ذكرى النكبة ومولد الأمل - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 28 مايو 2024 5:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ذكرى النكبة ومولد الأمل

نشر فى : الخميس 19 مايو 2011 - 9:02 ص | آخر تحديث : الخميس 19 مايو 2011 - 9:02 ص

 لا شك أن ذكرى نكبة فلسطين تحل بنا هذا العام فى ظل إحساس مختلف بالأمل فى المستقبل. كان المصدر الوحيد لعدم الإحباط فى السابق أن الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل التى خرجت من رحمها قد أخفقت عبر ما يزيد على قرن من الزمان فى أن تحقق وجودا مستقرا ــ ناهيك عن أن يكون مقبولا أو طبيعيا ــ على جزء صغير من الأرض العربية يسكنه شعب قليل العدد. وهو ما يعنى أن مبدأ حدود القوة قد انطبق بجلاء على الحالة الإسرائيلية كغيرها من الحالات.

●●●


راهن الفلسطينيون بداية على أمتهم العربية، وعززت حركة المد القومى منذ منتصف خمسينيات القرن الماضى وحتى هزيمة 1967 من هذا الرهان، لكن الدول العربية التى هزمت فى تلك الحرب انكفأت على ذاتها فى محاولة لإزالة آثار الهزيمة، وأصبح الحد الأقصى لطموحات الفلسطينيين يتمثل فى تسوية تعترف بـ«دولة إسرائيل» فى حدود ما قبل عدوان1967 فى مقابل جلائها عن الأراضى العربية والفلسطينية التى احتلتها فى هذا العدوان. ونتيجة لما سبق انتقل الرهان الفلسطينى إلى المقاومة الذاتية التى حققت إنجازات لا شك فيها، لكنها واجهت معضلات حقيقية فى علاقتها بالدول العربية المحيطة بإسرائيل وبصفة خاصة الأردن ولبنان، فدخلت فى معارك جانبية، وأخلت مواقعها فى هاتين الدولتين، وكانت تمثل المواقع الوحيدة المتاحة لها للانطلاق فى عملياتها.

لكن الشعب الفلسطينى استطاع كغيره من الشعوب التى خضعت للاستعمار أن يبدع أساليبه الخاصة به فى المقاومة، وبدا هذا واضحا من الانتفاضة الشعبية التى سميت بانتفاضة الحجارة، والتى بدأت فى أواخر 1987، ولم تستطع إسرائيل بالوسائل الأمنية أن تضع حدا لها غير أنها تمكنت من الالتفاف سياسيا عليها من خلال التوصل مع منظمة التحرير الفلسطينية فى 1993 إلى «اتفاق أوسلو». يختلف الكثيرون حول تقييم هذا الاتفاق وما إذا كان قد مثل خطوة حقيقية على بداية طريق استعادة الحقوق الفلسطينية أم أنه كان آلية سياسية عبقرية لإجهاض هذه الإمكانية عن طريق تسوية وهمية للقضية الفلسطينية، فقد نص هذا الاتفاق على تكوين «سلطة وطنية فلسطينية» فى ظل استمرار الاحتلال، فى تجربة غير مسبوقة فى تاريخ حركات التحرر الوطنى. وعن طريق هذه السلطة والانخراط فيها تحول مقاومو فتح إلى شرطة محلية تضبط النظام داخل الأراضى المحتلة، ولهذا ازدهرت فصائل أخرى للمقاومة على رأسها حماس التى سرعان ما ابتلعت الطعم بدورها بدخولها انتخابات 2006 التشريعية التى حصلت فيها على أغلبية مكنتها من تشكيل حكومة السلطة الفلسطينية، وبقيت المقاومة شعارا لحركة حماس، لكن واقع الحال كان يشير إلى غلبة منطق التهدئة لديها حفاظا على إنجازها السياسى، وهكذا حُرم النضال الفلسطينى من مقاومة فاعلة تدعم مسيرة استرداد الحقوق. وزاد الطين بلة الانقسام الذى وقع بين فتح وحماس الذى تحول فى 2007 إلى صدام مسلح ترتب عليه انفراد حماس بحكم غزة، فيما انحصرت سلطة الرئيس الفلسطينى المنتمى إلى فتح فى الضفة الغربية، فبلغ التردى بالقضية الفلسطينية مبلغه.

●●●


هكذا بدا المشهد الفلسطينى كئيبا فى العقد الأخير من القرن الماضى والعقد الأول من هذا القرن، ومن هنا تأتى أهمية حركات التغيير والاحتجاج التى انتشرت فى أقطار عربية عديدة. ولا تكتسب هذه الحركات أهميتها الاستراتيجية من أن جهود المصالحة بين الفصيلين الرئيسيين فى فلسطين سرعان ما وصلت إلى غايتها عقب نجاح الثورة المصرية، بعد أن كانت قد تعثرت طويلا، فهذا الإنجاز يمثل عرضا لظاهرة عربية أعم، وهى أن حركات التغيير فى تونس ومصر واشتعالها فى بلدان أخرى قد أوجد مناخا شعبيا جديدا يعيد للقضية الفلسطينية بعدها القومى الذى بدا وكأنه غاب إلى الأبد من خلال التراجع الواضح فى التأييد العربى للنضال الفلسطينى. ولنأخذ الحالة المصرية مثالا فى هذا الصدد، خاصة أن مصر تجمع بين صفتين أولاهما نجاح الثورة فى تغيير نظام الحكم، والثانية أنها أقوى الدول العربية المحيطة بإسرائيل من حيث الإمكانات وإن كانت مكبلة بالتزامات تعاقدية بموجب معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل منذ 1979.

●●●


من الأهمية بمكان أن السياسة الخارجية المصرية عامة وتجاه إسرائيل خاصة قد اختلفت بعد الثورة عنها قبلها. حافظت هذه السياسة على التزاماتها التعاقدية تجاه إسرائيل، ولكنها اتخذت من الخطوات ما يكفى لإقلاق دولة الاحتلال، مثل فتح معبر رفح باعتباره مشاركة مصرية فى رفع الحصار عن غزة الذى اعتبرته السياسة الخارجية المصرية الجديدة جريمة حرب، ومثل بدء الحديث الجاد ــ بضغوط شعبية ــ عن مراجعة سياسات تصدير الغاز إلى إسرائيل، خاصة وقد كانت هناك ضغوط من ناشطين سياسيين قبل الثورة فى هذا الاتجاه، واستطاع هؤلاء تحقيق إنجازات قضائية محددة لصالحهم، لكن المناخ السائد آنذاك لم يفض إلى أى تغيير فى هذا الصدد.

كذلك نشطت الدبلوماسية المصرية مرة أخرى فى مجال تحقيق المصالحة بين حماس وفتح، واستطاعت إنجازها فى زمن قياسى بعد أن انتهى انحيازها لطرف دون آخر من ناحية، وتدليلها إسرائيل من ناحية أخرى. ومن الانعكاسات المهمة لهذه التوجهات المصرية الجديدة توقف كبار المسئولين الإسرائيليين عن زيارة مصر بسبب أو بدون سبب لإعطاء الشرعية لما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، أو خلق الانطباع بوجود تواطؤ مصرى مع إسرائيل فى هذا الصدد.

●●●


وقد يكون الأهم من ذلك كله أن نظام الحكم الجديد فى مصر يكتسب شرعيته من الشعب وليس كسابقه من رضا الولايات المتحدة وإسرائيل عنه، ومن الواضح أن لقوى الثورة موقفها السلبى من إسرائيل والعلاقات معها، وهو أمر طبيعى بالنظر إلى أن الشعب المصرى لم تكن له يد فى صنع السلام مع إسرائيل، ومن المؤكد أن هذا كله يخلق صداعا مزمنا فى رأس إسرائيل التى لا يمكن لها أن تخاطر بأى عمل عسكرى ضد مصر، لأنها بذلك سوف تعيدها إلى معسكر الصراع معها، وهو عبء لا شك يقيد حركتها فى مشروعاتها تجاه الجبهات الأخرى للصراع. والأخطر أن إسرائيل تعلم جيدا أن نجاح حركات التغيير فى الوطن العربى سوف يكون هو البداية السليمة لبناء قوة عربية شاملة تصلح من الخلل الفادح فى ميزان القوى بينها وبين العرب.

يعزز كل ما سبق أن إحياء ذكرى النكبة هذا العام قد جاء مصحوبا بحراك شعبى فلسطينى واضح، مدعوم بحراك شعبى عربى غير مسبوق تمثل فى مسيرات إلى الحدود مع إسرائيل أربكتها فى ذكرى النكبة، استُشِهد وجُرِح فيها عشرات من الناشطين العرب فى معنى رمزى شديد الوضوح. أيكون من حقنا القول بأننا للمرة الأولى منذ هزيمة 1967 نتذكر نكبة 1948 الأليمة على خلفية من الأمل فى استعادة الحقوق الفلسطينية، شريطة أن يكون هذا الأمل مصحوبا برؤية سليمة وجهد فائق للتغلب على الصعاب الهائلة التى تعترض سبل تحقيقه؟

سيقولون أما آن أوان التخلى عن هذا الخطاب من أجل التركيز على الداخل؟ وليس هناك أسهل من الرد على أصحاب هذا القول.

●●●


ذلك أن قوى الثورة المصرية رفعت شعارات وتبنت من المواقف ما يتسق مع منطق السطور السابقة، ناهيك عن أن مصر دفعت ثمنا باهظا «للتركيز على الداخل» فى العهد السابق لعل أزمة مياه النيل التى تعكف السياسة الخارجية المصرية الجديدة على حلها بكل السبل هى أوضح مثال على التداعيات السلبية لإهمال الخارج على حساب المصالح المصرية العليا.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية