أحد سكان المدينة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحد سكان المدينة

نشر فى : السبت 17 يناير 2015 - 8:10 ص | آخر تحديث : السبت 17 يناير 2015 - 8:10 ص

مخرج جديد، أتوقع وأتمنى له مستقبلا زاهرا، اسمه أدهم شريف، لا أعرفه شخصيا، لكن تفهمت، واقتنعت، بقوة طاقته الإبداعية، المدججة بروح الشباب الطموح، واستقلال رؤيته التى لا تستعير عيون أحد، وبالتالى، جاء فيلمه القصير، الأول فيما أظن، لا يشبه إلا نفسه.

شاهدت الفيلم على شاشة القناة الثانية، الباهتة، فى أول حلقة من برنامج واعد، تتوافر فيه عوامل النجاح، ذلك أنه من إعداد ناقدنا النزيه، المتحمس دائما للتجارب المتمتعة بروح الحداثة، واستضاف، الناقدة الكبيرة، صاحبة الخبرة العميقة، خيرية البشلاوى، حيث بينت بجلاء، مواطن الجمال فى الفيلم ومفرداته.. لكن، فيما يبدو، أن أزمة الاستوديوهات، وندرتها، التى يعانى منها المبنى الضخم، المسمى «ماسبيرو»، جعل تسجيل «اتفرج يا سلام» يتم فى شرفة تطل على النيل، فى هواء طلق يجعل «الميكات» تصفر وتوشش، بدلا من أن ترصد الكلام واضحا.

عنوان الفيلم هو عنوان العمود، يبدأ بصورة كيس طعام فارغ، تدحرجه الرياح على الأرض، مع صوت معلق، من خارج الكادرات، يتحدث عن الحظ والإرادة ولقمة العيش.. سريعا، ينقذ المخرج فيلمه بعدم الاسترسال فى ثرثرة ذات طابع فلسفى، فالراوى، يقدم نفسه: أنا أتولد هنا، فى القاهرة، المدينة الكبيرة العظيمة، حتة من أرضها بأتدحرج عليها، عارف ريحة كل شارع فيها، حافظ نغم دوشتها.

الراوى، يركز على حاسة الشم، وبعد عدة مشاهد، نكتشف السر. إنه أحد كلاب الشوارع، يعتمد على حاسة الشم.. وفى لمسة إبداعية موفقة، نرى المدينة، بسكانها من البشر، من وجهة نظر الكلب، وفى مستوى عينيه. المخرج، مع مصوره المتفهم، بسام إبراهيم، ومونتيره الجرىء، يرصد أقدام المارة المتزاحمة، عجلات السيارات والعربات الكارو، الأجزاء السفلى من البيوت، صندوق ماسح أحذية، مواسير ملقاة على الأراضى.. لقطات متتابعة، متدفقة، تعبر تماما عن القاهرة بأحد سكانها، الذى لا ينتبه له البشر.

بطلنا، أو كلبنا، يميل للتأمل، ينبهنا إلى آخرين، من زملائه ذوات الأربع، يعيشون فى المدينة. منهم النجوم، مثل أسد حديقة الحيوان، وكلاب اللوى المدللة، والخيول العاملة.. كلهم، حسب اللقطات، مقيدون.. بينما هو «الصعلوك» يعيش حرا. ليس وحيدا، لأنه يدرك ضرورة أن يكون له أقران وعزوة.. يعرفنا على أحبائه: «جميلة»، الرقيقة، الأقرب للزوجة، وصديقه «زنجه»، الجدع، المخلص، وإن كان عقله «على قده».

يتابع الفيلم، بالصورة، سرد الكلمات، مؤكدة معانيها، على نحو أقرب للتوازن.. وبرغم رجحان كفة الكلام، فإن الكثير من المشاهد، مع المؤثرات الصوتية، يكاد يصل إلى مستوى إبداعى لافت للنظر والسمع.. الكلب يتحدث، بلسان الراوى، عن الحرية التى يعيشها، فيطالعنا حضوره، جالسا على قدميه الخلفيتين، مرفوع الرأس، يمتد الأفق وراءه بلا حدوث، فى لحظة غروب الشمس.

القاهرة ليلا، هى مدينة الكلاب، هكذا يؤكد محدثنا، وينبهنا إلى أن لكل مجموعة من الكلاب، منطقة مستقلة، لا تدخلها كلاب أخرى.. وإذا اقتحمت المكان، فإن معركة ستدور حتما، قد تخلف دما وجرحى.. وها هى، بالصورة، مجموعة غريبة تدخل الشوارع الخاصة ببطلنا و«جميلة» و«زنجة». فورا، ينطلق النباح، يتحول إلى زومان، ثم لهاث وعواء ألم مصابين، ومع المطاردات والمواجهات، يرتفع النباح، معبرا، كمؤثرات صوتية موفقة، تؤكد حتمية الدفاع المستميت عن الأرض.. هنا، نلمس فكرة مضيئة، عن «الوطن»، وضرورة الانتباه والاستعداد، لمواجهة الغزاة.. ومن الناحية الفنية، تدخل المؤثرات الصوتية، الواقعية، فى نسيج الفيلم، وبنيته، على نحو أعمق وأقوى من الموسيقى المصاحبة، التقليدية، المستعارة من مقاطع معروفة.. وفيما يبدو أن الراوى، عادل عبدالرازق، صاحب الصوت الواضح النبرات، أصابته الحيرة إزاء طريقة الأداء، فأحيانا يلتزم بأسلوب المعلق المحايد، وأحيانا يجنح إلى الأداء التمثيلى.. إجمالا «أحد سكان المدينة»، عمل مصرى مبتكر، شجاع فى خياله، مجتهد فى تنفيذه، يمنحنا شحنة أمل فى مستقبل سينمانا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات