تائه بين الرئاسة والزعامة - سمير كرم - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 4:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تائه بين الرئاسة والزعامة

نشر فى : الأربعاء 17 أكتوبر 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 17 أكتوبر 2012 - 8:50 ص

الرئيس محمد مرسى يريد أن يكون زعيما. إنه لا يكتفى بمنصب الرئيس أو بلقب الرئيس.

 

هذا هو المعنى الذى استخلصته غالبية الآراء تعليقا على خطاب الرئيس فى ذكرى حرب أكتوبر. فقد تجاوز الخطاب مسألة المحاسبة، الذاتية من ناحية والموضوعية من ناحية أخرى، لمدى ما أنجزه فى الأيام المائة الأولى التى كان قد وعد بأن ينجز فيها. وقد اقتضى اهتمامه بأن يبدو فى خطابه زعيما وليس مجرد رئيس ان يتطرق لعدد آخر من المسائل التى لا تتعلق بانجازات ايامه المائة الاولى.

 

كانت التعقيبات التى رأت فى خطاب مرسى أنه يطلب الزعامة ولا يكتفى بالرئاسة محقة فيما ذهبت اليه حتى تلك التى استندت إلى ادائه السلوكى فى الخطاب، بما فى ذلك حرصه على ان يؤكد قدرته على الارتجال الخطابى، وبما فى ذلك حرصه على ان يقطع المسافة التى تقع فيها منصته جيئة وذهابا، وايضا الطريقة «الاستعراضية» التى سار بها موكب السيارات الذى أوصله إلى استاد القاهرة (الإخوان المسلمون بعد الخطاب الرئاسى) والسيارة المكشوفة التى دارت به حول ملاعب الاستاد قبل الخطاب وبعده. وبما فى ذلك أيضا استعارته عبارة جمال عبدالناصر «اننى مستعد لأن اتحمل المسئولية كاملة» وهو يشير إلى النسب المئوية التى قرأ عنها بشأن أدائه فى الأيام المائة الأولى. ولابد ان نضيف إلى هذا تأكيد مرسى ان العبور الثالث ــ بعد عبور اكتوبر العسكرى العظيم وبعد العبور الذى خص به ثورة 25 يناير ــ كان العبور الذى تمثل فى انتخابه ــ نعم انتخاب محمد مرسى للرئاسة يوم 30 يونيو الماضى.

 

●●●

هذه كلها كانت مؤشرات صريحة وواضحة إلى ان الرئيس مرسى أراد أن يقدم نفسه لجماهير «ه» التى احتشدت فى الاستاد ليس باعتباره رئيسا لمصر والمصريين وحسب انما باعتباره زعيم هذه الجماهير. مع ذلك فإنه يبدو جليا ان الرئيس مرسى لم يكن يسعى بهذا إلى الارتفاع من الرئاسة إلى الزعامة.

 

نعم هذا بالتحديد ما أعنيه: لم يكن محمد مرسى يتطلع لأن يصعد من مرتبة الرئيس إلى مرتبة الزعيم. فالرئيس مرسى تعامل مع نفسه ومع المناسبة التى كان يخطب فيها على انه زعيم بحق. بل إنه أراد تأكيد قدرته الزعامية بعد ايام من خطاب السادس من اكتوبر بأن واجه موجة النقد العارمة التى ردت بقسوة على خطابه هذا فى الصحافة المصرية منذ ذلك الوقت بقرار كان يمكنه ان يعلنه فى الخطاب نفسه أو قبله. المقصود هو قرار الافراج عن كل المقبوض عليهم بتهم تجعلهم يوصفون بسجناء الثورة. كان قرارا شعبيا بحق لأنه اسعد كثيرين وليس فقط ذوى المقبوض عليهم.

 

أعود فأؤكد اننى اعنى ان الرئيس مرسى لم يكن طالب زعامة فى هذا الخطاب. الحقيقة فيما اعتقد انه طالب رئاسة.

 

كيف؟

 

الرئيس مرسى منذ أن تولى الرئاسة وهو يعانى من وجود رؤساء كثيرين حوله يتولون عنه دور الرئيس يوجهونه فيما يصدر عنه من قرارات. يسبقونه إلى تأكيد أهمية هذه الخطوة فى الداخل او هذه السفرة إلى الخارج. الرؤساء الذين يعرف الرئيس مرسى انهم الرؤساء الفعليون وانهم يملكون صناعة القرار السياسى والاقتصادى والعسكرى هم المنافسون داخل جماعة الاخوان المسلمين على ممارسة الحكم. قادة الجماعة الذين يعتبرون انفسهم اقدر وأقوى من محمد مرسى فى اداء دور رئيس الجمهورية. وهذه المنافسة لا تتم لهؤلاء الا من خلال دور الإخوان المسلمين فى الحكم، فى السلطة.

 

الرئيس مرسى حقق ما يفوق طموحه فى نظر القادة الإخوان الآخرين. وهؤلاء لا يستطيعون أن يقفوا موقف المتفرج إزاء ما يجرى. لكنهم يكتشفون الآن أن يوما واحدا فى رئاسة مصر يكفى ليعطى من يشغل هذا المنصب كل مبررات العظمة والطموح والتطلع إلى ما هو اكبر أو أكثر من مجرد الرئاسة بمعناها المجرد الذى يحكمه دستور وتقيده قوانين. وأول من يدرك هذا هو الرئيس مرسى نفسه. لكن القيادات الإخوانية التى مارست عليه زعامتها لسنوات طويلة موجودة ولديها الامكانيات اللازمة لاملاء القرارات عليه، وان كانت تصدر باسمه وتقع فى إطار سلطته.

 

●●●

 

وهنا تبدو مشكلة التفاوت بين الطموح والكفاءة. هل هى مشكلة تفرض نفسها على مرسى وحده أم أنها تفرض نفسها على «زعمائه» فى تنظيم الاخوان؟ وربما لهذا لم تتخذ اية قرارات من جانب مرسى او قادته الإخوان تتعلق بتنظيم الاخوان ذاته، يبقى أم يلغى، تبقى القرارات التى تحمل بصماته كتنظيم أم تزاح جانبا هذه القرارات؟

 

الرئيس مرسى يتعين عليه أن يواجه هذا المأزق بأن يطلب الرئاسة عبر اثبات زعامته للشعب المصرى. ان يبرهن على انه يملك من الزعامة ما يؤهله لان يصدر القرارات دون أملاء من قادة جماعة الاخوان المسلمين. وهو فى هذا الجهد يبدو مطمئنا إلى ان احدا لن ينازعه الزعامة على الشعب المصرى...

 

إلا الشعب المصرى نفسه.

 

لكن الشعب المصرى ليس منظما كما جماعة الإخوان. ولهذا تبقى الجماعة صاحبة نفوذ على الشعب من خلال نفوذها على مرسى. الجماعة قوية التنظيم كما اتضح فى احتفال السادس من اكتوبر فى الاستاد. لقد ارادت الجماعة ان يتفوق تنظيمها ليبدو الاحتفال احتفالها وليس احتفال الشعب.

 

لكن الرئيس مرسى أطلق لمواهبه العنان يومها. الأمر الذى تجاهله الإعلام مكتفيا بأن مرسى إنما يريد الزعامة لذاتها، والحقيقة أنه يريدها لأجل تأكيد الرئاسة. 

 

 

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات