صالحى فى القاهرة: ملابسات وتناقضات - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 28 مايو 2024 5:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صالحى فى القاهرة: ملابسات وتناقضات

نشر فى : الخميس 17 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 17 يناير 2013 - 8:00 ص

أثارت الزيارة الأخيرة التى قام بها وزير الخارجية الإيرانى للقاهرة من الأسئلة ما يصعب أن تثيره زيارة أخرى على الرغم من أنها الزيارة الثالثة له لمصر بعد ثورة يناير 2011. الأصل فى هذه الزيارات أنها حدث طبيعى خاصة فى إطار محاولات إيران تطبيع علاقاتها مع مصر، وهى العلاقات التى قطعت على الصعيد الدبلوماسى منذ ثلث قرن بعد عقد مصر معاهدة السلام مع إسرائيل فى 1979، لكنها مع ذلك أحيطت بملابسات عديدة وتضمنت رسائل إيجابية وسلبية من كل طرف للآخر. ولعل أول هذه الملابسات هى أنها جاءت مباشرة فى أعقاب الزيارة التى قام بها قاسم سليمانى قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى، وصاحب السجل المعروف فى لبنان والعراق وسوريا، وهى زيارة أثارت لغطا كبيرا بسبب الإنكار الرسمى لها، وخشية معارضى الحكم الحالى فى مصر من قطاعات شعبية وقوى سياسية مدنية من أن تكون مقدمة لإنشاء «حرس ثورى إخوانى» فى ظل عدم انحياز الجيش المصرى لقوى سياسية بعينها، ولذلك فإن الاعتقاد السائد هو أنه لا يمكن أن يسمح بهذه الخطوة.

 

•••

 

قيل إن مضمون الزيارة ركز على المطلب الإيرانى برفع درجة التمثيل الدبلوماسى بين البلدين عن وضعه الحالى (مكتب رعاية مصالح لكل طرف فى عاصمتى البلدين) إلى درجة السفير، وفتح باب منح التأشيرات للإيرانيين الراغبين فى القدوم إلى مصر، كما قيل إنه عرض مساعدات اقتصادية سخية على مصر هادفا بذلك من طرف خفى تخريب العلاقات بين ومصر والإمارات على خلفية الأزمة الراهنة بسبب اتهام السلطات الإماراتية عددا من المصريين بمحاولة تكوين خلية إخوانية فى الإمارات وضم عناصر من مواطنى الدولة إليها. كذلك قيل إن الوزير الإيرانى سعى إلى التقريب بين موقفى البلدين من المعضلة السورية، خاصة وأن هناك قاسما مشتركا بين الموقفين يتمثل فى رفض التدخل العسكرى الخارجى فى سوريا. وأخيرا وليس آخرا فإنه قد تلقى دعوة رئيس الجمهورية المصرى للرئيس الإيرانى لحضور القمة القادمة لمنظمة التعاون الإسلامى التى ستعقد فى القاهرة، كما حمل له دعوة من الرئيس الإيرانى لزيارة طهران.

 

            غير أن رئيس الجمهورية سارع إلى طمأنة دول الخليج العربى بأن أمنها خط أحمر بالنسبة لمصر حتى لا يكون فى أى تقدم يتم على صعيد العلاقات المصرية ــ الإيرانية أثر سلبى على علاقات مصر الاستراتيجية بدول الخليج العربى، وهى تطمينات رأى البعض أنها خالية من المضمون فى ضوء الظروف الراهنة فى مصر. لكن الرسالة الأوضح كانت على الصعيد غير الرسمى ومصدرها الأزهر الشريف (أول لعل فى الأمر توزيع أدوار)، إذ التقى وزير الخارجية الإيرانى شيخ الأزهر واستمع منه -بعد دعمه التضامن بين إيران ومصر من أجل نصرة شعب فلسطين ــ إلى مطالب محددة أولها إصدار فتاوى من المرجعيات الدينية الكبرى فى إيران بتحريم صريح وحاسم لسب أم المؤمنين السيدة عائشة والخلفاء الثلاثة والصحابة والإمام البخارى (رضى الله عنهم) (حاول الوزير الإيرانى أن يرد على هذا علنا ردا «سياسيا» بقوله «إذا كانت كلمة سنى هى اتباع سنة النبى فإن إيران كلها سنة، وإذا كانت الشيعة معناها حب آل البيت فأتصور أن الشعب المصرى كله شيعة»، كما تبرأ ممن يسب الصحابة والسيدة عائشة قائلا: «إن من يسبهم ليس من الشيعة»)، وثانى هذه المطالب هو الحفاظ على حقوق السنة فى إيران ممن اشتكوا إلى الأزهر فقدانهم بعض الحقوق السياسية كمواطنين إيرانيين لهم الحق فى ممارسة ثقافتهم وتقاليدهم وفقههم الخاص بهم طبقا للحقوق المقررة للأقليات فى الشريعة الإسلامية، أما ثالثها فهو الرفض العام للتدخل فى شئون مملكة البحرين، وأخيرا رفض الأزهر اختراق المجتمعات السنية من جانب الناشطين الشيعة لأنه يهدد وحدة النسيج الوطنى والثقافى والاجتماعى فى المجتمعات السنية، وكلها مطالب تظهر بُعد الشُقَة بين مصر وإيران على الأقل على مستوى النخبة المصرية.

 

•••

 

أما الرسالة الأخطر فتمثلت على نحو غير مباشر فى المؤتمر الذى دعت إليه قوى إسلامية فى مصر على رأسها السلفيون والجماعة الإسلامية بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الإيرانى وتعاونت فيه مع عدد من المؤسسات والأحزاب العربية، ويفترض أن دعاة من الأزهر ووزارة الأوقاف المصرية قد شاركوا فيه. كان موضوع المؤتمر هو نصرة عرب الأحواز السنة فى إيران التى يمارس نظامها ضدهم شتى ألوان الاضطهاد. وقد قرر المؤتمر فى نهاية أعماله إنشاء أمانة عامة لمتابعة توصياته والترتيب لعقد مؤتمرات قادمة على أساس دورى (كل عام)، وهو أمر إن حدث سوف يكون مصدرا منتظما لتوتير العلاقات المصرية ــ الإيرانية، كما كرر المؤتمر مناشدته جميع القوى الأحوازية جمع كلمتها ورص صفوفها وتكامل جهودها لخدمة قضيتها. وقد كان ممكنا النظر إلى المؤتمر كآلية للتعبير عن مواقف قوى تعارض تطبيع العلاقات مع إيران كعلامة من علامات التنوع فى الرأى، غير أن أحد مساعدى رئيس الجمهورية قد شارك فى المؤتمر وألقى كلمة فيه تضمنت مواقف صريحة من قضية شعب الأحواز، إذ ورد فيها «إن عقد المؤتمر للتأكيد على حقوق عرب الأحواز، ودعم حقهم فى اختيار من يديرون شئونهم وكذلك اختيار ثقافتهم وسياستهم»، (وهو ما يصل إلى حد المطالبة بفصلهم عن إيران)، مضيفا أن هذا هو الموقف من حق الأقليات من أهل السنة والجماعة فى كل بلاد العالم، والسؤال مرة أخرى هل يعد هذا تعبيرا عن «توزيع الأدوار» فى إدارة العلاقات مع إيران؟ أم أن الرجل شارك بصفته الحزبية، وهو أمر لا يجوز بسبب صفته الرسمية؟ ومن اللافت انسحاب تنظيم الجهاد المصرى من المؤتمر وتصريح المتحدث باسمه أنه ــ أى تنظيم الجهاد ــ قد تعرض لعملية خداع من منسقى المؤتمر، وتساءل عن السبب فى تزامن المؤتمر مع زيارة وزير الخارجية الإيرانى، كما أكد أن الأحواز ليست كلها سنة وإنما تضم العديد من الشيعة، وأن حركة عرب الأحواز هى حركة «قومية» وليست «دينية»، واستطرد أن الجهاد يرفض حضور هذه المؤتمرات لأنه ضد تقسيم أى دولة إسلامية، واعتبر المؤتمر أولى خطوات المؤامرة الأمريكية لضرب إيران (!). وتساءل عن حضور القوى الإسلامية المؤتمر وهل هو بحسن نية أم جاء عمدا، ثم شن حملة قاسية على د.عماد عبدالغفور مساعد رئيس الجمهورية لأنه حضر المؤتمر دون علم رئيس الجمهورية (وهو تفسير آخر لحضوره)، وذكر أن مستشارى الرئيس ومساعديه يورطونه بتصرفاتهم الخاطئة.

 

•••

 

أحيطت زيارة وزير الخارجية الإيرانى إذن بهذا القدر من الملابسات: هل يتحدث رئيس الجمهورية ووزير خارجيته حديث التعاون مع الوزير الإيرانى ثم يطلق ألسنة آخرين فى انتقاد السياسة الإيرانية بما فى ذلك انتقادها تجاه قضية شديدة الحساسية بالنسبة لها كقضية الأحواز؟ أم أن الأمر كله لا يعدو أن يكون ارتباكا فى السياسة الخارجية كفرع من الارتباك السياسى العام فى الساحة المصرية حاليا؟ وكيف يجمع رئيس الجمهورية بين تعزيز علاقاته مع إيران فى الوقت الذى يحرص فيه على التمسك بالعلاقات مع الولايات المتحدة؟ وكيف ينسق بين علاقاته الحميمة مع قطر وبين مشروع تطبيع العلاقات مع إيران التى اتهمتها بلعب دور تخريبى فى عملية الإفراج عن الرهائن الإيرانيين لدى العناصر المسلحة فى سوريا؟ أو بين علاقاته الاستراتيجية مع دول الخليج ومشروع العلاقات مع إيران التى تقوم فى الخليج العربى بدور لا يمكن قبوله؟ أنكون إزاء «بسمارك» جديد أم أن الأمر كله لا يعدو أن يكون نقصا فى الخبرة يؤدى إلى قدر هائل من الارتباك؟

 

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

 

ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية