كسبت الحكومة وخسر الوطن - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كسبت الحكومة وخسر الوطن

نشر فى : الأربعاء 18 فبراير 2009 - 7:29 م | آخر تحديث : الأربعاء 18 فبراير 2009 - 7:29 م

 حين تنجح الحكومة فى إلحاق الهزيمة بتيار الاستقلال فى انتخابات نادى قضاة مصر، فإن ذلك يعد خصمًا من رصيدها وليس إضافة إليه. ذلك إن الإلحاح على إسقاط رموز ذلك التيار، والحرص على إلحاق النادى بعربة السلطة التنفيذية يطفئ منارة أضاءت سماء البلد حينًا من الدهر، فشرفت الوطنيين وأرشدت الحائرين، ومنحت أملًا فى المستقبل للمحبطين والمتشائمين.

لقد كانت مشكلة النادى وجريمته التى لم تغفر له أنه اختار أن يدافع عن كرامة ورسالة السلطة القضائية، ورفض طول الوقت أن يكون ذيلًا للسلطة التنفيذية. إذ التزم القائمون عليه بحدود رسالة القضاة التى حددها الدستور، وتمثلت فى رعاية الحقوق والحريات فى المجتمع.

كان العام 2005 فاصلًا فى مسيرة النادى، إذ وقعت فيه ثلاثة أحداث مهمة، كان أولها (فى الشهر الخامس) تعديل المادة 76 من الدستور، الخاصة بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية، وهو التعديل الذى جاء معيبًا وتفوح منه رائحة عدم البراءة.

الحدث الثانى (فى الشهر التاسع) تمثل فى انتخابات رئاسة الجمهورية، أما الحدث الثالث فكان الانتخابات النيابية التى تمت فى الشهر الحادى عشر، وقتذاك أعلن على الملأ أن تلك الانتخابات التى شهدت تجاوزات عدة، كان التزوير أبرزها، تمت كلها تحت الإشراف القضائى.

وهو صحيح من الناحية الشكلية، لكنه لم يكن دقيقًا من الناحية العملية، لأن الأجهزة الأمنية كانت المشرف الحقيقى على الانتخابات فى أغلب الدوائر. أقلق ذلك القائمين على أمر النادى، الذين خشوا أن يتهموا بالتواطؤ أو العجز. فدعوا إلى وقفة احتجاجية صامتة أمام دار القضاء العالى، أرادوا بها أن يغسلوا أيديهم من التجاوزات التى وقعت. وأن يعلنوا على المجتمع أن الأوضاع القائمة لا تمكنهم من أن يمارسوا إشرافًا حقيقيًّا على الانتخابات يضمن حيدتها ونزاهتها.

هذه الرسالة التى وجهها نادى القضاة أغضبت الحكومة. وتضاعف غضبها حين دعا النادى إلى إلغاء حالة الطوارئ ورفض إحالة المدنيين إلى المحاكمة العسكرية، كما تحفظ على تدخلات وغوايات وزارة العدل للقضاة التى تهدف إلى استمالتهم والتأثير عليهم. إلى غير ذلك من المواقف التى صبت فى وعاء الدفاع عن كرامة الوطن وكرامة القضاة.

عندئذ خاصمت الحكومة النادى وأعلنت الحرب عليه، رغم أنه يمثل إحدى سلطات الدولة الثلاث. فقطعت عنه الموارد المالية التى كانت تقدر بحوالى 5 ملايين جنيه سنويا. وألغت وزارة العدل انتداب موظفيها الذين كانوا يعملون بالنادى، الأمر الذى أدى إلى تعجيزه ماليًا وإداريًا. وحين عين وزير جديد للعدل فى عام 2006 فإن مجلس إدارة النادى هنأه بمنصبه وطلب الاجتماع معه، لكنه رفض أن يلتقى بهم.

لم تتوان الحكومة عن إسقاط ممثلى تيار الاستقلال بمختلف الأساليب والحيل. واستخدمت فى ذلك إمكانياتها المادية وضغوطها السياسية والتلويح بالغوايات المختلفة، التى تدور حول تحسين الأحوال المعيشية من خلال صرف البدلات والتوسع فى الانتدابات والإعارات وغير ذلك.

كان المطلوب باختصار أن يعاد تشكيل النادى لكى يكف عن الانشغال بكرامة الوطن والقضاة، بحيث ينحصر دوره فى حدود الدفاع عن مصالح القضاة، التى تملك الحكومة مفاتيحها. الأمر الذى يعنى من الناحية العملية ربط تلك المصالح بالتوافق مع الحكومة، ومن ثم ضم النادى إلى بيت الطاعة السياسية، بالأخص فك الارتباط بينه وبين ملف الحقوق والحريات العامة.

حققت الحكومة نجاحًا فى معركة انتخابات نادى قضاة الإسكندرية، وألقت بكل ثقلها فى انتخابات النادى الأكبر فى القاهرة. وكان التدخل بالضغوط والغوايات أشد فى الثانية، وهو ما سجله مرصد حالة الديمقراطية التابع لجمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية. وعندما تحقق المراد بحضور مساعدى الوزير وعناصر موالاة السلطة، هللت الأبواق الإعلامية الرسمية لـ«الانتصار الكبير» الذى كسبت فيه الحكومة نقطة وخسر الوطن منبرًا وحضنًا. وهو ما يثير أسئلة عديدة، أحدها السؤال التالى: ألا يعد تدخل الحكومة بهذه القوة والسفور فى انتخابات القضاة، دليلًا يؤيد ما يقال عن تدخلها فى أحكام القضاة؟ ـ غدا بإذن الله لنا كلام آخر فى الموضوع..

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.