فاكر نفسك «هيكل»؟ - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فاكر نفسك «هيكل»؟

نشر فى : الجمعة 19 فبراير 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الجمعة 19 فبراير 2016 - 10:50 م
إنها العبارة الأشهر تداولا فى الوسط الصحفى.. فعندما يتناقش اثنان من الصحفيين فى إحدى القضايا، وبمجرد أن يقوم أحدهما بشرح أو تفسير أو توضيح وجهة نظره فيها، حتى يقول له زميله: «فاكر نفسك هيكل؟»، فى اشارة واضحة إلى الكاتب الصحفى الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذى استرد الله وديعته منه صباح الأربعاء الماضى، والعبارة تعنى «لا أحد يعلم أكثر من الأستاذ الراحل».

لماذا لم يقل هذا الصحفى لزميله: «فاكر نفسك مصطفى أمين أو على أمين أو موسى صبرى أو أنيس منصور أو مكرم محمد أحمد أو مصطفى شردى؟»، وهم جميعا من أكبر القامات التى شهدها تاريخ الصحافة فى مصر والعالم العربى، ولعبوا دورا مهما فى النهوض بهذه المهنة، وكانت لهم اسهامات كبيرة وفعالة فى تطوير عناصرها وادواتها؟.

الاجابة بسيطة للغاية، وهى ان الأستاذ الراحل، شكل على مدى أكثر من ستين عاما، «حالة وحلم»، لكل من امتهن الصحافة.. حالة فريدة من نوعها لصحفى تميز بالإطلاع الواسع، والقدرة الفذة على التحليل الدقيق، والوصول بسهولة إلى بواطن الأمور وتشعباتها، ودأب شديد على الالمام بكل التفاصيل، وربطها مع بعضها البعض، فى نسيج واحد يجسد الحقيقة، أو يقربنا منها كثيرا.

كان أيضا حلما تعلق به الصحفيون.. فهذا«الجورنالجى»،الذى أعطى للمهنة وقارا وهيبة وقدوة، لم يكن من هواة الهرولة وراء من يتبأون السلطة، أو يشرعون فى التزلف إلى من يجلس على مقاعدها، طمعا فى منصب أو مصلحة، بل كانت هى من تأتى إليه.. فكم من رئيس وملك وأمير، حرصوا على الالتقاء به، ليسمعوا ويعرفوا ويفهموا ويناقشوا، هذا الصحفى الذى كان شاهدا ومطلعا، على كل تفاصيل وأسرار عصر التحولات الكبرى فى مصر.

لم يكن غريبا إذن، أن نجد الكثير من شباب الصحفيين، وهم يخطون أولى خطواتهم فى عالم «صاحبة الجلالة»، يسرعون إلى المكتبات لاقتناء كتب «الأستاذ»، أو البحث عن مقالاته المنشورة هنا وهناك، من أجل تعلم كيف كان يكتب ويصيغ عباراته بإحكام شديد ودقة متناهية.. ويذهلهم ان اسلوبه يتصف بـ«السهل الممتنع»، الذى يصل اليك مباشرة وبدون تعقيد، لكنك اذا حاولت تقليده فى طريقة الكتابة، فستجد الأمر غاية فى الصعوبة، قد تصل إلى حد الاستحالة.

تقليد هيكل صعب.. وتكراره أصعب، لانه نتاج ظرف تاريخى ربما لا يحدث مرة أخرى.. فهذه العلاقة الفريدة التى جمعته بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كانت نقطة تحول واضحة فى حياته، وجعلته مساهما ومشاركا فى صناعة الأحداث التى شهدتها مصر، خلال تلك الحقبة المتخمة بالتحولات، وليس فقط متابعا أو مراقبا لها بحكم مهنته كصحفى.

كثير من الصحفيين الكبار، حاولوا تكرار نموذج علاقة هيكل مع عبدالناصر، فى العصور اللاحقة، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا، لان العلاقة بينهما لم تكن علاقة رئيس بصحفى، لكنها علاقة كانت لها أبعادها الإنسانية الفريدة، ولعب القدر دورا عظيما فى تعميقها وتجذرها، إلى الدرجة التى لا يمكن لاحد حتى يومنا هذا ان يجيب على التساؤل: «من صنع نجومية الآخر؟».

البعض يقول ان هيكل هو الذى صنع نجومية عبدالناصر، والبعض الآخر يقول انه لولا عبدالناصر، لما وجدت ظاهرة هيكل، وفى رأيى المتواضع، فإن كلا منهما ساهم فى صنع نجومية الآخر، بدليل ان عبدالناصر الذى رحل منذ 46 عاما، ظل باقيا فى وجدان وعقل الشعب، من خلال أعماله وانجازاته خلال فترة حكمه، بالاضافة إلى كتب وحكايات ومشاهدات هيكل، التى أورثها لاجيال متتالية لم تر الزعيم الراحل قط، أما ظاهرة هيكل، فلم تخفت أيضا على مدى السنوات التى تلت وفاة عبدالناصر.

كثيرون قد يتفقون أو يختلفون على «هيكل السياسى»، وهذا من طبائع الأمور، فالسياسة هى ساحة المتناقضات، التى تحتم عليك اختيار الأرضية التى تقف عليها، وهذا الخيار بالضرورة لن يرضى الطرف الآخر، أما «هيكل الجورنالجى» فأجزم انه لا أحد يستطيع الاختلاف على عبقريته وموهبته وقدرته الصحفية الفذة، وهو ما يجعل عبارة «فاكر نفسك هيكل»، باقية إلى الأبد، رحم الله الفقيد.. وخالص العزاء لاسرته الصغيرة فى مصابهم الجلل.
التعليقات