أحمد كمال أبوالمجد ينعى أسامة الباز.. وداعًا أيها الصديق - أحمد كمال أبو المجد - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 1:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحمد كمال أبوالمجد ينعى أسامة الباز.. وداعًا أيها الصديق

نشر فى : الأربعاء 18 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

وداعًا أيها الدبلوماسى الزاهد..

جاءنى خبر رحيلك عن عالمنا وأنا خارج القاهرة فى رحلة استشفاء قصيرة وكنت منذ شهرين تقريبًا قد التقيت بشقيقك العالم المصرى الكبير الدكتور فاروق الباز ولما سألته عن أخبارك أجابنى فى عبارة قصيرة بأن حالتك الآن أفضل، وتبينت بعد ذلك أنه كان يعرف عن قرب قريب عمق العلاقة التى تجمعنى بك أنت أيها الدبلوماسى الفذ والمثقف الشجاع والإنسان الفاضل.

وهاجتنى الذكريات فتوقفت عند مواقف ولقطات تكشف كلها عن أصالتك وعن علمك وثقافتك أيها الدبلوماسى الفذ الذى لم تعرف السلطة ولا المال طريقه إلى عقلك وقلبك حتى حين كانت تحيط بك المشاكل والصعاب. أما اللقطة الأولى فكانت عندما عينت فى أوائل عام 1966 مستشارًا ثقافيًا لمصر فى واشنطن وكنت وقتها تدرس لنيل الدكتوراه من جامعة هارفارد، وكنت أيها الأخ العزيز مكلفًا حينذاك بتقديم تقارير تحليلية عن وضع المصريين الدارسين فى الولايات المتحدة وكندا، والدور الوطنى الذى يؤدونه خلال تلك الفترة الدقيقة من تاريخ مصر، وفى أول لقاء جمعنى بك فى هارفارد فوجئت بك تقدم لى مظروفًا كبيرًا فيه كل ما لديك من تقارير ومعلومات توثق نشاط المبعوثين المصريين فى الولايات المتحدة وكندا قائلا فى بساطة شديدة «إن من الطبيعى أن أتولى أنا هذه المهمة التى كان يتولاها الدكتور مصطفى طلبة الذى غادر واشنطن ليكون نائبًا لوزير التعليم العالى الدكتور حسين سعيد»؛ وكان هذا المسلك من جانبك تعبيرًا عن ترفع نادر عن المناصب ومواقع السلطة مارسته أيها الأخ العزيز فى صدق نادر وصفاء نفس ظل ملازمًا لك حتى وافتك لحظة الرحيل عن عالمنا.

أما المناسبة الثانية فكانت خلال فترة تولى الدكتور مراد غالب منصب وزير الدولة للشئون الخارجية إذ تلقى الدكتور غالب أنك اشتركت مع بعض كبار الدبلوماسيين المصريين فى ندوة عن بعض السياسات الخارجية لمصر وكان ممن شاركوا فى تلك الندوة السفير حينذاك إسماعيل فهمى والسفير تحسين بشير وكنت أنت ثالثهم فى هذه الندوة، فغضب د. مراد غالب غضبًا شديدًا وأصدر قرارًا ينطوى على شىء من اللوم للسفراء الثلاثة فاتصلت بعد تردد بالدكتور مراد غالب استأذنه فى الموافقة على سفرك للمشاركة فى مؤتمر دولى مهم شرحًا ودفاعًا عن موقف مصر، فإذا بالدكتور غالب يوافق على الفور معلنًا لى أنه وافق لأننا سنكسب كثيرًا من مشاركة أسامة الباز وأن ذلك يرجح على أى اعتبار وظيفى آخر.

أما المناسبة الثالثة فكانت خلال زيارة لى إلى بوسطن وكان عمرى حينذاك قريبًا من عمر كثير من المبعوثين المصريين فقد دعوت كلا من إسماعيل سراج الدين وفوزى هيكل (شقيق الأستاذ محمد حسنين هيكل) وأسامة الباز لنتغدى سويًا، وإذا بعاملة المطعم تشير إلى أسامة قائلةً أنا أعرف ما يطلبه أسامة كل يوم، كوب من اللبن وحلقات من البصل، هكذا عاش أسامة فترة غير قصيرة ينفق على دراسته مقيمًا فى شقة صغيرة متواضعة يشاركه فيها شاب أمريكى يدرس هو الآخر فى جامعة هارفارد، مترفعًا عن أن يطلب لنفسه شيئًا ربما لا يكون له حق فيه.

أما المناسبة الرابعة فكانت فى لقاء جرى فى أعقاب نكسة 1967 وجمعتنا ــ أسامة وأنا ــ مع السفير تحسين بشير والبروفيسور روجر فيشر الذى مضى يعطينا عددًا من النصائح أذكر منها ضرورة إصرارنا على أن تكون اجتماعاتنا مع هنرى كيسنجر تتم فى اجتماعات مفتوحة يغطيها الإعلام إذ إن كسينجر سياسى بالغ المكر والدهاء، وخلال اللقاء كان أسامة يمسك أوراقه وقلمه وأذكر أنه بخطه العربى والإنجليزى الجميل حوَّل التحليل الذى قدمه أستاذه إلى رسم بيانى واضح، وحين تعود بى الذاكرة إلى هذا اللقاء فى أحد مطاعم نيويورك أجدها لحظة رائعة جمع أطرافها وفى مقدمتهم أسامة الباز تدرج الوطنى المخلص وخبرة العالم الموسوعى الثقافة وزهد من لا يغره بريق سلطة أو بريق مال.

كم أتمنى أن يفتح أبناء الجيل الجديد من شبابنا عقولهم وقلوبهم كلها ليروا فى هذه اللقطات صورة مشرقة لكفاح وطنى ارتفع أصحابه فوق كل طموح.

رحم الله أسامة الباز وجعل ذكره نورًا يضىء حياة الجيل الجديد من شباب مصر الذى سوف يجلس عما قريب مجلس المسئولية عن مصر وشعبها فى لحظات فارقة من تاريخنا الوطنى الطويل.

أحمد كمال أبو المجد مفكر اسلامي وفقيه دستوريالنائب السابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان
التعليقات