ارفعوا أيديكم عن «حلاوة روح» - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ارفعوا أيديكم عن «حلاوة روح»

نشر فى : السبت 19 أبريل 2014 - 9:30 ص | آخر تحديث : السبت 19 أبريل 2014 - 9:35 ص

لم أصدق أن رئىس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب، قرر إيقاف عرض «حلاوة روح»، ذلك أن آمالى فى رجل يرنو ويتمنى مصر جديدة، يترك مكتبه المكيف لينزل إلى الواقع، لا ليكتشفه، لكن ليتابع حل مشكلاته. رجل ودود وحاسم، نشط وصاحب ضمير يقظ..

رجل مثل هذا، نتوقع منه الكثير، يفاجئنا أنه شمر أكمامه، وبدلا من أن يصارع وحش البطالة، وعصابات تهريب السلاح والمخدرات، وآفة هدر المياه، وغول الجهل والتعصب، بدلا من كل هذا، وغيره، نراه وقد امتشق درعه وسيفه، ودخل ساحة الوغى، ليوقف بعنترية، عرض الفيلم الغلبان، الذى أشبعناه نقدا.. هكذا، كأن المهندس ــ رئيس الوزراء ــ أسد، أو مجالد رومانى، ألقى بشبكته، ليصطاد فأرا.. ولم ينتبه إلى أن الفأر، إن عاجلا أو آجلا، سيقرض حبال الشبكة، ويخرج سليما، وتكتب له النجاة، وطول البقاء، على نحو يمتد زمنا، أطول من ولاية رئاسة الوزراء، وهى قصيرة بكل المعايير.

من لا يتعلم من التاريخ، سيحكم عليه الزمن، أن يعيش ذات التجارب، مرة أخرى.. فى عام 1976، بناء على تشكى بعض المصريين المقيمين فى التاريخ، مما ورد فى فيلم «المذنبون» من مشاهد «تسىء لسمعة مصر»، اندفع عدد من أعضاء مجلس الشعب نحو التنديد بالفيلم، والمطالبة بمنعه. استجابت الحكومة، بحماس، للابتزاز.. ووصل الأمر لحد معاقبة الرقباء الذين وافقوا على عرض الفيلم.. تم هذا مع توغل الفساد وبيع ممتلكات الدولة. ولم تكن الواقعة سوى مقدمة لتكميم الأفواه ومصادرة مجلات وصحف لا تبارك خطوات السلطة المشكوك فى أمرها، مثل مجلتى «الكاتب» و«الطليعة».. دار الزمن دورة، وثانية، ونسى الناس أعضاء مجلس الشعب الأشاوس، ووزير الثقافة، المرتجف أو المتواطئ حينذاك، بل ورئيس الوزراء أيامها.. وبقى «المذنبون» لسعيد مرزوق، الذى لا يزال يعرض على معظم القنوات.

فى 1983، تم سحب ترخيص عرض فيلمى «خمسة باب» لنادر جلال و«درب الهوى» لحسام الدين مصطفى، بادعاء الحرص على «حماية الآداب العامة والمحافظة على الأمن والنظام العام ومصالح الدولة العليا».. أسباب المنع هنا، تشير بجلاء إلى تهافت «الأمن العام والنظام العام»، المذعورين من شريطين سينمائيين.. المخرج المقاتل، حسام الدين مصطفى، أقام الدنيا ولم يقعدها إلا بعد إلغاء سحب ترخيص الفيلم وإعادة عرضه بحكم قضائى نزيه، ووقف الرأى العام إلى جانب «خمسة باب».. وبينما ذهب أباطرة السلطة، ممن وقفوا ضد الفيلمين، ببقى «خمسة باب» و«درب الهوى»، ينبضان بالحياة، على الشاشة الصغيرة.

الأمثلة كثيرة، فلنتذكر «لاشين» قديما و«العصفور» حديثا.. والآن، تعاد الوقائع من جديد، وكالعادة، تجد مؤسسات، المفروض أنها كبيرة ومحترمة، تنجرف إلى المطالبة والتهليل للإيقاف والمنع والمصادرة.. إحدى المفارقات الصارخة، تكشف عن نفسها، حين لا نسمع صوتا للمجلس الأعلى للمرأة، أو مراكز الدفاع عن الطفولة، ضد ما يتم من اغتصاب وقتل، للنساء والأطفال، بنين وبنات.. بينما يرتفع شجبهم وعويلهم،، ضد «حلاوة روح»، لأن صبيا مراهقا، يحلم بفتاة ناضجة، أو لأن ثمة مشهد اغتصاب، وهو مشهد لا إثارة فيه، بل بالعكس، يؤدى إلى نفور المتفرج من ذلك الفعل الخسيس. إنه مشهد لا يثير إلا ذوى النفوس المريضة.

رئيس الوزراء، بجلال قدر المنصب، يصدر قراره بإيقاف الفيلم، من دون إذن من النيابة، أو إحالة إلى لجنة، أو أخذ رأى المجلس الأعلى للثقافة.. لا أظن أنه شاهد الفيلم، فقط هو سمع عنه، وقرر، ونفذ.. ثم تستكمل الكوميديا السوداء بموقف وزير الثقافة، الذى بدلا من أن يحتج على القرار الذى يتجاوز اختصاصاته، يبادر وبعد عدة ساعات، إلى «إحالة المسئول عن عرض الفيلم إلى التحقيق».. وللرقابة، وعلى رأسها المخرج أحمد عواض، أقول: لا تخافوا.. نحن معكم.. صحيح الأمور ليست بخير، ولا تنبئ بالخير، لكن، بالتأكيد «حلاوة روح» «سيكون أطول بقاء» ممن يحاولون إزهاقه.. هكذا يعلمنا التاريخ.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات