المراجعة أو الطوفان - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 28 مايو 2024 12:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المراجعة أو الطوفان

نشر فى : الخميس 16 أغسطس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 16 أغسطس 2012 - 8:00 ص

أثارت الأحداث الأخيرة فى سيناء  وعلى رأسها العمل الإرهابى الذى راح ضحيته ستة عشر جنديا مصريا  عددا من القضايا بالغة الأهمية داخليا وخارجيا، أتخير منها قضية أمن سيناء والعلاقات المصرية  الإسرائيلية، فلم تكن الأوضاع فى سيناء على ما يرام منذ ما قبل ثورة يناير، وكان هذا راجعا إلى عاملين أساسيين أولهما خاص بسيناء وهو سوء إدارة الأجهزة الأمنية للأزمات التى تحدث فيها، مما أوجد فجوة يُعتد بها بين مواطنيها والدولة المصرية، خاصة وقد دأب البعض على التشكيك فى وطنيتهم علما بأنهم تحملوا عبء مقاومة القوات الإسرائيلية بعد احتلال سيناء 1967، وفاقم من هذا أن النظام السابق تجاهل تنمية سيناء وتشغيل أبنائها فى المشروعات السياحية التى ظهرت بعد استرداد سيناء استقلالها، ناهيك عن عدم إلحاق أبنائها بالكليات العسكرية. أما العامل الثانى فهو يرتبط بما عرفته مصر فى عهدى السادات ومبارك من انتشار لفكر متطرف يتستر بالدين، وكان طبيعيا أن يمتد إلى سيناء.

 

●●●

 

وقد ترتب على هذا ادعاء إسرائيل فى ظل نظام مبارك أن ثمة مخاطر داهمة على أمنها بسبب الأوضاع السابقة، وإذا كانت الأجهزة الأمنية سيئة الممارسات قد قُضى عليها بعد ثورة يناير فإن قبضة الدولة قد ارتخت فى الوقت نفسه خاصة فى سيناء، وانتعشت بالتالى التنظيمات الإرهابية هناك، وتحدت رموز الدولة وصولا إلى الحادث المأساوى الأخير الذى اتخذته إسرائيل حجة لتوجيه الانتقادات للسياسة المصرية فى سيناء، ومدى قدرتها على الإمساك بزمام الأمور هناك، وأثارت فى الوقت نفسه مخاوف لدى المصريين من أن تكون إسرائيل بسبيلها إلى إعادة احتلال جزء من سيناء، أو إعطاء نفسها رخصة القيام بعمليات داخلها، أو على الأقل الدعوة إلى نشر قوات دولية تكون ضمانا لأمنها.

 

وقد سارعت القوى الإسلامية إلى اتهام إسرائيل بالمسئولية عما وقع، ومن الأمانة أن يُذكر أن عددا من القوى المدنية قد شاركها وجهة النظر هذه، فإسرائيل تبقى الخطر الأول على أمن مصر بغض النظر عن معاهدة السلام معها، غير أن القوى الإسلامية كانت فى ظنى تريد بهذا الاتهام أن تدفع عن نفسها تهمة المسئولية عما جرى سواء لأن الإرهابيين يتبنون أفكارا متطرفة ينسبونها زورا إلى الإسلام الأساس المفترض لشرعية تلك القوى، أو لأن أصابع اتهام أشارت إلى مسئولية رئيس الجمهورية بسبب قراراته «غير المدروسة» بالانفتاح على حماس، مما سهل على إرهابيى غزة توحيد جهودهم مع نظرائهم فى سيناء للقيام بهذا العمل الإجرامى الخطير، أو لأن أصابع الاتهام نفسها قد اتهمت رئيس الجمهورية بأن قرارات العفو عن عشرات من السجناء المدانين بأحكام قضائية لدورهم فى عمليات إرهابية تسببت فى قتل مصريين وأجانب قد أشاعت مناخا مواتيا للإرهاب شجع على القيام بالعملية الأخيرة، وسوف يشجع عمليات تالية، خاصة إذا كان من بين المفرج عنهم من يقدم مشورة أو يساهم فى مخطط.

 

ولا شك أن اتهام إسرائيل منطقى، فهى الخطر الأول على أمن مصر، وثمة شواهد عبر الزمن تؤكد هذا الاتهام، غير أن الأمر يحتاج تدقيقا حتى لا نُستدَرج إلى تفسير قاصر لهذا العمل يحرفنا عن تحديد مسئوليتنا عما وقع، وبالتالى يتيح للحلقة المفرغة من انعدام الأمن فى سيناء أن تستمر، وهناك ثلاث ملاحظات فى هذا الصدد أولاها أنه ليس مفهوما إذا كانت إسرائيل مسئولة عن العملية فلماذا أطلقت قبلها بوقتٍ كافٍ تحذيرات كان من شأن التنبه لها والتصرف بمقتضاها إحباط العملية؟ والثانية أن مصادر المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحدثت عن أن الإرهابيين قد تلقوا دعما من غزة أثناء تنفيذ عمليتهم تمثل فى إطلاق قذائف هاون من مطار غزة لصرف انتباه القوات الإسرائيلية عما يجرى، والثالثة أنه بغض النظر عن مسئولية إسرائيل أو غيرها عما وقع فإن هذا العمل الإرهابى يدل على أوضاع خطيرة داخل سيناء، كما أن تنفيذ العملية على النحو الذى تمت به ينطوى على إهمال جسيم من جانبنا أعتقد أنه موجود بشكل مقلق فى سيناء وخارجها.

 

●●●

 

ما العمل إذن؟ لقد حشدت القيادة العسكرية برا وجوا، وشرعت فى تدمير الأنفاق الذى يُشَك كثيرا فى أنها معبر للإرهابيين، وأخذت تهاجم بضراوة الأماكن الوعرة لاختبائهم، وعادة ما تكون هناك نتائج فورية لمثل هذه العمليات، لكنها للأسف تكون وقتية إذا لم تعالج الجذور. إن سياسة «الضرب بيد من حديد» ردا على الانفلات الأمنى فى جميع أنحاء مصر لا يمكن أن تنجح وحدها فى القضاء على هذا الانفلات الذى تعود أسبابه إلى مسائل اقتصادية واجتماعية وتعليمية إضافة إلى ارتخاء قبضة الدولة، مما يخلق فى مجمله تربة خصبة للإرهاب وأفكاره، كما أن سياسة «الضرب بيد من حديد» سوف تبقى سرابا ما لم تتم مراجعة معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية وشروطها المزرية بالنسبة لتوزيع القوات المصرية فى سيناء وبالذات فى المنطقة (ج). لقد وُضعت هذه الشروط استنادا إلى فرضين خاطئين أولهما أن مصر هى الخطر على أمن إسرائيل وليس العكس، وثانيهما أن الخطر على أمن مصر سوف يكون مصدره إسرائيل فحسب، وبما أن ثمة معاهدة سلام بين الطرفين فإن هذا الخطر اعتبر فى حكم العدم، وكلا الفرضين غير صحيح. لقد تغيرت الظروف منذ عام 1979 جذريا، وهذا سبب كافٍ لمراجعة المعاهدة أو حتى إلغائها، فلم يعد بعيدا عن التصور أن تتولى الحكم فى إسرائيل عناصر بالغة التطرف لا تتورع عن التهديد بإعادة احتلال سيناء أو جزء منها أو إعطاء نفسها حق المطاردة الساخنة داخلها، كما أن الإرهاب خطر حقيقى على أمن مصر، ومن المؤكد أن إسرائيل تعطى ضوءا أخضر للقوات المسلحة المصرية للقيام بعمليات لا تتفق بالضرورة مع معاهدة السلام، لكننا لا نريد أن نبقى تحت رحمة هذه الحكومة الإسرائيلية أو تلك، تعطينا أو تمنعنا رخصة العمل العسكرى فى أرضنا.

 

●●●

 

من هنا فإن قضية مراجعة المعاهدة مع إسرائيل بإعادة النظر فى شروطها المزرية لتوزيع القوات المصرية فى سيناء يجب أن تكون شغلنا الشاغل، وفى المقدمة رئيس الجمهورية الذى يتعين عليه أن يجعل قضية المراجعة ضمن صدارة أولوياته، ومن المعروف أن المعاهدة تسمح بالمراجعة، لكنها تشترط موافقة طرفيها على أى تعديل يدخل عليها، وعليه فمن الحيوى أن تطلب الخارجية المصرية ذلك رسميا من إسرائيل، وأن يشكل رئيس الجمهورية فريقا من خيرة أبناء مصر من القانونيين والعسكريين والدبلوماسيين لإدارة عملية المراجعة على النحو الذى يذكرنا «بفريق طابا»، وفى الوقت نفسه يجب الشروع فورا فى الاستعداد حال تعنت إسرائيل لتعزيز المنطقة (ج) بقوات تكفى لمواجهة الإرهابيين وليس لمهاجمة إسرائيل بغض النظر عن موافقتها أو رفضها، وإلا فإن علينا أن نتوقع تحول العمليات الإرهابية المتفرقة إلى طوفان لا يهدد أمن سيناء فحسب وإنما أمن الوطن برمته.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية