زمن اللا معقول - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زمن اللا معقول

نشر فى : السبت 16 أغسطس 2014 - 10:35 ص | آخر تحديث : السبت 16 أغسطس 2014 - 10:35 ص

فى الستينيات انتشر فى مصر ما دعى باسم «مسرح اللا معقول»، وقد أدخل هذا المسرح الأديب توفيق الحكيم وكتب عدة مسرحيات فى هذا الاتجاه من أهمها مسرحية «يا طالع الشجرة»، وهو مطلع أغنية شعبية عبثية يغنيها الأطفال تقول: يا طالع الشجرة هات لى معاك بقرة تحلب وتسقينى بالمعلقة الصينى والمعلقة اتكسرت.. إلخ، وبالطبع لا توجد بقرة فوق الشجرة، وإن من تخيل مثل هذا إنما يعيش واقعا افتراضيا يحاول فيه أن يشبع جوعه بصورة اللبن النازل من ضرع بقرة تعيش فوق شجرة.

إن ما حدث وما زال يجرى على أرض غزة هو نوع من مسرح اللا معقول، فلا توجد مقاومة فى العالم تخسر ما يقرب من ألفى شهيد ويخيل إليها أنها قد انتصرت فى الحرب، ونحن لا نطالب هنا ــ بعد هذه الخسارة ــ أن تتراجع المقاومة وتتوقف بل العكس هو الصحيح، فنحن نطلب أن تعيد المقاومة تقييم ما فعلت، وهل كانت هناك ضرورة لمثل هذه الحرب فى هذا التوقيت بالذات؟ فبتقييم ما حدث يتأكد أن هذه الخسارة الكبيرة فى الأرواح لن تساوى إطلاقا ثمن العائد منها، فإسرائيل لن تحرر فلسطين بعد هذه الخسارة الفلسطينية، ثم إن مقارنة هذه الخسارة بما خسرته إسرائيل نجد أنها لا تزيد على 3% أى كل مائة فلسطينى أمامهم ثلاثة إسرائيليين. ثم أن ما حدث حتى الآن أن إسرائيل هى التى زادت فى التشدد وأن مطالب إسرائيل الآن هى نزع سلاح المقاومة ووضع قوات مراقبة من الأمم المتحدة كما حدث بين إسرائيل وجنوب لبنان بعد حرب عام 2006.

•••

والسؤال لماذا؟ والإجابة، لأن مطالب الوفد الفلسطينى هى مطار وميناء لغزة، وهى مطالب تصلح للحل النهائى بل هى الآن تعجيزية والهدف إفشال المفاوضات، فقيادات حماس فى الخارج لها حساباتها مع دول أرادت أن يكون لها الدور الرئيسى فى الأزمة ولم تنجح، بينما الذى يعانى فعليا هم قيادات الداخل، وهكذا فلابد من اعتراف قادة حماس بأن حساباتهم التى بنتها على تصريحات قائد حراس الثورة الإيرانية الجنرال محمد على جعفرى بأنه فى انتظار إشارة من «الفقيه» لكى «يمسح» إسرائيل من الوجود كانت خاطئة لأنه بعد بدء الحرب قال السيد على خامنئى أنه يساند المقاومة الفلسطينية لكن إيران لم تقصد إزالة الدولة الإسرائيلية، كذلك حساباتهم التى تبنتها على مساندة تركيا وقطر، واللتين اختفتا تماما بعد ذلك فأردوغان انشغل بالانتخابات، فضلا عن تورطه باستضافة داعش على حدوده مع سوريا، وهى خلايا نائمة ستصحو فى يوم ما وحساباتها أيضا أنه من المستحيل أن نتنياهو سوف يستمر فى الحرب بهذه الصورة غير الإنسانية والمتوحشة لأن العالم سوف يقاومه، وهذا أيضا ثبت خطأه، وحساباتها بتعضيد تنظيم الإخوان العالمى لها وإثارة الداخل المصرى ضد حكومته بادعاء تخاذلها واتفاقها مع إسرائيل فيستعيد إخوان مصر قوتهم، أو على الأقل وجودهم القوى فى السياسة المصرية ثم بافتراضها أن مقاومتها المسلحة سوف تعطيها القدرة على فرض شروطها على الحكومة الفلسطينية، والتى تتفاوض مع إسرائيل.

•••

هناك مثل قديم يقول: «من لا يرصد الريح لا يزرع»، وما فعلته حماس هى أنها لم ترصد اتجاه الريح جيدا بل جاء رصدها لاتجاه الريح خاطئا لذلك فهى لم تستطع أن تزرع زرعا جديدا وتغير وجه الأرض بل العكس هو الصحيح، والنتيجة أن إسرائيل تفعل ما تشاء، ترفض الحوار، تنسحب بقرار فردى وتفرض شروطها على العالم ويؤيدها فى ذلك أمريكا وأوروبا وبعض الدول الأخرى الشامتة. إن رصد الريح العالمى يعلن أن قضية داعش فى العراق جذبت انتباه العالم وأصبحت قضية غزة فى المرتبة الثانية وذلك للتأخر الشديد فى قبول المبادرة المصرية. لقد استخدم ياسر عرفات ــ فى وقت ما ــ ورقة مقاومة حماس كجزء من السلطة الفلسطينية على مائدة المفاوضات بطريقة متميزة، لكن جاء انقلاب حماس على السلطة فأحرق هذه الورقة، ثم جاءت الحرب الأخيرة لتقضى على آخر أمل فى المقاومة المسلحة لأنه وضح أنها لا تقاوم لأجل فلسطين لكنها تقاوم بناء على حسابات أو بالأحرى تصفية حسابات لاتجاهات سياسية عربية معينة وقضت على أى نجاح فى المفاوضات، لأن تشكيلة الوفد تقول أن القرار ليس بيدها وأى مرونة من أى عضو بالوفد سوف يتهم بالخيانة وأن المفاوض الحقيقى هى كتائب القسام.

ومن العجيب أن الطرفين المتفاوضين يدعيان الانتصار، لكن جميعنا يدرك أن معاهدات السلام تقر وتترجم الواقع الذى على الأرض ويومها سوف يتضح دون لبس من المنتصر ومن المهزوم.

•••

لقد كان العالم يحترم مقاومة حماس لأن لديها قضية واضحة المعالم وليست كداعش أو القاعدة أو جبهة النصرة، وكان العالم الحر يضعها فى تصنيف مختلف، ولكن بعد اجتماع مجلس الأمن لاتخاذ قرار بعدم إمداد داعش ومثيلاتها بالسلاح أو الأموال، وبعد الحرب الأخيرة التى أتضح من خلالها أنها لم تكن إطلاقا لتحرير الأرض لكن لأسبابٍ أخرى، لذلك لم يخرج شعب غزة ليؤيد مقاومته كما كان يحدث من قبل، فالخوف كل الخوف أن يغير العالم هذا التصنيف بعد أن وضحت بعض الأمور المحيطة لدوافع الحرب الأخيرة. وهنا لن ينفع ندم العرب جميعا.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات