(الشوق).. زيارة السيدة المتسولة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(الشوق).. زيارة السيدة المتسولة

نشر فى : الأربعاء 19 يناير 2011 - 9:57 ص | آخر تحديث : الأربعاء 19 يناير 2011 - 9:57 ص

 سوسن بدر، فنانة موهوبة، تعرف أسرار فنها، متنوعة الأساليب، يمكنها التعبير عن أدق الانفعالات، وأكثرها تركيبا، على نحو مرهف، مقنع، يعتمد على صدق داخلى، يتجلى فى النظرة، واللفتة، ونبرات الصوت، وحركة الجسد.. ويمكنها أيضا، وبمهارة، أن تلجأ إلى ضجيج الصخب والمغالاة، وأن تطلق سحابة ثقيلة من تهويمات تبهر المشاهد انبهارا لحظيا، وهى عادة، بفطنتها، لا تلجأ لهذه الطريقة إلا حين تجد نفسها إزاء شخصية مفتعلة، وأن عليها مداراة اختلال المواقف التى تؤديها، وهذا ما حدث فى فيلم «الشوق».

«فاطمة»، أو «أم شوق»، البطلة المحورية، تسكن شقة ضيقة، معتمة، مع زوج سكير، وبنتين، وطفل عليل. الشقة تقع فى زقاق تعس، يقطن فيه أناس هدَّهم الفقر وأعوزتهم الحيلة، ومنذ البداية، حتى النهاية، من الصعب أن تعرف حقيقة «فاطمة» التى بدت أبعادها متنافرة، خاصة بأداء سوسن بدر، الذى يعوزه الوحدة والاتساق.. إنها الأم الحانية على أولادها، تحاول إنقاذ طفلها المصاب بفشل كلوى.. وهى قارئة للفنجان، تهيمن نفسيا على مَن تريد معرفة طالعها، طيبة أحيانا، موغلة فى الشر أحيانا أخرى، لكن الفيلم يفضل أن تطالعنا وكأن عفريتا ــ والعياذ بالله ــ قد ركبها.

عندئذ تطلق فنانتنا الكبيرة موجات من شعوذة التمثيل: تنحنى قامتها للأمام، تتسمّع الأصوات الغامضة التى لا تصل إلا لأذنيها، عيناها تكادان تخرجان من محجريهما، علامات الذعر ترتسم على ملامح وجهها، ويتغير صوتها حين تكون جالسة فى بيتها، تضرب رأسها من الخلف فى الحائط، وتردد «هاتموتوها يا ولا الكلب»، حتى يغدو صوتها خشبيا «خنشوريا»، أقرب لصوت الرجال.

الأحداث القليلة تقول إن الطفل المريض يحتاج لغسيل كلى مرتين أسبوعيا، والمرة تتكلف ثلثمائة جنيه، تضطر للسفر من الإسكندرية إلى القاهرة، تعمل بالشحاذة،، تنام مع عاملة نظافة دورة مياه عامة. الطفل يموت. تواصل عملها، بدأب وجدية، تقوم بزيارة الحارة كل عدة أسابيع، ولسبب ما، تقرر أن تتشبه ببطلة «زيارة السيدة العجوز» للسويسرى دورينمات، الثرية، العائدة إلى قريتها الظالمة كى تثأر من ساكنيها، بأن تقرضهم مالا حتى تتمكن من رقابهم. هنا، فى «الشوق»، تشارك «فاطمة» بائع خضار غلبان على عربة يد، وتعطى صاحب كشك مبلغا كى يحوله لمحلٍ لبيع المنكر.. لقد أصبحت ميسورة الحال، وهى لا تكره فقر حارتها بقدر ما تكره سكانها التعساء.

أخيرا، تعود بثروتها بهدف الخروج الآمن، مع أسرتها، إلى أفق إسكندرية الأوسع، لكن بنتيها تتمردان عليها، تنفعل بشدة. يأتيها العفريت فتضرب رأسها فى الحائط، بانتظام، إلى أن يسيل دمها وتموت.

بهذا السيناريو المهلهل، المسطح، الذى كتبه سيد رجب، حاول المخرج خالد الحجر أن يقدم عملا مبهرا، لكن عبثا؛ ذلك أن أسلوبه لا يعرف فضيلة الاختزال، فإذا كان ثمة جنازة، فلابد من مجموعة كبيرة من نساء، يواصلن العويل ولطم الخدود لعدة دقائق.. وإذا اندلعت خناقة، فإنها تستمر لفترة غير قصيرة. وتتوالى المشاهد متطابقة، جوهريا، فالكاميرا تتابع «فاطمة»، على نحو ممل، وهى تتسول من مكان لمكان ثم تعود لتعقبها من جديد. كل هذا فى إطار من سوداوية مقيتة، لذا جاء الفيلم مملا، سقيما، لا تشفع له تهويمات فنانتنا الكبيرة، سوسن.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات