الدولة المحايدة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدولة المحايدة

نشر فى : الأحد 17 يوليه 2011 - 9:12 ص | آخر تحديث : الأحد 17 يوليه 2011 - 9:12 ص
يتعجب البعض من تأكيدى المتكرر على أن الدولة ككيان يدير شئون المجتمع والمواطنين ويبتغى تحقيق الصالح العام هى دوما دولة محايدة. هؤلاء يرون فى صفة الحيادية تعارضا مع ما أكدته دومًا الدساتير المصرية من أن دين الدولة هو الإسلام. والحقيقة أن صفة الحيادية تعنى بصورة أساسية أن الدولة لا تميز بين مواطنيها على أساس انتماءات دينية أو اجتماعية أو مناطقية و تقف فى سياساتها وممارساتها على مسافة واحدة من جميع المواطنين.

الدولة المحايدة تُشغل بها المناصب العامة والخاصة وفقا لقواعد غير تمييزية كالكفاءة فى حال التعيين أو القبول الشعبى فى حال الانتخابات. ولا يتم احتكار المناصب العامة أو الخاصة من قِبل المنتمين لديانة واحدة أو لخلفيه اجتماعية واحدة و إنما تتيح وتضمن الدولة المحايدة المساواة وتكافؤ الفرص للجميع.

بهذا المعنى لا تتناقض حيادية الدولة مع تأكيد الدساتير المصرية على أن دين الدولة هو الإسلام. فالمقصود هنا هو أن أغلبية المواطنين المصرين تدين بالدين الإسلامى أى أن الإسلام هو دين الأغلبية فى الدولة المصرية. المقصود ايضا هو أن الدولة المصرية لا تُميز ضد المواطنين المنتمين لديانات غير دين الأغلبية، ولا تُهمش دياناتهم و لا شرائعهم السماوية لا رمزيا و لا قانونيا. ففى هذا يكمن جوهر الالتزام الكامل للدولة بالمساواة بين كل المواطنين بغض النظر عن كونهم من الواقعين فى خانة الأغلبية أو الأقلية.

إن دين الدولة هو الإسلام لا يعنى أن المواطنين المسلمين يعاملون معاملة تفضيلية مقارنة بنظائرهم المسيحيين أو أن الدولة فى العطلات الرسمية تحتفى فقط بالأعياد الإسلامية وتتجاهل الأعياد المسيحية لكون الأخيرة هى دين الأقلية فى البلاد. إن دين الدولة هو الإسلام لا يعنى أن الإشارة فى الدستور والقوانين المصرية للأهمية الرمزية والمجتمعية للشرائع السماوية الأخرى غير مقبولة، و هذا هو سبب دعوتى المتكررة للتفكير فى إضافة عبارة «ولغير المسلمين الاحتكام الى شرائعهم السماوية فى معاملاتهم الخاصة» إلى نص المادة الثانية من دستور 1971 حين وضع الدستور المصرى الجديد.

حيادية الدولة هى إذا الضمانة الحقيقية للمساواة الرمزية والقانونية بين جميع المواطنين وللحيلولة دون أن تُحتكر الدولة فى سياساتها وممارساتها من قِبل منتمين لدين واحد. إن فُهمت عبارة الإسلام دين الدولة فى هذا السياق فلا اعتراض بمصرية أو مصرى عليها. أما أن تُفهم هذه العبارة على أنها ترتب للمصريين المسلمين حقوقا رمزيه وقانونية وسياسية أكبر من بقية المواطنين، و هو ما تروج له بعض الجماعات والشخصيات فى الحياة العامة فى مصر، هو أمر يخالف شرط حيادية الدولة ويتناقض معه و يصبح من ثَم مرادفا لبناء مجتمع عنصرى تمييزى يقسم فيه المواطنون إلى مواطنين درجة أولى و مواطنين درجة ثانية.

و هو ما لا أقبله و ما لا أريد لمصر فى خبراتها الطويلة فى العيش المشترك والتسامح أن تنكفئ باتجاهه.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات