توقـف تجربـة الخلافة - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

توقـف تجربـة الخلافة

نشر فى : السبت 18 أغسطس 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : السبت 18 أغسطس 2012 - 9:14 ص

ـ1ـ

 

إذا اعتبرنا «فترة على بن ابى طالب» من «فترات» الخلافة الراشدة فها نحن نرصد ما أصاب «تجربة الخلافة بشكل عام، وذلك بقصد تحريض العقل المسلم على استئناف دوره فى فهم الوحى الإلهى والبيان النبوى من ناحية، وحسن إدراك الواقع من ناحية أخرى ليخرج ويبدع مؤسسات ومسئوليات وقواعد واجراءات تليق بالقرآن الكريم وتتناسب مع عظمة السنة النبوية، وتعبر عن رفعة الفقه الاسلامى وتميزه، وفوق ذلك كله تحفظ الأمن النفسى للمواطن كما تحفظ الاستقرار للوطن.

 

ـ2ـ

 

فقراءة الاحداث منذ النصف الاخير من خلافة عثمان (رضى الله عنه) قراءة درس وتدبر توضح ان تجربة «الخلافة المستندة الى اصل شرعى» قد توقفت، ثم غيرت الاتجاه ثم هبطت فانزلقت وتحرفت فى ممارسات الدول الأموية والعباسية والعثمانية.. ونقصد بالانحراف انحرافها عن الحقوق السياسية للانسان باعتبارها من مناط كرامته وحريته، وأن كانت تلك الدول قد اثبتت جدارتها حضاريا فى ميادين كثيرة إذا قيست وقورنت بدول اخرى، فكرامة المسلم ان يشارك فى صنع حاضره، وان يدبر مستقبله القريب والبعيد كعضو فى امة تسعى دائما لتكون وتبقى «خير أمة اخرجت للناس».

 

نعم منذ ارتفعت الاصوات ــ بحق ــ على عثمان (رضى الله عنه) ثم حصاره ثم مقتله ــ بغير حق ــ ثم التسرع فى مبايعة على (رضى الله عنه) ثم هذا التغير فى أسلوب الإدارة وذلك باستعمال القوة المسلحة لا لشىء إلا لردع المخالفين فى الرأى ثم للتمسك بما آل اليه من بيعة ناقصة من جانب وقهرية من جانب آخر.

 

ـ3ـ

 

لم يكن بدًا من استعادة الشورى وطرح كل وجهات النظر، ولو انتهى الامر على غير ما نحب. الم ينزل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم احد ــ على غير رأيه ــ نزولا منه عما رأته الاغلبيىة وإن كانت من الشباب، وقد تخلف النصر، ومع ذلك جاء القرآن يؤكد (...فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ........) 159 آل عمران.

 

فليس هناك أدنى مبرر لكائن من كان ان يرفض النصح أو ان يتمسك برأيه دون الحصول على تأييد الجميع أو الاغلبية الغالبة التى تحسم الأمر بغير سلاح.. وإلا  فلا قيمة للدولة، ولا معنى للأمة، ولا وجود لشريعة ولا فقه.

 

لقد توقف الرشد وثارت العصبية الجاهلية مرة اخرى بعد أن أخمدها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فها هو معاوية (رضى الله عنه) يتسربل بالحكمة ويرفع المصاحف ويدعو إلى التحكيم ليحتفظ بولايته أو ليحصل على الخلافة، وها هو على (رضى الله عنه) يقبل الضغوط ويتولى الخلافة فى مناخ لا يصلح للشورى ولا للتولية خصوصا فور مقتل الخليفة. ثم يجيش الجيش لإكراه المعارضين على رأيه، ثم يحارب او على الحقيقة ــ لا يتحسب للمؤامرات التى حيكت لإشعال الحرب، ثم تلك الدعوى بأحقيته بالخلافة منذ وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مخالفا جميع الأمة.

 

ـ4ـ

 

وحتى ترى عواقب تجاوز اكبر اسباب الرشد (الشورى والتوافق) فها هو على (رضى الله عنه) يقتل ايضا، وتبدأ مخالفة اخرى فها هو الحسن بن على (رضى الله عنه) يقبل البيعة من أهل الكوفة، ثم سرعان ما يثوب للرشادة فيتنازل عنها لمعاوية، ولكن معاوية قد اتخذ بيعة الحسن قاعدة، فنسج عليها العهد لابنه يزيد واقر الحاضرون ممن يمالئون الحكم أو ممن لا فقه لهم بالشأن العام وتكسرت أحلام الأجيال فى استمرار «نظام حكم يعلم شرع الله ويعمل به» ويستطيع تحقيق رضا الناس من خلاله.. وهنا تكمن عظمة الفقيه والمجتهد ورجال الدولة.

 

ـ5ـ

 

كيف يتم ترغيب الناس فى تحقيق مصالحهم العاجلة من خلال الاحتكام لفقه شرعى يستند إلى الوحى الإلهى والبيان النبوى دون استعلاء أو قهر أو اثرة.. إن ذلك هو الجهاد حقا، إما أن نزعم شريعة وفقه «بغير مصلحة ومصالحة» مع الغالبية الغالبة فلا محل لها ولا رضا ولا توافق بغير شريعة وفقه مؤسس عليها هكذا لم تجتمع الأمة منذ مقتل عثمان على حكم شرعى يرضى الله، وينفع الناس حتى يومنا هذا.. فأين الفقه وأين التربية وأين الطريق؟ يا ليت قومى يعلمون.

 

 

 

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات