فى التفكير خارج الصندوق - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى التفكير خارج الصندوق

نشر فى : الأحد 17 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 17 نوفمبر 2013 - 9:27 ص

كانت الأجواءُ أجواءَ استقطاب حاد ضرب أطناب الوطن، وبلغ ذروته بما استدعاه «الإعلان الدستورى» الشهير من هواجس ونتائج ومنعطفات فارقة، وكان اليوم (الأربعاء ٢٨ نوفمبر ٢٠١٢) هو التالى لأول تظاهرة كبيرة ودالة تطرق أبواب القصر كما تطرق «أجراس إنذار» لم يستمع اليها أحد.

وكان على السلم المتحرك الصاعد الى مركز المؤتمرات الضخم فى العاصمة القطرية الدوحة، حيث كنت أشارك فى أعمال مؤتمر «مختلف» للأمم المتحدة Cop 18 أن كتبت TWEET تغريدة «مطولة»، تفضلت هذه الجريدة بنشرها (٢٩ نوفمبر ٢٠١٢) دعوت فيها، فيما سمى يومها «مبادرة»، الى التفكير «خارج الصندوق» بمحاولة الخروج من المربع المحتقن بالقفز «الى الأمام» بخطوة تتجاوز، ولو مؤقتًا ذلك الخلاف المتفاقم وقتها حول «التأسيسية» وما تتبناه، أو يظن الناس أنها تتبناه من نصوص. وذلك باعتماد دستور جديد «مؤقت» (أكرر: «مؤقت») لا مانع أن يقوم فى مجمله على نصوص دستور ٧١ المعطل وقتها (مع التعديلات المهمة والجذرية التى أدخلتها عليه لجنة البشري) واستفتى عليها الشعب فى مارس ٢٠١١ فى أول تطبيق «ديموقراطى» لما جرى فى ٢٥ يناير. ومن ثم الدعوة الى الاستفتاء على هذا الدستور الجديد، لنجهض الفتنة فى مهدها، ونتمكن من استكمال مؤسسات الدولة. ثم نفرغ للبناء ومواجهة تحديات التحول الكبرى، التى تقول تجارب التاريخ (والتى رفض البعض وما زال التسليم بها) أنه لا يمكن لنا أن نواجهها، إلا إذا كنا جميعا «يدا واحدة»... أما الدستور «الدائم» والذى يجب أن يكون معبرا عن عصر جديد وواقع جديد، فليأت وقته لاحقا. بعد أن تكون الأوضاع استقرت وعاد المصريون كما كانوا عشية الحادى عشر من يناير ٢٠١١: «يدا واحدة».

لأسباب لم يحن بعد وقت تفصيلها أو حكايتها، لم أعول على ما كتبت كثيرا. خاصة وأننى قبل ذلك بشهر واحد كنت قد كتبت مقالا فى الموضوع ذاته («دستور فى خريف عاصف»: الشروق ٢٨ أكتوبر ٢٠١٢). وبالفعل ما أن عرض خبر «المبادرة / التغريدة» فى برامج المساء التليفزيونية، مصحوبا بترحيب من شتى قوى المعارضة، حتى بادر متحدثو القصر بالخروج على الشاشات للتأكيد نصا: على أنه لا تراجع عن الإعلان الدستورى، ولا مجال للحديث عن بدائل. كما لا مكان لدستور ٧١ حتى مع تعديلات البشرى (!)

كنا أيامها أيضا ــ ومعنا آخرون ــ قد اقترحنا خروجا من الأزمة حلا آخر يعتمد فكرة الاقتصار على دستور مصغر «مؤقت» (أكرر: «مؤقت») لا يضم غير المواد التى تكون محلا لاتفاق الجميع، وتحذف منه كل المواد الخلافية أيا كانت. وينص فى ديباجته بوضوح على أن هذا «ما اتفق عليه» المصريون، ثم يحدد فى أحكامه الانتقالية تاريخا للعودة لبحث أمر «دستور دائم»، بعد سنوات تكون فيها النفوس قد هدأت، والمناخ أصبح أكثر ملاءمة لحوار حقيقى هادئ وناضج ومتزن، لا تحكمه هواجس اللحظة الآنية، ولا المواقف «المسبقة» من الآخر. (يُذكر أن من أعضاء اللجنة التأسيسية السابقة من دعا فى حينه أيضا الى مثل ذلك ـ معتز عبد الفتاح مثالا)

 

حدث ذلك قبل عام كامل، وبالتحديد فى نوفمبر ٢٠١٢. هل تشبه الليلة البارحة؟ بالطبع لا. جرت فى النهر، بل ربما فاضت به مياه كثيرة. وأعرف ــ كغيرى ــ أن التاريخ لا يعيد نفسه. خاصة إذا ما غيرت الزلازل من طبيعة الأرض وهضابها «ومرتكزاتها».. ولكننى أحسب أن «الاستقطاب الحاد» الذى كان وراء دعوتنا يومها لأن يكون «مؤقتًا» مازال موجودا، وربما أشد. لا نلحظه فقط فى خلافات الهواجس العلنية «أو المكتومة» هنا وهناك، بل نسمع دويه رصاصًا فى «حرب شوارع» كل جمعة (بغض النظر عن التفاصيل والأكاذيب وتباين الروايات «والرواة»)، كما نشعر بأثره الثقيل جاثما على نفوس الأنقياء من أبناء جيل جديد طالت به رحلة «اللا يقين» ... ولا أحسب أبدا أن تلك أجواء مثالية «للمداولة».. فما بال التشريع وسط أمواج متلاطمة، وإن أنكرنا «وكمرفأ نهائى» لا أكثر، أعيد طرح الفكرة، التى قد نحتاج خروجا من حالة الانقسام والتوجس التى تبدو حاكمة «فى لحظتنا هذه» للجميع. وإرجاءً واقعيا لكل تلك القضايا الملتهبة والمحكومة فعليًا بالهواجس والتوجسات المشروعة، سواء تلك المرتبطة بوضع المؤسسة العسكرية، أو الهيئات القضائية المختلفة، أو كوتة المرأة، أو نسبة العمال والفلاحين، أو حتى تلك «المفتعلة» المرتبطة بالهوية. ناهيك عن تلك التى بدت «فئوية» بامتياز، أو تستحضر «حديث الأقليات» الى واقع لم يعرفه عندما عرف لعقود معنى «الوطن .. والمواطن».

أخشى أن يكون هناك من اكتفى بتنوع جماهير ميادين الثلاثين من يونيو فنسى أن ما علق بدستور ٢٠١٢ من شبهة أنه لم يكن دستورا «للجميع». أو نسى أن المعركة حول ضرورة أن يكون «الدستور للجميع» كانت فى قلب ما جرى وأخذنا الى هذا الثلاثين من يونيو نفسه. وأن الاستهانة بتلك الضرورة، رغم الاحتفاء بالبث المباشر، وبمراسم تسليم المسودة، لم تحفظ النظام من السقوط بعد ستة أشهر فقط من الاستفتاء على دستوره. بل، ولعلى لا أبالغ إن قلت إنها كانت، وارجعوا الى أرشيف الصحف أحد المعاول التى أسقطت النظام «والتنظيم».

 

دعونا نعترف بأن هذا مناخ لا يصلح لكتابة دستور «يستقر»، فرغم أن تنوع «الخمسين»، لا يقارن بحقيقة أن ما يزيد على ٨٥٪ من الذين صوتوا على النصوص الدستورية الـ ٢٣٦ لدستور ٢٠١٢، فى الليلة «الماراثونية» المشهودة كانوا من فصيل واحد، أو يقفون على تخومه (٧٣ من أصل ٨٥)، إلا أنه من الحكمة أن نقر بحقيقة أن كثيرا مما يجرى «الآن» تحت القبة إنما يجرى تحت سيف الوقت، وبإلحاح دقات «الساعة الميقاتية» لخارطة الطريق. ولهذا، كما يعرف أساتذة التشريع وصياغة النصوص نتائجه وعواقبه.. ومثالبه. كما أنه من الحكمة (التى غابت فى المرة السابقة) ألا تدفعنا تحيزاتنا المسبقة الى التصفيق أو التهليل «بالمطلق» لمنتج لمجرد كونه بديلا لآخر رفضناه، أو رفضنا الطريقة التى جرى بها، أو أولئك الذين ظنوا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا..

أتمنى أن نرجئ كل المختلف عليه. وأن نجعله «مختصرًا ومؤقتًا» ..

لا تفعلوا مثلما فعلوا، فالدساتير ليست كالمعاهدات «تُكتب بحبر المنتصرين» أو من تصادف أن كانوا فى لحظة معينة أصحاب القرار. وكما أن القوانين لا تشرع لحالة بعينها، أو لأشخاص بعينهم. (للأسف شهدنا ذلك فى البرلمان المنحل غير مرة) فالدساتير أيضا لا تكتب استجابة لأوضاع «آنية»، كما لا ينبغى أن تكون مجرد انعكاس لتوازنات القوى الحاكمة للمشهد السياسى فى «لحظة معينة». ولعل من الحكمة الآن أن نلحظ، أو أن نخشى أن شيئا من ظلال «اللحظة» وملابساتها جاثمٌ على القاعة، وممسكٌ بالأقلام.

يبقى على الهامش إعجاب لا بد منه بما نقلته الأخبار حالا من اتجاه لجنة الخمسين لأن يكون المحافظون بالانتخاب.

ويبقى على الهامش أيضًا (رغم كارثية ما جرى سياسيا فى دستور ٢٠١٢، وصاحب طريقة إعداده) ضرورة ألا يدفع الاستقطاب بالبعض الى اعتبار أن «كل» ما جاء به من نصوص كان شرا مطلقا. وخاصة تلك النصوص «الأكثر ليبرالية» والخاصة بالحقوق والحريات، والتى أشار اليها هنا الفاضل حســام الغريانى قبل أسابيع (الشروق ٢٢ أكتوبر)

 

وبعد...

فقد كان هناك من طلبنا منهم أن يكون «دستورهم» مؤقتا لمدة «ست سنوات» فرفضوا .. فكان أن لم يعش أكثر من «ستة أشهر». ولعل لذلك دلالته.

ولله وحده الأمر من قبل ومن بعد.

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات