هلا لوين - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 8:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هلا لوين

نشر فى : السبت 17 ديسمبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 ديسمبر 2011 - 8:00 ص

إنه يشبه لبنان، جميل ومتأنق، مزدهر بالألوان، شغوف بالحياة، يفيض بالحيوية والنضارة، يختطف لحظات البهجة وسط الأحزان، لا يفقد روح الأمل أبدا، يرنو إلى السلام وهو لا يزال مهددا بالحرب.. إننا بإزاء فيلم مشرق، تختلط فيه الدموع بالضحكات، واقعى فى جوهره، فانتازى فى أسلوبه المتحرر من تقاليد وشروط الأنواع التقليدية، فهنا، يمتزج الأداء التمثيلى الطبيعى بالحركة الإيقاعية، وتنطلق الأغنيات، وتتحول حركة العمل إلى رقصات، وتكتسب المواقف والصور أكثر من معنى. إنه اسلوب لا ينتمى إلا لمخرجته الموهوبة، المتمكنة من فنها، العاشقة لبلدها، نادين لبكى.

 

«هلا لوين»، أو «إلى أين»، يبدأ بجنازة، وينتهى بجنازة. لكن، بين القوسين، نرى، بعيون لبكى، ما يدور فى واحدة من القرى، تعبر عن لبنان كله، بأمانيه ومخاوفه، بضيق أفق سكانه ورحابة قلوبهم.. فى المشهد الافتتاحى تطالعنا نساء الضيعة فى مسيرتين، يتشحن بالملابس السوداء، يضربن على صدورهن، فاليوم ذكرى وفاة أحد الشباب، المسيرتان تتجهان نحو مقابر متجاورة، متقابلة، لمسلمين ومسيحيين. وبينما تصلى مجموعة عند هذه المدافن، تصلى الأخرى عند الطرف القريب. هكذا، أرض واحدة تحتضن الجميع، سواء تحتها أو فوقها.. وتنهى لبكى فيلمها، بطريقتها، حين يحمل الرجال جثمان شاب قضى نحبه فى ظروف غامضة، تسير خلفهم كل نساء القرية، وتتوقف المسيرة أمام المقابر المزدوجة، فالراحل، ابن الضيعة المحبوب، الذى اعتبره الجميع جزءا منهم، وبالتالى تظهر على الشاشة كلمتا «هلا لوين».

 

كل ما فى الفيلم يدعم الإحساس بالألفة، فالمؤثرات الصوتية لصياح الديوك وضوضاء لعب الصبية، والتنوع فى أشكال النساء، بما فى ذلك الرفيعة والبدينة، واختلاف طبائع الرجال، وطريقة تصوير البيوت، ذات الطابع الحميمى، كلها أمور تدعم الإحساس الدافئ بالناس والمكان والزمان.. القرية المعزولة تبتهج بقدوم جهاز تلفاز لأول مرة، ولكن بينما تستمر الحياة بوتيرة واحدة، تبدأ اسوأ ما فى داخل البشر: الغباء المدجج بالعنف، أو العنف المدجج بالغباء إن شئت، فثمة من يهشّم تمثال السيدة مريم، وثمة من يوقع صبى أعرج على الأرض. وتقترب الضيعة من ما يشبه الحرب.. ووسط هذا الاحتقان الطائفى الزنيم، وبينما يعد رجال كل طرف العدة للقضاء على الآخر، تقوم النساء، أمهات الحياة، بدور فعال فى إطفاء نيران الغضب الأهوج.. إنهن يرحبن بفرقة الراقصات الأوكرانيات اللاتى يلهبن خيال الرجال. وطبعا، لا يفوتهن التقليل من شأنهن، ومراقبتهن. ومن ناحية أخرى، يقررن التفنن فى إثارة أزواجهن.. وتعبر نادين لبكى عن هذا التوجه باستعراض بديع أثناء اشتراكهن فى عمل فطائر لا تخلو من مواد مقوية، مصحوبة بأغنية «حشيشة قلبى» الطريفة، سواء على مستوى الكلمات المحرضة على السعادة، أو اللحن النابض بالمرح.. نساء القرية، يمتزجن مع بعضهن بعضا، وبشجاعة، مستمدة من جرأة نادين لبكى، تتظاهر المسيحيات أنهن أصبحن مسلمات، والمسلمات أصبحن مسيحيات، وهذا الموقف الرمزى، بخياله الإنسانى الشفاف يعنى أن «كلنا بشر» نعيش على أرض واحدة، ونموت وندفن فى أرض واحدة.. إنه فيلم غنى بالمعانى، مثل لبنان.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات