من منازلهم - إسعاد يونس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من منازلهم

نشر فى : الجمعة 18 سبتمبر 2009 - 9:52 ص | آخر تحديث : الجمعة 18 سبتمبر 2009 - 9:52 ص
الناس حائرون بين التصريحات الكثيرة المتعلقة بتأجيل الدراسة وغلق المدارس.. وبين ما يصدر عن منظمة الصحة العالمية من أن إغلاق المدارس قد يؤجل الإصابة بإنفلونزا الخنازير أو يحد من انتشارها على أمل أن يخرج اللقاح قريبا فى شهر أكتوبر ويمنح الوقت لتوفير الدواء لحالات الإصابة الفعلية.. حيث تقول المنظمة إن مدارس نيويورك مثلا كانت سببا فى الانتقال السريع للوباء.. وإن دول بوليفيا والإكوادور وفنزويلا تسجل مستويات عليا من أمراض الجهاز التنفسى بينما تسجل الهند وبنجلاديش وكمبوديا نسبا أعلى من الإصابة بالإتش1 إن1 حيث إن معدل النساء الحوامل والمصابات بالربو مرتفع هو الآخر.. وبالتالى من الأفضل للطلاب المكوث بالمنزل بينما تعمل الأجهزة الإعلامية على توعية المدرسين والأهالى بكيفية الوقاية.

بينما تأتى تصريحات أخرى عكس ذلك حيث تصرح السلطات الصحية فى أنحاء أوروبا بأنه رغم توقعها إصابة ثلث السكان بالفيروس إلا أنها لا تنوى إغلاق المدارس وإنما تنوى إطلاق برنامج للمعلومات العامة فى صورة إعلانات فى الإذاعة والتليفزيون تحث الناس على النظافة والوقاية من المرض. هكذا أعلنت فرنسا وبريطانيا وسلوفينيا والنمسا.... الخ.

ويفكر الواحد فينا.. لماذا لا تتخذ كل الدول نفس الإجراءات؟.. يمكن عشان الزحمة؟.. يعنى فى أوروبا أكيد المدارس تتبع النظام الصحى لعدم تكديس أكثر من اثنى عشر طالبا فى الفصل تفصل بينهم مساحات من التلقى والتهوية وتمكنهم من حرية الحركة وتقيهم الشعور بفوبيا الأماكن المغلقة.. أما الدول الزحمة فأكيد مدارسها مكتظة بالعيال.. زى الهند وبنجلاديش والإكوادور ونيويورك أيضا.

يبقى إحنا عندنا حق فى غلق المدارس طبعا.. العيال فى الفصول قاعدة فوق بعض.. أحيانا على دكة وأحيانا على الأرض.. بل إن لدى صورة لمدرس يقف على السبورة ليكتب الدرس وهو لافع عيل على قلبه.. والعيل ليس من طلاب الفصل.. ده جايبه معاه م البيت.. وبالاستنتاج كده.. العيل ده فلت من المدام ازاى؟.. أكيد هى كمان واقفة تدرس فى مدرسة أخرى وهى مقعدة اتنين فوق كتافها ورابطة واحد على صدرها يرضع.. أهه يبقى علم وغذاء مع بعض.. وغالبا فى ركن من الفصل حاتلاقى عيل كمان قاعد على قصرية.

طبعا الأهالى فى حيرة وحوسة.. فقد طالت الأجازة ودخلت فى رمضان والعيال محولين البيت لجبلاية نسانيس وبيجيبوا لأهاليهم صرع.. فقد جرت العادة أن يفرح الأهل فى أول الأجازة بأنهم مش حايصحوا بدرى يفطروا ويوصَلوا.. لكن بعد فترة يشرعوا فى الصراخ متمنين أن تبدأ المدارس اللى بتلم العيال نص النهار.. وترجعهم مفرهضين وضهرهم محنى من تقل الشنطة.. وأغبيا.

قد يرى البعض فى تأجيل المدارس كارثة.. لكنى أراه بشكل مختلف.. بما أن هذا الحل وارد تطبيقه على العيال فى الظروف الكارثية زى الوباء كده.. تعالوا نطبقه على الكبار فى ظروف كارثية مماثلة وهى الزحام المرعب الذى نعانى منه والاختناقات المدمرة للصحة والوقت والزبالة وكل البلاوى اللى احنا فيها.
كنت أجلس فى مكتب مسئول كبير فى جهاز حساس نتناقش فى موضوع مهم.. إلى أن قطعنا صوت ضجيج آتٍ من النافذة.. شعرت بقلق وسألته «دى مظاهرة دى واللا إيه؟» فرد بهدوء ويأس «لأ.. دول الموظفين خارجين».. فنظرت من النافذة لأرى حوالى ألفين موظف وموظفة خارجين من المكان.. سألته كل دول بيشتغلوا فى المبنى الضيق ده؟.. قال نعم.. قلت بيعملوا إيه؟.. قال ولا حاجة.. أهه قوى عاملة وزحمة عالفاضى وحجم الإنجاز تلاتة فى المية.. قلت له ما تروحوهم.. رفع حاجبيه فى دهشة.. إزاى؟.. مش فيه حضور وانصراف وأجازات وغياب؟.. قلت له وده حقيقى؟.. وشرحت ما يدور بخلدى.
هل دفاتر الحضور والانصراف تعبر عن شىء حقيقى؟.. إذن لماذا الشوارع زحمة كل ساعات النهار؟.. الناس دى كلها جاية منين؟.. مزوغين طبعا.. هل كل الموظفين يعملون فعلا؟.. لأ طبعا.. هل تستفيد الدولة من حجم التعيينات الذى تلتزم به كل عام.. لأ طبعا ولكنه واجبها.. شريطة تحقيق معدلات عمل معقولة.. إذا ما يحدث هو قوى ولكن غير عاملة.. وأحيانا مش عارفة تعمل بسبب التكدس والزحمة والخنقة.
إن مجلة فورتشن لها مقولة ثابتة شهيرة وهى «العمل من المنزل الأسرع نموا فى التاريخ».. ألم يحن الوقت لتطبيق هذه المقولة؟..

فالعمل من المنزل مصطلح جديد ظهر مع انتشار الإنترنت الذى اقتحم الحياة اليومية لجميع سكان العالم وأصبح من السهل وجود الإنسان فى أى مكان من الكرة الأرضية ومتابعة أعماله وواجباته الوظيفية مع شركته عبر الإنترنت.. وبالتالى أصبح فى إمكانك أن تمارس وظيفتك بمنتهى الدقة وتحصل على أجرك دونما الحاجة إلى الوجود فى مقر العمل.. طالما أن عملك لا يستوجب التعامل مع الجماهير أو الوجود بدنيا.. فكل من يقوم بعمل كتابى أو حسابى أو تصميمى أو معلوماتى يجعله جالسا إلى مكتب ليسلم الشغل عند الانتهاء منه يستطيع أن يعمل من البيت متواصلا مع الإدارة العليا عبر الإنترنت.. أما ذلك الذى يحتاج العمل إلى وجوده فعليا مثل المدرب الرياضى.. العارض أو المؤدى بجميع أنواعه.. المدرس.. رجل البوليس.. إلى آخر تلك المهام فيتوجب عليه الوجود فى مكان العمل..

ورغم مرور أكثر من خمسين عاما على بدء تشغيل أول كمبيوتر إلكترونى فى العالم إلا أن ثقافة تكنولوجيا المعلومات بدأت تنتشر مؤخرا فى شكل ثورة كسابقاتها من ثورات مثل الثورة الصناعية والزراعية والتجارية.. واحتلت التجارة الالكترونية مقدمة الأعمال التى شكلت هذه الثورة.. فأصبح من السهل أن تشترى وتبيع وتسدد فواتير وتحجز طيران من خلال الإنترنت.

ولكن تخيل معى لو أن الإدارات الحكومية تخلت عن الشكل المتخلف لدفتر الحضور والانصراف وقررت أن تتعامل مع الموظفين على أساس الإنجاز الحقيقى للعمل المعلوماتى بالذات دون جرجرتهم كل يوم إلى المصلحة وحشرهم فى الميكروباصات.. ودون أن تعانى من تزويغهم حيث سيكون القياس هو الإنجاز وتقديم الواجبات المطلوبة فى حينها.. فإن هذا سيوفر على الدولة والموظف الكثير من العناء.. سيوفر على الدولة أماكن ومساحات واختناقات مرورية.. ومواصلات وعادم سيارات وشاى وقهوة ونميمة وخناقات واحتكاكات تولدها الزحمة.. سيوفر بنزين وسجاير ورشاوى وتليفونات الرغى النهارى المكتبى.. كهرباء ومياه وصرف صحى وزبالة.. وسيجعل حجم الإنتاج هو الفيصل.. على الدولة فقط أن تستثمر فى قاعدة المعلومات التكنولوجية وتوصيلها للموظفين وإنشاء نظام يحافظ على سرية العمل.. وبلاش استخراعات.. تستورد الأنظمة من بره كما هى.
أما بالنسبة للموظفين العاملين من البيت.. سيوفر كل ما سبق.. بجانب استهلاك ملابس وأحذية.. ومصاريف مواصلات.. وتحرش جنسى فى بعض الأحيان.. وسيحفظ كرامة المتعاملين فى الطوابير.. وسيسمح للناس أن تجد وظائف رغم بعد المسافة.. فيمكن للموظف ان يعمل فى القاهرة بينما يسكن فى قنا.. وسيعطى فرصة للمرأة العاملة فى وظيفة مكتبية أن تكون بجوار العيال اللى مش حايروحوا المدارس دول.. وترضع المولود فى المواعيد الطبيعية.. مش بهزر.. هذا هو الهم الأكبر لبعض منظمات اليونسيف المعنية بصحة الأم والطفل.. وسيسمح للأشخاص المتمتعين بالتفوق العلمى أن يعملوا رغم الإعاقة أو الظروف القهرية التى تمنعهم من مغادرة المنزل.. وفى النهاية سيحقق التواصل العائلى.
أهو على الأقل يبقى عندنا فرصة نركز أكتر فى مشاهدة المسلسلات الكتير قوى اللى مليانة ناس رفيعين دى.. ونعرف طونى خليفة لقى إجابة للماذا بتاعته واللالسه.
zahqanin@gmail.com

 

إسعاد يونس  فنانة ومنتجة سينمائية مصرية
التعليقات