المعركة الأهم: الدستور أم الرئاسة؟ - باسم زكريا - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المعركة الأهم: الدستور أم الرئاسة؟

نشر فى : الإثنين 19 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 19 مارس 2012 - 9:31 ص

معركتان تواجه ثورتنا فى تلك اللحظة الحاسمة من مسارها ــ وكل لحظاتها حاسمة ــ معركة الرئاسة ومعركة الدستور، ومن الضرورى لنفهم طبيعة هاتين المعركتين وموقع كلٍ منهما من الثورة، أن نعود لنراجع فهمنا للثورة ذاتها.

 

●●●

 

كانت الثورة شعبية، أى أن القيادة فيها للجماهير فكرا وحركة. فعلى صعيد الفكر، رفع الناس شعارات مجردة «عيش ــ حرية ــ عدالة اجتماعية ــ كرامة إنسانية» وهى شعارات ومعانٍ لا يستطيع أن يدعى اتجاه فكرى ما احتكاره لها، بل أن حركة الفكر فى التاريخ لم تكن إلا سعيا وراء تلك المعانى وما يشابهها من المعانى المجردة، ولم تكن الخلافات الفكرية إلاعلى كيفية تحقيق تلك المعانى وأولوية السعى وراء معنى دون الآخر. أما على صعيد الحركة فلا أدل على أن القيادة كانت للجماهير من يوم الخامس والعشرين من يناير 2012، الذكرى الأولى لانطلاق الثورة والتى سبقتها حملات مكثفة لتشويه الثورة والثوار، نالت لشدتها من معنويات الثوار حتى ظن بعضهم أن ذلك اليوم لن يكون سوى شهادة وفاة للثورة. غير أن الجماهير بعبقريتها أذهلت النخب وخرجت للشوارع بالملايين، حتى وكأنهم حملوا ميدان التحرير ــ القلب الإعلامى للثورة ــ ولفوا به البلاد.

 

إن اتفقنا على أن قيادة الثورة كانت للجماهير فلا أتصور أنه من الصحيح أن نقصر هدف ثورة كتلك على الوصول للسلطة، وبالأخص سلطة الرئاسة، لأن من يصل لسلطة الرئاسة شخص يمثل تيارا فكريا واجتماعيا محددا، أو على أوسع تقدير تحالف من مجموعة من أطياف تيارات فكرية واجتماعية محددة. أى أنه على أفضل التقديرات لا يمثل الجماهير، فالجماهير فى حقيقة الأمر لا يمثلها إلا نفسها، فتثور وتهدأ متى تريد. لذلك فإن معركة الرئاسة/ السلطة فى حقيقة الأمر معركة النخب ليست معركة الناس، وإن كان من الأفضل، بل من الضرورى أن يكون للثورة أذرع فى مؤسسات السلطة وأن يكون من على رأس تلك المؤسسات غير معادٍ للثورة على أقل تقدير.

 

●●●

 

نعود لطبيعة الثورة الشعبية ففى ضوء تلك القيادة الجماهيرية كان الهدف الرئيسى للثورة إسقاط النظام كما عبرت عن ذلك الجماهير فى هتافها الأشهر. وحين نتحدث عن إسقاط النظام فنحن لا نتحدث عن إسقاط «فساد» النظام بل نتحدث عن إسقاط النظام بالكامل، والفارق كبير بين الاثنين. فإن كان الأول هو هدف الثورة لكان بدلا الثورة الشعبية مسارات قضائية تدور داخل الإطار التشريعى للنظام. أما وأن الجماهير قد وعت أن الأزمة ليست فى فساد مؤسسات نظام مبارك ــ كما عبر أحد الأقطاب الاقتصادية لجماعة الإخوان المسلمين ــ بل إن الأزمة فى طبيعة تلك المؤسسات والأساس التى انبنت عليه، فقد نزلت للشوارع لتطالب بإسقاط النظام، أى بتغيير قواعد ومحددات الإدارة السياسية لموارد المجتمع التى انبنت عليها دولة مبارك. وحيث إن الدستور ليس إلا تلك القواعد مدونة فأرى أن معركة الدستور هى معركة الثورة الحقيقية.

 

فلنتحدث إذن عن ما نريد من الدستور، أن الثورة بالأساس هى معركة إدارة متناقضات، ليست صورة جماعية يصطف الناس لها صفا واحدا تصطف ملامحهم فى شكل ابتسامة واحدة، فنحن وإن اتفقنا على وجوب الهدم فنحن نختلف على أين يتوقف الهدم؟ ومتى يبدأ البناء؟ ومن أين يبدأ البناء؟ وكيف يكون؟ ومتى نقول اكتمل البناء؟ فالحكمة إذن أن ندرك أننا وإن كنا سنبدأ من ذات النقطة «عيش ــ حرية ــ كرامة إنسانية» سنختلف فى الطريق، وسيكون الحكم ــ كما كان ــ إرادة الناس، غير أننا لابد أن نتحلى بالحكمة فى إدارة تلك الاختلافات فنبتعد عن التخوين فضلا على التكفير.

 

 أن تقدم العيش على الحرية فى الهتاف قد يكون لأغراض موسيقية، غير أن العيش ــ رمز العدالة الاجتماعية ــ لابد أن يتقدم على الحرية فى الدستور، وإلا صارت الحرية لا شىء سوى كلمة جوفاء، جسدا هزيلا يتملك منه من امتلك أسباب القوة فى المجتمع ويسخره والمجتمع كله لخدمته، أما الحرية حين تتغذى على العيش تصير كائنا حيا، جسدا قويا يدافع عن وجود المجتمع، وسلامة العلاقات بين أطرافه. وبالعدالة الاجتماعية لا أقصد أن يتساوى الجميع فى الدخل كما يحلو لبعض المختزلين أن يدعوا. لا يعنى هذا أن توفر الدولة أسباب العيش كالأب للأولاد، بل العدالة الاجتماعية التى تقوم على التمكين. تمكين الناس من وسائل القوة السياسية والاقتصادية فى المجتمع، وعدم حجبها عن الجماهير لمصلحة فئة أو طبقة أو جماعة، فلا تمتلك طبقة ما من وسائل القوة ما يمكنها من استعباد الباقى، ولا تحرم طبقة من وسائل القوة حرمانا يضطرها لأن تبيع حريتها فى مقابل وجودها. وهنا تأتى الحرية كنتيجة طبيعية للعدالة الاجتماعية بين فئات وطبقات المجتمع.

 

●●●

 

وبالعدل والحرية تتحقق الكرامة داخل الوطن وخارجه، فبالعدل الذى يضمن للإنسان إمكانية وصوله لأسباب القوة وبالحرية التى تضمن له حقه فى ممارسة تلك القوة فى إطار النفع العام، تتوفر الظروف الصحية لكى يَنشأ المجتمع صحيحا فينشئ مؤسساته السياسية والأمنية والتشريعية والاقتصادية.. إلخ على أساس صحيح يضمن له تعبيرا حقيقيا عن إرادته الفردية فى الداخل وإرادته الجماعية فى الخارج.

باسم زكريا باحث سياسى ومدون
التعليقات