الفيل العلمانى بين أردوغان وبشارة - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفيل العلمانى بين أردوغان وبشارة

نشر فى : الإثنين 19 سبتمبر 2011 - 8:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 19 سبتمبر 2011 - 8:45 ص

تخيل نفسك تجلس أمام جزء من فيل ولا ترى جزءه الآخر فى حين يجلس شخص آخر أمام الجزء الآخر من الفيل. أنت مستمتع بأن ترى «الزلومة» وبعض حركات الفيل، فى حين أن الشخص الآخر (لا تؤاخذونى) يجلس فى الجهة المقابلة من الفيل، فلا يستمتع بشىء بل يناله من الجزء الخلفى من الفيل ما يسوءه. لو سألتك عن رأيك فى الفيل، فستروى، غالبا، ما يدعم إعجابك به، ولو سألت الشخص الآخر عن رأيه فى الفيل فسيروى ما يدعم ازدراءه له.

 

انتهى التشبيه، ولنعد إلى موضوعنا الأصلى. تداول الأصدقاء الفيسبوكويون كليبا للمفكر العروبى الدكتور عزمى بشارة ينتقد فيه قطاعا من العلمانيين العرب الذين لم يحسنوا قراءة واستيعاب التراث الإسلامى وما يحويه من قيم يمكن البناء عليها. وهنا غضب بعض العلمانيين وكانت تعليقات بعضهم حادة فى انتقاده لدرجة أن بعضهم اعتبر كلام الرجل يجامل المسلمين المخالفين له فى العقيدة أكثر منه اجتهادا حقيقيا فى الاستفادة من التراث الإسلامى. بل إن بعض الأنسى من ذوى البعد الواحد، كفروا بالرجل، وعلى حد تعبير أحدهم: «كنت أحترمه، لكن سقط من نظرى،» لمجرد أنه تبنى موقفا يخالفه فى الرأى. وكأن المطلوب من كل شخص أن تتطابق آراؤه مع آراء كل شخص آخر تماما وإلا «سقط من نظره».

 

 وفى موقف مقابل، خرج علينا رجب طيب أردوغان، المحسوب مصريا بين الإسلاميين، ليقول لنا: «لا تخافوا من العلمانية» ليتحول الكثير من الإسلاميين لانتقاده باعتباره انتصر لقضية خاسرة فى مصر. وقال أحدهم بلهجة حزينة: «الإسلاميون فى المجتمع العلمانى يصيبهم لوثة عقلية وعقيدية، والدليل ما حدث مع أردوغان.» وكأن الرجل فسق وخرج عن الدين.

 

الحقيقة أننى لا أرى تناقضا بين موقفى الرجلين. لماذا؟ تعالوا نعود إلى «الفيل» مرة أخرى. يمكن أن يطلب إليك أن تغير مكانك من الجلوس أمام مقدمة الفيل إلى الجزء المقابل ونفس الكلام للجالسين فى الجهة الأخرى. ما الحكم الذى ستصدره الآن بعد أن رأيت الجانبين؟ قطعا سيكون مختلفا.

 

هكذا الرجلان، يهدفان إلى التوازن بعد أن رأى كل منهما الفيل وأشقاءه وبدائله بحكم الخبرة والاطلاع. إن التقى أحدهما بعلمانى مبالغ فى رفض الاستفادة من التراث، وجدنا مفكرا عميقا مثل عزمى بشارة يعيدنا إلى التوازن. وإن وجد أحدهما مجتمعا مبالغا فى رفض العلمانية (بالذات فى صيغتها الليبرالية، على ما فيها من عيوب)، آثر على نفسه أن يوضح أن العلمانية هى حقيقة «علمانيات» فما هو فى الصين والاتحاد السوفييتى، ليس ما هو موجود فى فرنسا وألمانيا، وليس ما هو موجود فى انجلترا وأمريكا. وعلينا أن نعرف قبل أن نبنى حكما نهائيا. إسلامنا عظيم ومنهجه قويم، ولكن لم تكن كل الاجتهادات البشرية على نفس القدر من العظمة والقوامة. العلمانية ليست مناسبة لنا فى شكلها التقليدى السائد فى أى من الدول المذكورة، ولكن دراسة هذه التجارب مهم لأن الفقه الحقيقى هو معرفة خير الشرين وشر الخيرين. وهو فقه يحتاج عمقا وسعة ومرونة وتوازنا لا يعرفها من لم يقرأ فى حياته إلا القليل، ومن يعتقد أن رأيه جزء من كرامته.

 

وبما أن من يتخصص فى النظرية السياسية يعيش لفترة طويلة فى عالم الأفكار والفلسفات، فهو يرى الفيل وهو يولد ويكبر ويعيش معه فترة طويلة، فعادة ما يكون أقل الناس إنكارا للأفكار والنظريات قبل تدارس موضع تطبيقها. وبما أن هذا ليس متاحا للكثيرين، فليقل أحدنا ما يظنه حقا فى تواضع، مستعدا لأن يتقبل أن يكون رأيه عين الخطأ.

 

دمتم بخير.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات