تصعيد حاول بايدن تجنبه - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 5:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تصعيد حاول بايدن تجنبه

نشر فى : الخميس 18 أبريل 2024 - 8:05 م | آخر تحديث : الخميس 18 أبريل 2024 - 8:05 م

بدأ الرئيس الأمريكى جو بايدن حكمه فى يناير 2021 محاولا توجيه التركيز الأمريكى الاستراتيجى لمواجهة تصاعد التحدى الصينى اقتصاديا وعسكريا وفكريا. وبدلا من ذلك، بدأ بايدن عامه الأخير فى الحكم متورطا فى حربى أوكرانيا التى بدأت فى فبراير 2022، وغزة التى بدأت فى السابع من أكتوبر الماضى.

وبينما أكدت استراتيجية الأمن القومى لإدارة بايدن الصادرة فى أكتوبر 2022، ضرورة التركيز على التنافس الاستراتيجى مع الصين من خلال بناء شبكة تحالفات ضخمة، ينهى بايدن فترة حكمه متورطا فى نزاعين يهددان مصالح واشنطن الحيوية فى أوروبا والشرق الأوسط وحول العالم.

وبعد مرور أكثر من عامين على حرب أوكرانيا، وبعد مرور أكثر من نصف العام على العدوان على قطاع غزة، تغيب أى أفق واقعية لانتهائهما قريبا، بل على النقيض، تزداد احتمالات توسع وتمدد النزاعين جغرافيا.

وعلى الرغم من هامشية قضايا السياسة الخارجية تقليديا فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وضع بايدن أجندة سياسته الخارجية تحت رقابة الناخبين الأمريكيين الذين سيدلون بأصواتهم فى نوفمبر القادم، فى وقت تشير أغلب استطلاعات الرأى إلى تأخره أمام غريمه الرئيس السابق دونالد ترامب.

* • •

وخلال الأسابيع الأخيرة، طالبت إدارة بايدن الحكومة الإسرائيلية بتغيير طبيعة عملياتها لتتبنى نهج عمليات ينتج عنه مقتل عدد أقل من أهالى غزة المدنيين، كما طالبت، عوضا عن التعهد الإسرائيلى باقتحام مدينة رفح، والتى نزح إليها ما يقرب من 1.2 مليون فلسطينى، بتبنى استراتيجية هجمات «جراحية» محدودة ضد قادة حركة حماس بما يتجنب حمامات دماء واسعة بين المدنيين قد تنتج عن أى اقتحام عسكرى برى للمدينة.

ويدرك كثير من قادة الحزب الديمقراطى أن إنهاء الحرب ووقف القتال هو المفتاح لخفض التكاليف التى تدفعها إدارة جو بايدن، سواء فيما يتعلق بمصداقيته ومصداقية الولايات المتحدة على المستوى العالمى، أو التكلفة الداخلية الانتخابية التى قد تكلفه فرصة البقاء لفترة حكم ثانية.

وفى معرض بحثه عن مخارج للأزمة التى وضع بايدن نفسه فيها بدعمه غير المسبوق لإسرائيل، والاتفاق معها على ضرورة القضاء على حركة حماس بأى تكلفة، يراهن بايدن الذى لم يطالب بعد إسرائيل بوقف دائم لإطلاق النار، على أن وقف القتال المؤقت، سيسمح له باستعادة الزخم نحو تسهيل عملية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

ويبحث بايدن عن انتصار دبلوماسى يمكن له استخدامه انتخابيا لمقارعة ما حققه ترامب من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية، السودان والمغرب والبحرين والإمارات، فيما عرف بالاتفاقيات الإبراهيمية.

وبعدما أدرك بايدن، وكبار مستشاريه، تراجع حظوظه الانتخابية بعد فقدانه أصوات شرائح واسعة من الديمقراطيين التقدميين، خاصة الشباب منهم، إضافة لأصوات مئات الآلاف من الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين، جراء موقفه الداعم بلا شروط للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، صعد بايدن من حدة خطابه ضد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لكنه لم يغير مواقفه وسياساته بعد.

