( الوزن) - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 1:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

( الوزن)

نشر فى : الأحد 17 مايو 2009 - 7:00 م | آخر تحديث : الأحد 17 مايو 2009 - 7:00 م

الأصل فى الوزن الشعرى أنه يعتمد على تكرار وحدات ثابتة من الحركات والسواكن تسمى التفاعيل، وتكرار هذه التفاعيل عددا معينا من المرات فى كل بيت شعرى هو ما يسمى بالبحر. فتفعيلة مثل «فعولن» تحتوى على حرفين متحركين ثم حرف ساكن، وحرف متحرك ثم حرف ساكن.

ويشار فى علم العروض إلى الحرف المتحرك بالشرطة (ــ) وإلى الحرف الساكن بالسكون (0)،حيث يمكن كتابة فعولن هكذا (ــ ــ 0 ــ 0). أما تكرار تفعيلة فعولن أربع مرات فى كل شطرة، فهو ما ينتج بحر المتقارب،حيث يقول الشاعر :
لقد حال بالسَّيفِ دون الوعيدِ وحالت عطاياهُ دون الوعودِ

وفى عروض الشعر لا يحتسب إلا الحرف الذى ينطق فقط، ولهذا فقد تحذف حروف موجودة فى الرسم الكتابى، وقد تضاف إليه حروف أخرى غير موجودة، وتعد حروف المد حروفا ساكنة، كما تحذف ألف لام التعريف الشمسية ويشدد الحرف الذى يليها، أما القمرية فتحذف منها الألف وتبقى اللام ساكنة، حيث يكتب البيت السابق عروضيا هكذا:
لقد حال بسْسَيْفِ دون لْوعيدى وحالت عطاياه دون لْوعودى

وهو يقسم إلى ثمانى تفاعيل من فعولن كما يلى :لقدْ حا ــ لَ بِسْسَىْ ــ ف دون لْ ــ وعيدى ــ وحالت ــ عطايا ــ هُ دون لْ ــ وعودى.

ويقال إن البحور سميت كذلك لأنه يوزن بها ما لا يتناهى من الشعر، فأشبهت البحر الذى لا يتناهى بما يغترف منه. وبحور الشعر عند الخليل بن أحمد واضع علم العروض خمسة عشر بحرا، وقد زاد عليها الأخفش الأوسط بحرا سماه «المتدارك» لأنه تدارك به ما فات الخليل، وبهذا صارت أوزان الشعر العربى ستة عشر بحرا.

وهنا يثور سؤال جوهرى يطرح نفسه فى هذا السياق: هل الوزن هو الشعر؟ وهل يمكن للشعر أن يستغنى عن الوزن ويظل متصفا بالشعرية؟

هناك من يرى أن نوع البحر لا يؤثر فى المعنى، حيث يمكن أن يُنْظَم فى البحر الواحد قصائد متعددة الأغراض مثل الهجاء والمديح والفخر والرثاء وغيرها، دون أن يؤثر هذا فى المعنى، ويتجلى الوزن فى هذه الحالة بوصفه عنصرا خارجيا يؤثر على الجانب الصوتى دون أن يكون له علاقة بالمستوى الدلالى. ولكن هناك من يرى أيضا أن الوزن ليس عنصرا مستقلا عن القصيدة يضاف إلى محتواها من الخارج لكنه جزء لا ينفصل عن سياق المعنى، وهو بهذه الصفة لا ينتمى إلى علم الموسيقى بل إلى علم اللغة.

ويستشهد أصحاب هذا الرأى بأن قابلية الترجمة ربما كانت بالتحديد هى المعيار الذى يسمح بالتفريق بين نمطين من اللغة، فاللغة النثرية يمكن ترجمتها آليا، أما اللغة الشعرية فقد عجزت أمامها الآلة المُتَرْجِمَة، لأن اللغة فى الشعر على حد تعبير جاكبسون ليست وعاء بل تصبح هى نفسها لها وجود مستقل بسب تضافر الوسائل المتعددة للشاعر مثل الإيقاع والوزن والتناغم الصوتى، وكل هذه العناصر تسقط حتى عند الترجمة البشرية للشعر.

ولهذا فقصيدة النثر عند أصحاب هذا الاتجاه لا تلعب إلا على وجه واحد من اللغة الشعرية وهو الوجه الدلالى، بينما تترك الوجه الآخر غير مستغل وهو الوجه الصوتى. هذا بالإضافة إلى تأكيدهم على أن طبيعة الكتابة النثرية تتباين مع طبيعة الشعر، فالنثر كما يؤكدون يتلافى ما أمكن أن يقترب من التشابه الصوتى بين الكلمتين، بينما يصنع الشعر العكس. وقد أطلق موريس جرامون مصطلح «التناسق الشعرى» على الشعر الذى توجد فيه علاقة بين الصوت والمعنى.

أما أنصار قصيدة النثر فيرون أن الشاعر فى قصيدة النثر يملك قدرا أكبر من الحرية لكى يلعب على رافد المستوى المعنوى، لأنه لا يلتزم اصطناع التوافق التام بين نقطة الوقف العروضى التى يكتمل عندها وزن البيت، ونقطة الوقف الدلالى التى يكتمل عندها المعنى أو الصورة الشعرية، هذا التوافق الذى يبدو فى بعض الأحيان مفتعلا حتى لدى أكبر الشعراء وأكثرهم موهبة. كما أن عناصر صناعة الشعرية تضم الصورة والإيقاع والتناسق البنائى والتواتر الصوتى للحروف المتوالية وغيرها، ولا تتوقف عند حدود الوزن فقط.

أما جون كوين فيقول: إن الشعر يمكن أن يستغنى عن الوزن ولكن لماذا يستغنى عنه؟! إن فنا كاملا ينبغى أن يستخدم كل روافد أدواته، ولأن قصيدة النثر لا تستعين بالجانب الصوتى من لغة الشعر، فإنها تبدو دائما كالشعر الأبتر. إن الوزن هو وسيلة لجعل اللغة شعرا وينبغى أن ندرسه على أنه كذلك.

والواقع أنه ليس هناك حقيقة مطلقة فى هذه القضية، والعبرة بالنموذج الفنى الذى تقدمه القصيدة ومدى موهبة مبدعها، فهناك نصوص لا يمكن وصفها مطلقا بأنها قصائد على الرغم من انضباط وزنها، وهناك نصوص مفعمة بالشعرية على الرغم من خروجها عن النسق العروضى المتوارث. وكل تجربة مُجَدِّدة تلقى معارضة فى بدايتها من أنصار التيار السائد حتى تسقط متهافتة أو تتأصل بنماذجها الجيدة، وتصبح نسقا كلاسيكيا آخر ينبغى للمبدع الحقيقى أن يبحث عن سبل لتجاوزه.

وعيب قصيدة النثر الوحيد من وجه نظرى أنها قد فتحت الباب أمام الأدعياء ظنا منهم أنها الأسهل، على الرغم من أنها تصطنع بدائل أكثر قربا من جوهر الشعرية لا يقدر عليها إلا الراسخون فى الموهبة. وقد قال الشاعر صلاح عبدالصبور من لم يدخل فى بحور الشعر لا يحق له الخروج عليها، اعتقادا منه بأنه حتى وإن تنازل عن الوزن فسيبقى مشحونا بالإيقاع.  

التعليقات