الزنديق.. في متاهة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 12:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الزنديق.. في متاهة

نشر فى : الأربعاء 16 ديسمبر 2009 - 10:59 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 ديسمبر 2009 - 10:59 ص

كاتب السيناريو المستوعب لأصول فنه، المخرج الفلسطينى الموهوب، ميشيل خليفى، اختار لبطل فيلمه «الزنديق»، اسم «ميم». حرف واحد فقط. ربما يختزل به كلمة «مواطن»، أو «مكان» أو «مضطهد» أو «محمد بكرى» الذى يجسده. الأرجح عندى أنه يشير إلى مبدعه «ميشيل» نفسه، فالكثير من ملامحهما، النفسية والاجتماعية تتشابه. كاتب السيناريو المستوعب لأصول فنه، المخرج الفلسطينى الموهوب، ميشيل خليفى، اختار لبطل فيلمه «الزنديق»، اسم «ميم». حرف واحد فقط. ربما يختزل به كلمة «مواطن»، أو «مكان» أو «مضطهد» أو «محمد بكرى» الذى يجسده. الأرجح عندى أنه يشير إلى مبدعه «ميشيل» نفسه، فالكثير من ملامحهما، النفسية والاجتماعية تتشابه.

«ميم»، مخرج يعمل فى أوروبا، يعود إلى وطنه فلسطين، كى يحقق فيلما تسجيليا عن نكبة «1948» حسب رؤية شهود العيان، وتأتى الأحداث خلال يوم واحد، تبدو فيه رحتله كما لو أنها فى قلب الجحيم، والفيلم لا يرصد الواقع الشديد الوطأة فحسب، بل يسترجع أجزاء فى الماضى الدامى، على مستوى الوطن، وعلى مستوى بطل الفيلم الذى تداهمه الذكريات الحلوة أحيانا، والمفعمة بالمرارة غالبا.

يبدأ الفيلم بـ«ميم»، يقود سيارته بجوار الجدار الذى يبدو ممتدا، بلا نهاية، خانقا، جاثما على صدر المدينة، مرسوم عليه وجوه غاضبة، وشعارات، وكاريكاتير، وبأداء محمد بكرى الذى يطالعنا بوجه متجهم حائر، وشعر رأس منكوش، يطلب من حبيبته التى تسير ساحبة حقيبتها أن تركب معه العربة، لكنها ترفض فى البداية بغضب، مما يوحى باضطراب العلاقة بينهما، فالواضح أنه رجل يضنيه عشق النساء، ويتعرض لصفعات حبيبته حين تضبطه مع امرأة، لكن الصفعات المعنوية، الأشد ألما، تتوالى عليه، عندما يقتل أحد أقربائه رجلا من عائلة أخرى، ينهض أفرادها للانتقام، فيصبح لزاما عليه الهرب، والبحث عن مكان يقضى فيه ليلته، وها هو يطوف على فنادق المدينة التى ترفض استقباله، لأن الوقت قد تأخر، أو بسبب التشكك فى أمره. هنا، من الممكن قراءة موقف الرفض على مستوى أعم وأعمق من المعنى المباشر، فالمواطن «ميم» يعامل معاملة الزنادقة إبعاده أو الابتعاد عنه.

«ميم»، المنهك، يلجأ إلى بيت عائلته المهجور، يدخل حيث التراب المكثف فوق كل المقتنيات التى أصابها التآكل، يكتشف أنه أصبح مأوى لعصابة تخطف الأطفال لبيع كلاهم. صبيان مرعوبان يجدهما وحدهما عقب هرب أفراد العصابة. يهدئ من روعهما، وفى مشهد مهم، يقوم بحرق أوراق بالية، وقبل وأثناء إلقائه للصور المقدسة، المهترئة، فى النيران، نسمع صياح الديك ثلاث مرات، الأمر الذى يحيلنا، بالإيحاء، إلى نكران القديس بطرس للسيد المسيح. «ميم»، إيمانه مهزوز فى كل شىء، لكن فى لحظات ضعفه، يستدعى حضور والدته الحنون. يسند رأسه على صدرها، تهدهده، تسأله عن الطعام الذى يريدها أن تعده له.. وتتوالى المشاهد، حاملة معها أكثر من مغزى، بالغة الثراء، فنيا وفكريا، يتوغل فى قلب الواقع، بتلك المقاطع التسجيلية، عما لاقاه عرب «48» من عنت، وفى ذات الوقت، يحلق الفيلم فى آفاق بعيدة وهو يتعرض لمن يعامله العالم كزنديق، وبالضرورة، يكفر «ميم» بكل شىء. إنه فيلم كبير وثرى ومهم بحق.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات