حلم القومية العربية - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 9:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلم القومية العربية

نشر فى : الإثنين 18 يناير 2010 - 9:24 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 يناير 2010 - 9:24 ص

 نعم لم يفرح معظم جمهور الكرة بالجزائر وتونس والمغرب بفوز مصر على نيجيريا ببطولة كأس الأمم الإفريقية، ونعم فرح معظم جمهور الكرة المصرى بخسارة الفريق الجزائرى فى أولى مبارياته بالبطولة نفسها، ولكن هل يمكن أن يكون هذا دليلا على ضياع حلم القومية العربية وموته بموت جمال عبدالناصر كما ادعى المحلل الرياضى التونسى طارق دياب فى تعقيبه على مباراة مصر ونيجيريا؟

لا أظن هذا مطلقا لعدة أسباب على مستويات متعددة، فأولا على المستوى الرياضى لا يمكن إطلاق هذا الحكم على كل جمهور الكرة بهذه البلاد ــ ومنها مصر ــ لأن أفراد هذا الجمهور يتفاوتون بالضرورة فى درجة تعصبهم، التى تدفعهم فى أقصى حالاتها لتجاوز تشجيع فريقهم إلى كراهية فرق شقيقة أخرى، ووقوفهم ضدها حتى وإن لم تكن فى مقابلة ثنائية مع فريقهم.

وحتى إذا افترضنا أن فئة المتعصبين تمثل الشريحة الكبرى من مشجعى كرة القدم، فعلينا أن نتذكر جيدا أن هذا التعصب الأعمى لدى هؤلاء المشجعين إذا كان ينتهك حدود الاعتراف بالقومية العربية حينا، فهو ينتهك حدود الاعتراف بوحدة الوطن الواحد فى كثير من الأحيان، ولدينا داخل كل بلد عربى جمهور كبير يتعصب لفريقه ضد فريق آخر من بلده نفسها، لدرجة أنه يتمنى لهذا الفريق الخسارة فى مبارياته الدولية، وربما ذهب أثناء هذه المباريات لتشجيع الفريق المنافس له، على الرغم من رفعه علم دولة أخرى قد لا تشترك معه فى اللغة والهوية.

وهذا لا يعنى مطلقا أن ذلك الجمهور الكروى المتعصب يمكن أن ينقسم على نفسه داخل الوطن الواحد إزاء القضايا غير الكروية التى تواجه المجتمع فى الداخل والخارج.

ولهذا لا يجب الزَّج بالصراعات الكروية فى أى سياق آخر يخرجها من نسقها الرياضى ويسحب تعصبها الأعمى إلى مجالات أخرى بخاصة المجال السياسى، وهذا مرهون بالتزام السادة المعلقين بدورهم الرياضى الذى يفهمونه فقط، ولكن هيهات.. فمعظم من يجلس أمام الكاميرات ــ وما أكثرها هذه الأيام ــ يتخيل أنه قد ورث حكمة لقمان ومعرفة سليمان وعدل عمر وبلاغة على بن أبى طالب ثم يشرع فى الحكم على ما لا يعرفه ولا تمكنه خبراته العلمية والثقافية من الخوض فيه، ويأخذ المشاهد المسكين هذا الغثاء مأخذ الجد ما دام قائله يرتدى حُلَّة ورابطة عنق ويظهر فى التلفاز.

وهنا ننتقل بالحديث من المستوى الرياضى إلى المستوى السياسى، حيث تسهم تلك الأفكار المغلوطة غير المتخصصة فى تزييف وعى المشاهد، بخاصة أنه لا يصادف من يصححها له إلا نادرا، فى ظل ترويج بعض الفضائيات لكل ما هو شاذ ومتطرف من أفكار وآراء، متوهمين أن هذه هى السخونة الإعلامية التى ستجلب الإعلانات وتجذب المشاهدين حتى وإن احترقت بنيرانها الأوطان والأمم.

ولهذا أقول إن فتوى طارق دياب بموت القومية العربية بوفاة عبدالناصر فتوى باطلة تماما لسببين يؤكدهما التاريخ: الأول،أن القومية العربية لم تولد مع عبدالناصر، فإذا نظرنا إلى ما قبل عبدالناصر فسنجد تحالفا عربيا فى حرب 1948، وسنجد انتصار الجيش العربى الموحد على الصليبيين مرة وعلى التتار مرة أخرى، وسنجد وجهة نظر الباحث اللبنانى عبداللطيف شرارة الذى يرى أنه «يجب أن نعود فى تبيُّن معالم القومية العربية وفهم تطوراتها وإدراك حقيقتها إلى ما قبل الإسلام بقرن كامل، حيث نجد نتفا تاريخية لحضارة سامية قديمة تنتظم جميع المناطق التى تتكلم العربية فى عصرنا الحالى».

أما السبب الآخر فهو أن انتصار السادس من أكتوبر عام 1973 الذى شاركت فيه معظم الدول العربية بصورة أو بأخرى، يقطع بأن القومية العربية لم تمت بوفاة عبدالناصر.

ويبقى بعد كل هذا السؤال الأهم، وهو سؤال المستقبل: فإذا كانت الدول العظمى تبحث عن تحالفات إقليمية تقوى شوكتها فى النظام العالمى الجديد لعل أبرزها الاتحاد الأوروبى، فلمصلحة من القضاء على تحالف قومى تاريخى، حتى وإن لم يكن فى أحسن حالاته؟

فنحن فى أشد الحاجة إلى القومية العربية، والقومية العربية فى أشد الحاجة إلى المراجعة وتعديل المسار. لقد قامت القومية العربية بدور مشهود فى التحرر من الاستعمار، ثم تحولت إلى سياق عاطفى يعرف الأحضان والقبل والتهانى والتعازى والخطب أكثر مما يعرف المواقف الفاعلة. ولقد آن أوان الفطام العاطفى، والبحث عن أفكار تتفق مع روح العصر وتحقق المصالح الاقتصادية والسياسية لجميع الأطراف مثل السوق العربية المشتركة وغيرها. فكما نجحنا فى التعاون أثناء الثورات ومعارك التحرير علينا أن نضع خططا جديدة لتعاون ناجح فى إطار السلام، وهذا لا يعنى بأية حال إغفال أن القومية العربية كانت وستظل وحدها الدرع الواقى الذى يضمن المحافظة على الأمن القومى، لجميع الدول المنضمة تحت رايتها مهما كانت الخلافات والمشاحنات الطافية على السطح.

وربما كان من سخرية القدر أن يأتى حديث طارق دياب مواكبا لذكرى ميلاد جمال عبدالناصر صاحب اليد الطولى فى دعم المد القومى العربى، والذى قال عنه حجازى فى ديوان «مدينة بلا قلب»:

فلتكتبوا يا شعراء أننى هنا
أشاهد الزعيم يجمع العرب
ويهتف:الحرية،العدالة،السلام
فتلمع الدموع فى مقاطع الكلام

وهذا يلفتنا بدوره إلى ضرورة تعديل نظرة الدول العربية لبعضها بعضا،لتصبح نظرة قائمة على إعادة تقييم الكيانات الدولية وفقا للمقومات الجديدة، التى أصبحت لا تعترف باليد الطولى بل بالقامات المتوازية.

ومع الاعتراف الكامل بثقل بعض الدول المحورية فى هذا التحالف العربى القومى وعلى رأسها مصر، فإننا لابد فى هذا الإطار الجديد أن نقتدى بالمثل العامى القائل «إن كبر ابنك خاويه»، حيث يرتبط اعتراف الآخرين بالريادة دائما بعدم التعالى والمن على الأشقاء بالتضحيات التاريخية، بل بالعطاء المتجدد فى إطار المشروع القومى المشترك، حتى وإن كنا ما زلنا نفقد أرواح أغلى الأبناء على الحدود المصرية برصاص عربى موتور ونلتزم بضبط النفس.

التعليقات