حول ملامح الظاهرة الإسلامية فى مصر - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 8:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حول ملامح الظاهرة الإسلامية فى مصر

نشر فى : الثلاثاء 17 نوفمبر 2009 - 9:26 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 24 نوفمبر 2009 - 9:50 ص

عرفت مصر فى السنوات العشرين الأخيرة ظاهرة إسلامية واسعة بدت مظاهرها ومؤشراتها واضحة فى كثير من جوانب المجتمع والدولة. وقد تناولتها كثير من الدراسات والمقالات مستخدمة مصطلحات متعددة لوصفها، اختزلها الأغلب منها فى ظاهرة الحركات الإسلامية ذات الطابع السياسى والتى بدت فيها كمرادف للظاهرة الإسلامية برمتها.

إلا أن الحقيقة هى أن «الظاهرة الإسلامية» فى مصر تبدو أكثر اتساعا وتعقيدا بكثير من هذا التعريف المختزل وأنها تشمل عديدا من الظواهر الفرعية التى لا تشترك بالضرورة فى نفس الطبيعة ولا فى نفس الخصائص، وتختلف عن «الحركات الإسلامية» فى علاقة كل منها بالسياسة.

وهناك أربع ظواهر فرعية لها لا تشمل ما يمكن أن نطلق عليه «الإسلام الرسمى» أو الحكومى الذى تمثله المؤسسات الكبرى التابعة للدولة بكل تأثيراتها الكبيرة فى المجتمع وفى مقدمتها الأزهر بجميع معاهده وكلياته ومؤسساته ووزارة الأوقاف بكل ما تديره من عشرات الآلاف من المساجد فى البلاد وغيرها من مشروعات اقتصادية واجتماعية.

والظاهرة الفرعية الأولى يمكن تسميتها «الإسلام الاجتماعى» الذى يبدو كجزء من ظاهرة التدين العام التى راحت تجتاح كثيرا من المجتمعات فى العالم ومن بينها المجتمع المصرى فى ربع القرن الأخير. وتعنى تلك الظاهرة وجود توجه عام فى المجتمع المصرى،

وبصفة خاصة بين الفئات المختلفة للطبقة الوسطى به وشرائح من الطبقات الأعلى وأخرى فى قمة الطبقات الأدنى، نحو التدين بمعناه التعبدى والسلوكى والمظهرى، وهو الأمر الذى تؤكده مؤشرات توسعت فى ذكرها مجموعة كبيرة من الدراسات والكتابات خلال السنوات الأخيرة.

ويمكن هنا ذكر ملاحظتين رئيسيتين على ظاهرة التدين الاجتماعى: الأولى أن تزايد ظاهرة التدين الاجتماعى لم يرتبط بالضرورة بصورة كبيرة بالتوجه نحو التأييد السياسى للحركات الإسلامية العاملة فى المجال السياسى وهو لا يعكس بالضرورة شعبيتها فى المجتمع.

فالواضح هو أن ممارسى الطقوس والمظاهر الاجتماعية للتدين ــ مثل ارتداء الحجاب أو أداء الصلوات فى المساجد أو اقتناء وشراء الكتب والشرائط والاسطوانات الدينية ــ ليسوا بالضرورة من المهتمين أصلا بالعملية السياسية ولا من المؤيدين بالضرورة لأبرز الجماعات الإسلامية السياسية المصرية، أى الإخوان المسلمون، فعلاقة معظمهم بالسياسة هى نفسها علاقة غالبية المصريين بها، أى اعتزالها ممارسة وعملا والامتناع عن جميع الممارسات المرتبطة بها سواء كانت انضماما للأحزاب السياسية أو الترشيح فى الانتخابات العامة والتصويت فيها أو الاحتجاج المنظم والفردى بجميع صوره المعروفة.

ومع ذلك فإن نسبة لا يمكن إهمالها ولا يمكن فى نفس الوقت تحديدها بدقة، وإن كانت لا تبدو كبيرة من المتدينين اجتماعيا، تتجه للتصويت فى الانتخابات العامة والنقابية والطلابية لصالح جماعة الإخوان المسلمين وتهتم أكثر بالعمل السياسى بالمقارنة بنظرائهم من غير المتدينين اجتماعيا فى نفس فئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية.

أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالسلوك الاجتماعى والقيم التى تسود بين هؤلاء المتدنين اجتماعيا، حيث يبدو من كثير من المشاهدات والملاحظات أنه على الرغم من تمتع نسبة عالية منهم بمزاج اجتماعى ودينى محافظ، فإن نسبة أخرى غير قليلة يبدو واضحا أن تمسكها بالمظاهر الدينية، وبخاصة فى الملبس، لا يعنى على الإطلاق اتسامها بهذه المحافظة الدينية والاجتماعية.

وهنا يبدو التفسير الأكثر ترجيحا لانضمام هؤلاء إلى ظاهرة التدين الاجتماعى يكمن فى عملية اجتماعية ــ نفسية مركبة تتضمن فى جانب منها النزوع نحو تقليد ما هو سائد فى المجتمع من أنماط قيم وسلوك دينية وتتضمن فى جانب ثان ردعا اجتماعيا لغير الملتزمين بها ولو شكليا، وهو ما ينتج فى النهاية تلك المشاهد والمؤشرات القيمية والسلوكية المتناقضة بين مظاهر التدين الاجتماعى والانفتاح السلوكى غير المحافظ لفئة من الملتزمين بها.

وهناك ثانيا ظاهرة الإسلام الصوفى الذى يمتد فى مصر منذ القرن الثالث الهجرى على الأقل والذى تمثله اليوم الطرق الصوفية التى يصل عدد الرسمى منها والمصرح له قانونا إلى 74 طريقة عامة وفرعية تضم حسب كثير من التقديرات أكثر من عشرة ملايين مصرى كأعضاء منتظمين بها.

ويحكم تشكيل ونشاط الطرق الصوفية فى مصر القانون رقم 118 لسنة 1976، ويدير شئونها المجلس الأعلى للطرق الصوفية المشكل من عشرة أعضاء منتخبين من مشايخ الطرق الصوفية وخمسة أعضاء معينين بحكم وظائفهم ويمثلون الأزهر والأوقاف ووزارات الحكم المحلى والداخلية والثقافة.

وتبدو الظاهرة الصوفية المصرية فى علاقتها بالسياسة خلال العقود الأخيرة ذات طبيعة معقدة لا تسير فى اتجاه خطى واحد منتظم. فمن ناحية تفترض طبيعة الحالة الصوفية ابتعاد أصحابها عن الهموم الدنيوية وانشغالهم فى البحث عن «الحقيقة» والغرق فيها حيث إنهم وكما يعرفون أنفسهم «أهلها»، تمييزا لهم عن «أهل الشريعة» من أبناء الظاهرة الإسلامية الذين يهتمون بالشئون الدنيوية وبخاصة الجوانب السياسية منها.

ومع ذلك، فإن انخراط الطرق الصوفية المصرية فى الشئون السياسية وبخاصة فى اللحظات الانتخابية تأييدا للدولة أو حزبها الحاكم يبدو تقليدا مستقرا فى الحياة السياسية المصرية منذ نظام ثورة يوليو 1952 فى ستينيات القرن الماضى، حيث امتدت أيادى الدولة الطويلة إلى داخل الهياكل الصوفية لتستفيد من شعبيتها الواسعة فى مثل تلك اللحظات السياسية الحرجة فضلا عن استخدامها لتدعيم شرعية الحكم وبعض من سياساته الرئيسية.

أما الظاهرة الثالثة من الظواهر الفرعية للظاهرة الإسلامية فى مصر فهى الظاهرة السلفية. والسلفية بمعناها الدينى والاجتماعى المحافظ ورفضها التام الاشتغال بأى نشاط سياسى اكتفاء بالسعى نحو الصلاح والإصلاح الفردى الدينى بالأساس وتمسكها بكل ما تركه السلف الصالح ومحاربتها ما ترى أنه بدع دخيلة على صحيح الإسلام، هى ظاهرة قديمة فى مصر ولها منذ بدايات القرن العشرين مؤسساتها الضخمة المستقرة فى المجتمع مثل الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية التى أسست عام 1912 أو جمعية أنصار السنة المحمدية التى أسست عام 1926، ولهما اليوم مئات الفروع وآلاف المساجد وعشرات المشروعات الدينية والاجتماعية فى شتى أنحاء مصر.

وبالإضافة إلى مبادئها السلفية المعروفة، فإن مختلف الجمعيات والجماعات السلفية فى مصر سواء فى الماضى أو الحاضر ظلت تبتعد دوما عن أى ممارسة سياسية أو تنظيم يقوم على معايير سياسية أو يدفع بها إلى ساحة السياسة، كما ظل الالتزام الشكلى الصارم للمنتمين للحركة السلفية رجالا ونساء بما يرون أنه سنة مؤكدة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمرا لا تنازل عنه لديهم.

ولا شك أن مصر قد عرفت خلال السنوات الأخيرة مزيدا من الاتساع للحالة السلفية تدل عليه مؤشرات عديدة سواء كانت انتشار النقاب للنساء و الجلباب واللحى للرجال أو تزايد عدد المساجد والزوايا المحسوبة على هذه الحالة وعدد المترددين عليها أو ظهور وتنامى عدد كبير من الدعاة السلفيين سواء فى المساجد أو فى الفضائيات التابعة للجماعات السلفية والتى زاد عددها بدورها.

ومع كل ذلك، تظل الظاهرة السلفية المصرية على اتساعها فى المرحلة الأخيرة، على نفس مسافة ابتعادها التقليدية عن النشاط السياسى على الرغم من اعتقادها النظرى بأن «الإسلام دين ودولة» وأن كل النظم التى لا تحكم بالإسلام هى «نظم كافرة».

ولا يخل بهذه الحالة السلفية العامة سوى ظهور بعض الأفراد والمجموعات الصغيرة غير المؤثرة خلال الأعوام الخمسة الماضية من الشباب السلفى الاتجاه الذين اقتربوا كثيرا من أفكار السلفية ــ الجهادية التى شاعت على يد تنظيم القاعدة ونظرائه فى هذه الفترة فى كثير من المجتمعات المسلمة والجاليات المسلمة فى البلدان الغربية.

واتسمت تلك المجموعات الصغيرة بسمتين رئيسيتين، الأولى: أن المصادر الرئيسية لأفكارهم الجديدة أتت إليهم عبر شبكة الإنترنت التى باتت تضم ترسانة هائلة من الكتابات والمؤلفات السلفية ــ الجهادية، والثانية: أن أيا منها لم ينتقل من حالة الاقتناع الفكرى إلى النشاط الحركى السلفى ــ الجهادى سواء بسبب افتقاد الخبرة والإمكانيات أو بسبب السياسات الأمنية الصارمة والمبادرة.

وتأتى فى النهاية الظاهرة الفرعية الرابعة الأكثر شهرة وهى الحركات الإسلامية، وهى تلك التى تشترك معا فى اعتبار أحد جوانب الإسلام أو تفسيراته الإطار المرجعى لها سواء فيما يخص وجودها أو أهدافها، والتى تنشط بطرق مختلفة من أجل تطبيق الصورة التى تراها للإسلام فى المجتمعات والدول والمجالات التى توجد بها. وقد تختلف تلك الجماعات فى فهمها لتفاصيل علاقة مشروعها الفكرى والسياسى والاجتماعى بقواعد الإسلام وأصوله كما قد تختلف فى تفسيرها لبعض تلك القواعد والأصول، إلا أنها تظل جميعها مع ذلك تعتقد فى صحة انتساب مشروعها للإسلام وتظل تطلق عليه صفة «إسلامى» وتسعى دوما بطرق شديدة الاختلاف إلى تطبيقه على أرض الواقع.

وتتعدد الحركات الإسلامية فى الواقع المصرى، إلا أن غالبيتها الساحقة فى الوقت الراهن تنتمى إلى فئة الجماعات السياسية ــ الاجتماعية السلمية التى لا تتبنى العنف أو تستخدمه فى حركتها الاجتماعية والسياسية، وتأتى على رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

وقد عرفت مصر قبل عشر سنوات عددا من الجماعات الإسلامية الجهادية العنيفة التى كانت تعتمد القوة المسلحة كوسيلة وحيدة لتطبيق ما تعتقده من أفكار سياسية إسلامية، وهى جميعها تراجعت عن ذلك الفكر والرؤية وتحولت فى طبيعتها لتصبح أقرب لجماعة الإخوان فى المنهج والحركة السلميين.

وعلى الرغم من التركيز الإعلامى والسياسى الواسع على هذه ظاهرة الحركات الإسلامية فى مصر، فهى فى الحقيقة لا تمثل وجودا واسعا فى المجتمع، إذ لا يزيد عدد أعضائها فى أكثر التقديرات عن بضع مئات من الآلاف بالإضافة إلى ضعفهم تقريبا من أنصارها القريبين.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات