الغرب ليس مستعدًا للديمقراطية فى العالم العربى - بسمة قضماني - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 3:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الغرب ليس مستعدًا للديمقراطية فى العالم العربى

نشر فى : الأربعاء 19 يناير 2011 - 9:47 ص | آخر تحديث : الأربعاء 19 يناير 2011 - 9:47 ص

 ليس العرب غير المستعدين للديمقراطية، فقد أثبتت تونس أنها مستعدة، لكن الغرب هو الذى غير مستعد للديمقراطية فى العالم العرب. وهذا هو ما يمكن أن نفسر به ردود الأفعال من الحكومات الغربية والأوروبية بشكل خاص فى مواجهة الثورة السلمية التى أطاحت بالرئيس زين العابدين بن على خلال أقل من شهر.

فقد أظهرت تونس كيف أن اليأس الاجتماعى بين الشباب حمل فى طياته مستوى عاليا من الوعى السياسى والثقافة المدنية التى تدع المراقبين يتساءلون أين ومتى تعلموا أن يفعلوا ذلك؟

●●●


إنه عيد للعرب جميعا، والحقيقة هى أنى أحسد التونسيين وكنت أود أن أكون واحدة منهم فى هذا اليوم المجيد. فهو عُرس لنا نحن المثقفين الذين نقدح زناد فكرنا فى مناقشات لا نهاية لها ومحبطة بشأن كيفية إحداث الإصلاح لأقطارنا، مفترضين باستمرار أن الحكومات العربية لا يمكن الحط من قدرها وأنه لابد لنا من السعى للحصول على حسن نيتها كى نتسول مساحات ضئيلة من الحرية.

لكن عندما شعرنا أنه يعجبنا الهتاف طوال هذا الشهر من ثورة الياسمين، كانت البلدان الغربية مرعوبة من الشباب الذى ملء شوارع المدينة التونسية بعد الأخرى، وانتشر فى العاصمة، وجعل الرئيس وزوجته والأسرة كلها يقلعون فى طائرة دون معرفة أين سيُسمَح لهم بالهبوط. وسوف تكون هناك فى البداية أنهار من التحليلات التى ستُكتب عن كيفية حدوث التغيير فى تونس وأسبابه، لكن قصة أساسية ستروى عن دور القوى الخارجية فى هذه التجربة العربية الأولى للتحول الديمقراطى. وتوجه ردود الأفعال فى أوروبا، وبشكل خاص من الحكومة الفرنسية بقيادة ساركوزى، ضربة شديدة لمصداقية خطاب الأوروبيين بشأن ضرورة تشجيع القيم الأوروبية فى جنوب المتوسط وما إذا كانت ثقافتنا العربية والإسلامية يمكن أن تتوافق المبادئ الديمقراطية أم لا. وقد اقترح وزير الخارجية الفرنسية إرسال المعدات والخبراء الضروريين للحكومة التونسية لتدريب قوى الأمن التونسية على القمع دون قتل، مؤكدا أن القمع كان الهدف وأن فرنسا لم تكن تعتزم الشك فيه. وقال وزير آخر إنه من المبالغة الحديث عن نظام بن على باعتباره ديكتاتورية. وهو لديه منزل ساحر فى حى سيدى بوسعيد فى تونس حيث يقضى عطلاته. والمئات من الفنادق والمنتجعات الساحلية تملكها شركات فرنسية، والتبادلات بين مجتمعى الأعمال فى البلدين مربحة جدّا لكلا الجانبين. وللنخبة الحاكمة الإيطالية مصالح وتورطات مشابهة. ولا يمكن الكشف عن تلك الأمور لأنها ستسبب حرجا للجانبين. ولذلك فإن ما نسمعه فى العلن هو الخطاب الذى يثير حزمة كبيرة من المخاوف المرتبطة ببعضها: بشأن المخاوف الأمنية الكبيرة المتعلقة بالإرهاب وبشأن الصلات بين خطف الرهائن فى النيجر والجهاديين فى الصومال والفوضى ودول الساحل الفاشلة والإطاحة بنظام مستقر كنظام بن على. وتقوم توليفة أخرى أكثر خطورة على تحيز الرأى العام الأوروبى ضد المجتمعات المسلمة التى تعيش على التراب الأوروبى كى يلوح بخطورة الإسلاموية فى الجنوب كى تتكون، بلا وعى، الصلة فى عقول الناس بين المسلمين فى أوروبا الذين يطالبون باللحم الحلال والمساجد للصلاة وحق النساء فى ارتداء الحجاب والتغيير فى تونس، مشيرة إلى أن القصة الحقيقية وراء الاحتجاجات التونسية تتعلق بإعادة الإسلامويين للسلطة فى منطقة مجاورة لأوروبا. وهذا ما سيسفر على الفور عن تقوية إصرار الجاليات المسلمة فى أوروبا ومطالبها. وهذه مفاهيم زائفة ومقولات مفبركة.

لكن الحقيقة هى أن تونس، شأنها شأن الجزائر وليبيا والمغرب، مربوطة فى شبكة تعاون مع وكالة الأمن الغربية وتتبادل المعلومات الاستخباراتية التى زادت بشكل كبير منذ عام 2001. وكان بن على مكوِّنا ثمينا فى هذه الشبكة الكبيرة التى تغطى الشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا بكاملها. وفى المقابل كانت الحكومات الأوروبية تقدم تأييدا كبيرا لـ«بن على» بممارسة رقابة دقيقة على المعارضين السياسيين وتقيد سفرهم من بلد إلى آخر، حتى داخل أوروبا فى بعض الأحيان.

علاوة على ذلك، وافق قادة المغرب خلال العقدين الماضيين على القيام بدور الحارس بالنسبة لأوروبا، عبر منع الهجرة من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى أراضيهم، ومنع مواطنيهم أنفسهم من الهجرة إلى أوروبا.

فمن ذا الذى سوف يسيطر على الهجرة إذَن إذا أُزيح الحراس الموجودون فى جنوب البحر المتوسط؟ لكن الأوروبيين لا يرون أن هؤلاء القادة أنفسهم، الذى يقدمون خدمة رجال الشرطة الثمينة تلك لأوروبا يمثلون جوهر المشكلة. ذلك أن استبدادهم وفسادهم يمثلان السبب الأساسى وراء انسداد الأفق، ويأس الشبان الذين يدفعهم إلى ترك بلادهم. ومن ثم، يقوم قادة هذا البلدان بتخليق مرشحين جددا للهجرة، على استعداد للموت كل يوم فى سبيل الذهاب إلى أوروبا.

وكان بن على شريكا مثاليا بالنسبة لأوروبا. فقد جاء بمجموعة من التكنوقراط الكفء كى يديروا الاقتصاد، جنبا إلى جنب مع مثقفين ورموز ثقافية ــ من ذوى الذكاء الحاد ــ كى يدافعوا عن العلمانية، ويلتزموا بمحاربة الأفكار الإسلامية، ويطوروا سياسة ثقافية وفنية فعالة بالتعاون مع أوروبا. وكان البنك وصندوق النقد الدوليين والمفوضية الأوروبية يشيدون بـ«بن على» بصفة منتظمة، بسبب ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى فى تونس خلال السنوات العشر الأخيرة، فى الوقت الذى بلغ فيه معدل البطالة 60% فى بعض مناطق البلاد. ويدل ذلك على عبثية المعايير التى تطبقها المؤسسات المالية الدولية عند تحديد ما هو الاقتصاد الناجح. وبالنسبة للمواطن التونسى، كان المزيد من النمو يعنى المزيد من الأموال التى تصب فى جيوب بن على وأسرته.

●●●


وبالرغم من أن فرنسا لم يكن لها يد فيما حدث فى تونس، بل إنها فوجئت بالأحداث، فإنه من الواضح أن الدور الذى تقوم به من وراء الكواليس أكبر كثيرا مما هو معلن. وقد أدركت الحكومة الفرنسية فى وقت متأخر جدا أن النظام كان يغرق، وعندئذ بدأت تعمل فى صمت من أجل إيجاد أطراف جدد يمكنها أن تتحاور معهم. وفى ظل كل مصادر القلق، وكل المصالح المعرضة للخطر، رأت فرنسا أن المحاور الجديد الأجدر بالثقة هو الجيش. فقد تلقى معظم قادة الجيش التونسى تدريبهم فى فرنسا. كما أنهم يحظون بصلات وثيقة مع المؤسسة العسكرية الفرنسية. ولدى الجيش التونسى علاقة معقدة بـ«بن على». وخلال انتفاضة الشهر الماضى، قام الجيش بدور راق أظهر الفرق بينه وبين قوات الأمن، حيث رفض إطلاق النار على المتظاهرين ــ مما يجعل منه لاعبا مقبولا بالنسبة للتونسيين فى عملية التحول. لكن السؤال المطروح يتعلق بمضمون الصفقة التى قد تتفاوض حكومة فرنسا مع الجيش بشأنها.

هل طلبت من الجيش حفظ القانون والنظام لفترة انتقالية، إلى أن تُجرى انتخابات نزيهة، تؤدى إلى انتقال مأمون نحو الديمقراطية، أم أنها سوف تترك الجيش يقرر ما إذا كان يريد الهيمنة على السلطة السياسية أم لا، وإلى متى؟

يحق للناس فى المغرب والعالم العربى توجيه الأسئلة التالية: هل تونس قريبة من أوروبا أكثر من اللازم، مما يجعل تحررها مستحيلا؟ إلا يحق لنا، نحن مجتمعات جنوب المتوسط، أن نحظى بما يتمتع به الشمال؟ كان بن على عارا على الشعب التونسى. ويستحق هذا الشعب ما هو أفضل. ألم نسمع ذلك فى مناطق أخرى؟ هل يستحق أى مجتمع عربى قادته؟

لقد فات القطار التونسى الفرنسيين والحكومات الأوروبية الأخرى، حيث كان هؤلاء يقفون على الجانب الخطأ من التاريخ. لكن التونسيين قرروا امتلاك مصيرهم بأنفسهم، وعلى القوى الكبرى فى الشمال التكيف مع الوضع الجديد.

بسمة قضماني  مدير مبادرة الإصلاح العربي
التعليقات