* • •

ومن ناحية أخرى، فإن الهجوم الجوى على إسرائيل الذى شنته إيران داخل أراضيها يرقى إلى سيناريو سعى بايدن إلى تجنبه منذ بداية الصراع الحالى. وحدد بايدن ثلاث أهداف منذ 7 أكتوبر، من أهمها عدم اتساع نطاق النزاع جغرافيا. بمعنى آخر، ترك إسرائيل تقوم بعدوانها على قطاع غزة دون أن يشغلها أى طرف آخر، سواء كان حزب الله من الشمال، أو جماعة الحوثيين من الجنوب، أو إيران نفسها، وميليشياتها، من جهة الشرق.

وأكثر ما يخشاه بايدن حاليا، وفى ظل اقتراب سيناريو ضربة بضربة بين إيران وإسرائيل، أن تزيد الأعمال الانتقامية من خطر نشوب صراع إقليمى أوسع يمكن أن يورط الولايات المتحدة فى مستنقعات الشرق الأوسط، بعدما تنفس الأمريكيون الصعداء بإنهاء منافس بايدن الانتخابى، دونالد ترامب، حروب أمريكا التى لا تنتهى فى الشرق الأوسط بتوقيعه على اتفاقية الانسحاب من أفغانستان.

ويضع بايدن نفسه من جديد فى موقف صعب بعدما تعهد بدعم قوى لإسرائيل فى أى صدام مستقبلى مع إيران، وذلك بدلا من العمل على منع اندلاع حريق جديد تشارك الولايات المتحدة فى إشعاله.

وحذر وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت من أن المواجهة مع إيران «لم تنته بعد» فى وقت تبحث فيه إسرائيل خيارات الرد على الهجمات الإيرانية غير المسبوقة.

وعلى الجانب الآخر، حذر قائد الحرس الثورى الإيرانى حسين سلامى من أن طهران سترد مباشرة إذا ردت إسرائيل قائلا إنه وضع «معادلة جديدة» فى المنطقة.

• • •

ويحدث كل ذلك، ولا يسيطر على ذهن بايدن وكبار مساعديه، إلا القلق المرتبط بفقدان دعم الناخبين، وهو ما يتحكم فى الكثير من قراراته الهامة خاصة بعد تأكد بايدن من تآكل دعمه لدى الناخبين فى عدة ولايات حاسمة متأرجحة على رأسها ميشيجان وبنسلفانيا وجورجيا. ودفع ذلك ببايدن للعودة على الفور إلى البيت الأبيض من منزله الشاطئى فى ولاية ديلاوير بعد ظهر يوم السبت الماضى مع بدء المسيرات الإيرانية رحلتها إلى الأجواء الإسرائيلية، وذلك كى يظهر بمظهر القائد القوى المسيطر على الأحداث وسط قيادته لاجتماعات غرفة العمليات بالبيت الأبيض وتصويره محاطا بكبار مساعديه العسكريين والاستخباراتيين والسياسيين.

ويخشى بايدن من أن السيناريو الأسوأ لم يأت بعد، وهو أن ترد إسرائيل بهجمات قوية على إيران، وأن تضطر طهران للرد بقوة كذلك، وربما استهداف القواعد والوجود الأمريكى بالمنطقة، وهو ما يقضى تماما على أى حظوظ انتخابية باقية لديه.

منذ بدء النزاع فى غزة، عمل بايدن بكل السبل على ألا يكون ذلك بداية صراع إقليمى أوسع، إلا أن بايدن قد ورط بلاده بالفعل فيما يبدو أنه اتساع إقليمى للنزاع. ولا يترك بايدن فرصة إلا ويكرر القول «اسمحوا لى أن أقولها مرة أخرى: وبصورة صارمة. سنفعل كل ما فى وسعنا لحماية أمن إسرائيل».

كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات