الرؤية القرآنية للكون وسكانه 4ــ إبليس ورؤيته الكونية - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرؤية القرآنية للكون وسكانه 4ــ إبليس ورؤيته الكونية

نشر فى : الخميس 16 مارس 2017 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 16 مارس 2017 - 10:00 م

إبليس رأس ورئيس الشياطين، هؤلاء المتربصون ببنى آدم، بل إن إبليس لم يكتف بالعزم على إضلال الناس وتضليل خطواتهم، بل يضف إلى ذلك ما نعلمه من قسمه المغلظ على تحدى إرادة الله. بل إن هذا اللعين تصور أنه أكثر حكمة من الله ــ حاشا لله ــ وتعالى عما يظن هذا اللعين علوا كبيرا.
ولا شك أن المتأمل فى ألفاظ إبليس يستطيع بسهولة أن يتبين رؤية هذا الكائن للكون، فعلى الرغم من معرفته بربه وخالقه وأنه سبحانه وتعالى العزيز ذو الجلال، فها هو إبليس يرفض حكمة الله الحكيم ويتجلى هذا الرفض فى رده الذى أجاب به الله حينما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، فاسمع إليه يقول: ((أأسْجد لمنْ خلقْت طينا)) وكأن إبليس يعلم ما لا يعلمه العليم ــ حاشاه واسمع إليه يتصور أنه يُذَكِّر الله ويشرح له !!! فيقول: ((خلقتنى من نار وخلقته من طين)). بل يزداد عجبك حينما تراه يأبى الطاعة ويجاهر متحديا بالمعصية فيخاطب ربه: ((أرأيتك هذا الذى كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا)). هكذا بلغ به الغرور إعلان قدرته أن يتحدى إرادة الله !!!
ــ1ــ
فإذا كان هذا تصور إبليس «لربه الخالق الأعظم» فماذا يتصور هو ذات نفسه؟ إن ذلك اللعين تناسى أنه ــ مهما كانت قوته ــ ومهما اشتدت نيرانه وحرارته فهو فى أول الأمر وآخره مخلوق. مخلوق لا يستطيع الخروج من طوع خالقه، فهو يرى نفسه قوة قادرة على إحراق غيرها. فالنار فى تصور إبليس إن كانت تستطيع أن تصهر الحديد وتفنى ما حولها فهل يستعصى عليها تطويع الإنسان وصرفه عن طريق الله وإبعاده عن طاعة ربه. هذا إبليس يحتكم إلى تصوره، فهو يرى أن النار أشد من الطين، فهو يرى أن الطين ساكن والنار متحركة، والطين بارد ولكن النار موقدة تحرق وتفنى، فهو ــ فى نظر نفسه ــ أقوى من هذا المخلوق من الطين.
ولو تفكر ذلك الكفور الجهول قليلا لأدرك أن الطين مجموع عنصرين هما التراب والماء، وأن أى عنصر من هذين جدير أن يطفئ النار وينهى حياتها ويسكت صوتها ويقضى على ألسنة اللهب الصادرة منها.. نعم، فالتراب بمفرده يطفئ النار، والماء بمفرده يطفئ النار فليته تفكر، وليته تذكر حكمة الله فانصاع لإرادته وأنفذ أمره دون مناقشة.
ــ2ــ
تبينت معى تصور إبليس لربه الخالق، واتضح لك تصوره لنفسه، فكيف يتصور إبليس آدم؟ وما تقديره لآدم وبنيه كلهم؟!!!
غير خافٍ على أحد مدى احتقار إبليس لآدم وبنيه، وغير خافٍ علينا جميعا مغالطته التى يدعى فيها أن النار أفضل من الطين.. ثم ماذا؟ أنه يعلن يقينه الكاذب أن أبناء آدم ضعفاء أمام إغرائه وأمام إلحاحه ((لأقعدن لهم صراطك المستقيم)).
ثم ماذا؟ أنه يقسم على تحديه لخالقه أنه قادر على إغوائهم وإبعادهم عن حمد الله وشكره ((ولا تجد أكثرهم شاكرين)).
وهكذا يتجلى لنا تصور إبليس للكون.. فالله ــ فى نظر اللعين ــ غير حكيم، وهو فى تصور نفسه قادر على تحدى هذا الإله، وكأنه يرى أن الإنسان الذى خلقه الله ليجعله خليفة فى الأرض ليس جديرا بهذه الرسالة!!! ولهذا فهو يرفض تكريم آدم ويأبى طاعة الله، ثم هو يرى أن الدنيا كلها دار كفاح ومغالبة ــ وهذا هو الجزء الصحيح فى رؤيته ــ ولأنها دار مغالبة زمانا ومكانا فقد قرر إبليس استثمارها كلها فى استدراج بنى آدم وإغوائهم ليثبت ــ كما يتصور ــ حكمته وعلمه أمام حكمة الله وعلمه.
ــ 3 ــ
هكذا يقضى الغرور على صاحبه فيذهب عقله، ويفقده رشده ويبالغ فى الثقة بنفسه مع تحقير الآخرين والتربص بهم، بل إن الغرور يجعل المغرور أعمى فلا يرى حقيقة نفسه، ولا يدرك حقيقة الآخرين.. أعاذنا الله من الكبر والغرور وتضخم الذات. ولو تروى إبليس لأدرك ما يدركه الإنسان العاقل حيث يقول:
إبليس من نار وآدم من طين *** والنار لا تسمو سمو الطين
النار تفنى نفسها ومحيطها *** والطين للإنبات والتكوين
فأين النار والتفافها حول نفسها؟! وأين الطين حينما يصير حقلا يزرع وبيتا يسكن وحصنا يحمى ومحرابا يقدس الله فيه؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات