليه.
بعض الفلسطينيين، «الثوريين والمجاهدين منهم بخاصة»، الذين لم يتوقفوا عن هجاء الاتفاق ومبرميه، لاذوا إلى تبرير أقنعوا به أنفسهم: نتعامل مع نتائج أوسلو ومؤسساته وما قد يوفره من فرص، من دون أن نكف عن التنصل منه والتبرؤ من نتائجه الكارثية.. بعضهم ظن واهما بأنه عاد ليقاوم لا ليساوم، لم تتح له إسرائيل الفرصة لا للمقاومة ولا للمساومة، كانت ذراعها الإجرامية أسرع من الجميع.. ألوف مؤلفة من هؤلاء عادوا إلى الضفة الغربية والقطاع، وتولوا مناصب فى السلطة وتقاضوا الرواتب والتقاعدات المجزية، وشاركوا فى الانتخابات ووصلوا إلى البرلمان وشاركوا فى الحكومة ومؤسساتها المختلفة، بيد أنهم مع ذلك يتوقفوا عن نقد الاتفاق وتجريمه، وهم اليوم، بعد مرور ربع قرن عليه، يصرخون فرحين: ألم نقل لكم؟
بعض الفشل الذى مُنى به «أوسلو»، نابع من داخله، من مبناه ومعناه، نواقص الاتفاق كثيرة، والأداء التفاوضى الفلسطينى الذى أفضى إليه، كان حافلا بالمثالب وقلة الخبرة والاستعداد والحزم والعزم، لكن بعض أسباب فشل أوسلو كمسيرة ومسار، عائد لأسباب تقع خارجه، لعل أهمها: التحولات داخل المجتمع الإسرائيلى وانتقال هذا المجتمع وخريطته السياسية صوب التطرف الدينى والقومى على نحو منهجى منظم.. التحولات داخل المجتمع الفلسطينى وتنامى ظاهرة الإسلام السياسى ــ المسلح، ودخول الحركة الوطنية فى مرحلة انقسام غير مسبوقة، وتآكل «الصيغة» التى تكرست منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.. التحولات على الساحة العربية من ضعف النظام الرسمى العربى وتهتكه، تفسخ مجتمعاتنا العربية وتفشى هوياتها الثانوية القاتلة، غرق المنطقة بالانتفاضات والثورات والحروب، اشتعال حروب المحاور الإقليمية، وتحول كثير من الساحات العربية إلى ميادين لحروب الوكالة.. التحولات على الساحة الدولية، وأهمها صعود اليمين المتطرف، والشعبوى، وصولا إلى مجيء إدارة ترامب.
قد يقول قائل، أو بالأحرى «متطيّر» إن هذه الظواهر ترتبط بالاتفاق المشئوم وهى ترتبت عليه، وأنه لولا أوسلو لما حصل الانقسام ولما أدار العرب ظهورهم للقضية الفلسطينية ولما تغطرست إسرائيل وتمادت فى عنتها.. وفى ظنى أن تلك المقاربة، ليست صحيحة على الإطلاق، فكل حزمة من هذه الظواهر أسبابها وديناميتها الخاصة بها، وأن أثر إبرام الاتفاق عليها محدود للغاية.
وأجدنى متفقا مع بعض المقاربات التى تفترض أن الحركة الوطنية الفلسطينية تأخرت كثيرا فى التنبه للآفاق المسدودة التى وصل إليها الاتفاق، من دون أن تبادر إلى اجتراح استراتيجيات بديلة، وأن وهم تحول السلطة إلى دولة، أو الركون إلى السلطة القائمة، وربما الاكتفاء بها بوصفها الدولة المنشودة، قد ضاعف النتائج الكارثية لانسداد مسار أوسلو.. هذا صحيح، ونتائجه تتضح اليوم فى ضوء تداعيات وترجمات صفقة القرن، وفى ظنى أن الحركة الوطنية الفلسطينية التى نعرف على امتداد الخمسين عاما الفائتة، قد بلغت سن الشيخوخة والترهل، ولم تعد قادرة على اجتراح البدائل وتدشين البدايات الجديدة.
اتفاق أوسلو، نقل حركة فتح، العمود الفقرى للحركة الوطنية الفلسطينية، من حركة تحرر مقاومة إلى سلطة.. هذا ما يُجمع عليه، أو يتوافق بشأنه كثيرون.. لكن المسكوت عنه، أن الاتفاق ذاته، نقل فصائل أخرى عديدة، معارضة للاتفاق، من موقع المقاومة إلى موقع المعارضة، معارضة السلطة، والسلطة حصرا فى معظم المراحل.
وللمفارقة، فإن أكبر منتقدى الاتفاق وأشدهم معارضة له، حركة حماس، كانت أكبر المستفيدين منه.. تحت ظلال السلطة تنامى نفوذ الحركة وتمأسس، وبموجب الاتفاق وتداعياته، انتقلت الحركة إلى موقع السلطة فى قطاع غزة على أقل تقدير.. بعض معارضى الاتفاق انتقلوا من المقاومة إلى السلطة كذلك، وها هم اليوم، يدفعون ثمن وصولهم إليها والبقاء على رأسها، برغم الأكلاف السياسية والمعنوية والمادية الهائلة لهذا التحول، إنهم يعيدون انتاج «سيرة فتح» وإن بشروط أصعب وأثمانٍ أعلى.
فى السجال حول أوسلو، أغلب ما يكتب ويقال، محكوم بدوافع حزبية وفصائلية، وليس نابعا من تقييم موضوعى.. أغلبه ينطلق من اتهام الآخر وتبرئة الذات.. مع أن كل من انخرط فى أوسلو وترتيباته وانتخاباته ومؤسساته، كان ضالعا فى المسئولية عن هذه التجربة، بهذا القدر أو ذاك.

عريب الرنتاوى
الدستور ــ الأردن

التعليقات