رسالة القاهرة: الحفاظ على السودان - سامح فوزي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 12:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة القاهرة: الحفاظ على السودان

نشر فى : الثلاثاء 18 يوليه 2023 - 8:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 يوليه 2023 - 8:40 م

أكدت قمة دول الجوار التى عقدت بالقاهرة الأسبوع الماضى أهمية الموقف المصرى فى الحفاظ على السودان، وهو موقف ليس وليد الأمس، لكنه يمثل توجها استراتيجيا ثابتا. ورغم ارتباك أحوال السياسة فى السنوات الأخيرة، واختلاف الفرقاء السودانيين، ودخول البلاد فى دوامة المواجهة المسلحة، لم يتغير الموقف المصرى، وثبت أنه الأكثر فهما ورسوخا. ولعل انعقاد هذه القمة، وما آلت إليه من مخرجات يُمثل ردا واضحا على الأصوات التى كانت تتحدث عن تهميش مصر إقليميا، وغيابها عن الشأن السودانى، فى حين أنه ثبت أن هذه القمة هى من أكثر الخطوات الملموسة تجاه أزمة السودان.
من أبرز ما تمخضت عنه هذه القمة هو التأكيد على عدم التدخل فى الشأن السودانى، واعتبار أن حل الأزمة الراهنة بأيدى السودانيين أنفسهم. وهو ما أحدث ترحيبا واسعا فى المجتمع السودانى، وعلى وسائل الإعلام بشتى أنواعها. أتذكر منذ أكثر من عشرين سنة قرأت دراسة مهمة لأحد الأساتذة البريطانيين المتخصصين فى دراسة النزاعات، هو روبرت لوكهام، تحدث فيها عن أن التدخل الخارجى لا يفيد فى حل أى صراع داخلى، طالما تعددت أطرافه، ولامس خطوطا دينية أو عرقية، وتقاطع مع مصالح اقتصادية. وتناولت الدراسة ما حدث فى الصومال، شمالا وجنوبا، وانتهت إلى أن التسوية الداخلية لأى نزاع، مهما تعقدت أحواله، أفضل بكثير من فتح الأبواب أمام التدخل الخارجى. وتشير الدراسة إلى واقع نعرفه جيدا فى المنطقة العربية، على الأقل فى العقد الأخير، حيث لم يتحقق الاستقرار فى أى دولة تتجاذب القوى الخارجية شئونها الداخلية. هناك دول عربية تمزقت أوصالها، ونهبت مواردها، وانزلقت فى حروب أهلية بفعل التدخل الخارجى، وتشكلت لديها ذاكرة مشحونة بمآسى سوف تتوارثها الأجيال، وهناك دول أخرى صار القرار السياسى محتجزا بها فى انتظار تسويات إقليمية، وربما دولية، فى الوقت الذى تتعقد فيه ظروف الحياة يوما بعد يوم.
بالتأكيد فإن أزمة السودان ليست فقط فى الحرب الدائرة الآن، ولكن أيضا فى غياب التوافق وبناء المشتركات منذ سنوات، ولم تفلح جميع الترتيبات الدولية والإقليمية فى تسوية الخلافات السياسية الداخلية قبل تفجرها، وآلت الأمور إلى وضع مأسوى، مرشح لكى يكون أكثر مأسوية. وأظن أن الموقف المصرى تجاه الشأن السودانى يقف فى المربع الصحيح من الأزمة، وهو رفض التدخل الخارجى، والحفاظ على وحدة أراضى السودان، وحماية مؤسسات الدولة، ويكون دور الدول الأخرى، هو مساعدة الأطراف المتنازعة على وقف إطلاق النار بصورة دائمة والتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية، وتداعيات أزمة اللاجئين، وتوفير المناخ الملائم للحوار، والتشجيع عليه. فقد امتدت الأزمة السودانية شهورا، ولا تبدو أنها قريبة من نقطة النهاية، ومع كل يوم يزداد الوضع سوءا من حيث أعداد القتلى من المدنيين والعسكريين، وتدمير البنية الأساسية التى تعانى بالفعل من ضعف، وسلب ونهب المنشآت، وتراجع شديد فى الخدمات الصحية، وتهجير المواطنين، وفرارهم من جحيم القتال إلى الدول المجاورة، ونشوب صراعات اثنية وعرقية قد تنذر بعواقب وخيمة على وحدة أراضى السودان، وسلامة بنائه الداخلى.
الإشكالية الآن أن الصراع انتقل من كونه صراعا على السلطة إلى صراع على الدولة ذاتها. وهناك من يريد، بوعى أو بدون وعى، تقويض أركان الدولة فى السودان، أو إحداث فراغ فى السلطة، وهو يرى أن مصالحه تتحقق بخروج الدولة من الخدمة، وهو أمر بالتأكيد ضد السودانيين فى حاضرهم ومستقبلهم. وفى ظل هذه التحديات يأتى الحفاظ على الدولة، ومؤسساتها، فى مقدمة الأولويات، لأن تداعى الدولة سوف يجلب مزيدا من التدهور الاقتصادى، ويستدعى الإرهاب، والجريمة المنظمة، واتساع نطاق الاقتتال الداخلى، وتدهور مريع فى حقوق الإنسان على جميع الأصعدة.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات