ارتفع مؤشر الجنون والعبث إلى أعلى نقطة قبل ساعات قلائل من انطلاق المواجهة الفاصلة بين لاعبى مصر والجزائر على أرض السودان، رأينا التشنج قد بلغ ذروته، فيما هبت رياح التكفير بكل شىء من كل جانب، واندلعت الفاشية والشوفينية فى أعنف صورها فى الخطاب الإعلامى بين أطراف هنا وهناك.

سمعنا أصواتا مصرية بلهاء تخاطب الله وتدعوه وكأنه رب المصريين فقط، وفى المقابل أصوات جزائرية تعتبر الجزائريين أبناء الله.. وقعنا فى الخطيئة ذاتها التى اقترفها الصهاينة حين زعموا أنهم شعب الله المختار.

كل الذين تظاهروا بالعقلانية والاعتدال فى البداية ها هم الآن عراة من أى عقلانية أو قيمة محترمة.. رموا ورودهم على الأرض وداسوها بأقدامهم وأمسكوا بالزمامير والأعلام ودخلوا فى أتون رقصة التعصب والشوفينية المجنونة.

قمة الجهل والانحطاط أن نرى فى أنفسنا الشعب الأحق والأجدر برعاية الله ونصرته.. قمة السفه أن نطلب من الله أن ينزل ملائكته ليقاتلوا معنا ولنا ضد أشقائنا الذين لم يتورع واحد من الجهلاء عن نعتهم بـ«الأعداء».

ومنتهى القبح والعبط أن ينزلق إعلام جزائرى على الناحية الأخرى إلى استدعاء الرب وملائكته للثأر لهم ممن يعتبرهم الطواغيت الفراعنة.

باختصار شديد سقط نفر منا ومن الإخوة الجزائريين فى مستنقع الأساطير اليهودية والصهيونية وراحوا يغترفون منه دعوات وأدعية للقتل وسفك الدماء، من أجل مباراة بين 22 لاعبا فى كرة القدم.

وضعنا عقولنا وأدمغتنا على الأرض ورحنا نركلها بالأقدام فى كل اتجاه معتقدين بكل غباء أن الله جل وعلا يمكن أن يستجيب لهؤلاء التافهين وهم يدعونه لكى يريهم عجائب قدرته فى إخوانهم وأشقائهم.. وأن ينزل ملائكة مسومين لكى يشاركوا فى هذه المهزلة.

ولم يكن العبث بمنأى عن مخاطبة هؤلاء القديسين المزيفين لأشقائنا فى السودان.. فكلا الطرفين يعتبر الشعب السودانى شقيقه هو وليس شقيقا للطرف الآخر.. المصريون تذكروا فجأة أن السودانيين إخوتنا فى الرضاعة من النيل ومن ثم فهم سيكونون عونا لنا للنيل من الجزائر.. والجزائريون فى المقابل يحاولون أن يوغروا صدور السودانيين ضد المصريين، بل لم يتورع أحدهم وهو يقول بمنتهى الجهل أن الخرطوم ولاية جزائرية فى محاولة ساذجة لاستقطاب الشعب السودانى.

ولو كنت مواطنا سودانيا لصرخت فى وجه المتشنجين من الجانبين رافضا أن أكون سلعة فى مزاد لا غالب فيه ولا مغلوب.
ربنا لا تؤاخذنا بما دعاك به السفهاء منا.

wquandil@shorouknews.com