دردشة معاشات - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دردشة معاشات

نشر فى : الجمعة 16 سبتمبر 2016 - 10:30 م | آخر تحديث : الجمعة 16 سبتمبر 2016 - 10:35 م
تعوَدت أن أزور المبانى الاجتماعية فى النوادى التى أدخلها، عضوة أو زائرة مُتطفِلة على أهلها، لا بغرض التنعُم بمكيفات الهواء فى حر قائظ، فكثيرا ما كانت متعطلة عن العمل، ولا سعيا وراء العزلة وتلمسا للهدوء فلم تعد معظمها هادئة بفضل توفير خدمة الإنترنت وانتشار التليفونات الذكية؛ يحمل كل شخص جهازه وينتقل بين الموسيقى والأغنيات والبرامج، وعادة ما يرغب فى إسماع من حوله.


أزور المبانى الاجتماعية داخل النوادى طمعا فى متابعة آراء قاطنيها وسماع تعليقاتهم على الأحداث الجارية والمستجدات. لا أتعَمَد التنصت واستراق السمع، إذ يشرك الحاكى هؤلاء الجالسين وراءه وبجواره والعابرين مِن أمامه فى الحوار، يطلب الرأى والمشورة وأحيانا الدعم فى مواجهة متحدثين آخرين، لتصبح صالونات المبنى المنفصلة شكلا، حلقة نقاشية واحدة وكبيرة.


***

لم يعد فضولى مُشبعا ولا مُرضيا ما بعد مُنتصف العام ألفين وثلاثة عشر، فقد تبدلت الأحوال وحلت أحاديث الاستقطاب العميق محل النقاشات واسعة الصدر، رحبة الأفق. فقدت أيضا خفة ظل الكبار لصالح الصلف وتجمد المشاعر والأفكار. تعودت ما بعد منتصف العام ٢٠١٣ أن أغلق أذنى إن اضطررت لقضاء بعض الوقت فى المبنى الاجتماعى، فأغلب الجالسين وهم من كبار السن وأحيانا المقام، مقتوا يناير وما ارتبط بها. مقتهم كان شديدا وغيظهم جاء صريحا مُعلنا، وأسبابهم ظلت جاهزة.


يبدأ واحد منهم فى سب الشبان الذين تحركوا فى يناير فيتبعه الآخرون متناغمين؛ تذم سيدة شاب شعرها بفعل الزمن هؤلاء العيال الذين ساقوا البلد إلى خراب أكيد فيؤَمِن رجلٌ مَحنى الظهر على كلامها ويلعن أهلهم. على مدى العامين الفائتين لم أسمع حوارا بين رأيين مختلفين فى قعدات المبانى الاجتماعية؛ موافقة تامة جماعية على الوضع العام، لا اختلاف على السياسة الخارجية أو الداخلية أو أداء الرئيس وحكومته ووزراءه. تعبئة كاملة ومخيفة ربما كانت قادرة على إسكات أى صوت معارض قبل أن يخرج من حنجرة صاحبه. لم تعد هناك دوائر جدل ونقاش بل جماعات تأييد محتشدة ومتحفزة لوأد مَن لا يؤيدها.

***

دخلت منذ أيام المبنى الاجتماعى صاغرة، أهرب من ازدحام ما قبل بداية الدراسة وإرهاصات إجازة العيد وصخبها. جلست على مَقربة مِن مجموعة صغيرة مكونة من خمسة رجال ولا نساء بينهم، ولم أكن على دراية بمبتدأ الكلام. قال واحد فيهم بدا أصغرهم سنا وهو يشير بإصبعه لآخر: «أنت لم تؤيد ثورة الثلاثين من يونيو، أجابه الأكبر سنا: بل أيدتها لكنى لم أؤيد الثالث مِن يوليو. أيدت خروجَ الناس ضد نظام حُكم دينى وأيدت إجراءَ انتخابات مُبكرة ولم أؤيد عزلَ رئيس منتخب لصالح المؤسسة العسكرية. اعتدلت فى جلستى متفاجئة. صوت كبير السن خالف توقعاتى المبنية على خبرات سابقة، وصوت صغير السن ــ نسبياــ فعل العكس».

رحت أتأملهما، الأصغر يرتدى قميصا وبنطالا داكنين ويبدو فى هيئة شبه رسمية بينما الأكبر سنا يرتدى فانلة ذات خطوط عرضية ملونة وبنطالا رياضيا. فكرت أن ثمة تناقض آخر بين الهيئة والعمر، فقد درجنا على رؤية الكبير فى زى الوقار متشبثا بأعراف لم تعد متبعة بينما الصغير أكثر تحررا واقترابا من نبض الحياة المعاصرة.

***
امتد النقاش حول مفهوم الثورة، ذاك الجدل الذى غرقنا فيه منذ أوقعنا السؤال فى جُبِ الحيرة: انقلاب أم ثورة أم مُصطلح جديد علينا أن نبتدعه بعد أن ابتدعنا ترجمته الفعلية على الأرض. حاز الحوار انتباهى كاملا فنسيت ما جئت مِن أجله وهَمَمت أكثر مِن مرة بالانضمام إلى الجمع، لولا أن جذب مَزيدا مِن روادِ المكان مقاعدَهم، وبدأ كل منهم فى إعلان رأيه وانحيازه لهذا أو ذاك. انتقل الحديث إلى مستوى الأداء الذى تقدمه جماعة الحُكم وما يعكسه توجهها، فعَلَت نبرةُ المُحتجين والرافضين لمسار إجبارى لا يشاركون فى صناعته، وتوارى المؤيدون قليلا واستمر الأصغر مدافعا عن المشروعات القومية التى ظهر فشلها، مؤكدا ضرورة الصبر قبل تقييم النتائج. لفت نظرى أن أحدا لم يُشَكِك فى نوايا الآخر ولا تراشق المجتمعون باتهامات العِمالة والخيانة وما فى حُكمها كما جرى العرف فى الآونة الأخيرة.

غادر كبير السن أولا معتزما ممارسة ساعة من المشى اعتاد عليها، وحين تبعه صغير السن بعد دقائق قليلة قام له الجالسون: مع السلامة يا سيادة اللواء.

 

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات