لمسات .. فاتن حمامة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لمسات .. فاتن حمامة

نشر فى : الثلاثاء 20 يناير 2015 - 7:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 20 يناير 2015 - 7:50 ص

منذ خمسة أعوام، التقيت السيدة المضيئة. المناسبة، تكريم مهرجان دبى لها وتكليفى بإجراء حوار طويل معها.. ولأننى، من الجيل القديم، الذى يذهب إلى المحطة قبل وصول القطار بساعة، توجهت إلى فيللا الأستاذة مبكرا، فى المساء.. كنا فى الشتاء، وبرغم لسعة برد ديسمبر، لمحت قطرات العرق تتفصد من جبهة المصور الكبير، الموهوب، رمسيس مرزوق، لتختفى بين شعر لحيته التى بدت مبتلة، كأن صاحبها خارج من الحمام، ولم يجففها بعد.. رمسيس، ومعه عدة عمال، يوزعون لمبات الكهرباء فى الصالة، ويجهزون آلات التصوير.. وهو، بخفة ونشاط، يصعد على السلم الخشبى النقال، ليضع فرخ الجلاتين أمام هذا «البروجيكتور» وذاك.. جلست فى الشرفة أنتظر.

فى الموعد المحدد، بالدقيقة، جاءت فاتن وجهها البشوش محلى بتلك الابتسامة المشرقة، النابعة من قلب دافئ. ترتدى فستانا أنيقا وبسيطا، تصافحنا.. بعد جلوسها بفترة وجيزة، جاء من يحمل صينية عليها فنجان قهوة وكوب ماء. وضعها على منضدة صغيرة، وفى لمسة متحضرة، تعبر عن ذوق رفيع، قامت، لتقدم فنجان القهوة، بنفسها.. وجدت، فى سلوكها الرقيق، ما يستحق أن يشار له، بإعجاب صادق، لم استطع ان أتوقف عن حكايته، للشخص الواحد، عدة مرات.

أثناء الحوار جاء رئيس المهرجان، عبدالحميد جمعة، مرتديا جلبابه الأبيض، حاملا معه الدرع التى ستتسلمه فاتن، لأنها لن تحضر المهرجان بنفسها.

انتقلنا إلى الصالة، حيث سيسجل رمسيس وقائع تسليم الدرع، مع ترحيب نجمتنا بالضيف، مع جملة تحية لشعب الإمارات، وعدة كلمات من جمعة، يقول فيها: أتشرف بتقديم درع التكريم لسيدة الشاشة الأولى.

على اليسار، فى الصالة، ثمة باب، من المفروض خروج فاتن منه، للترحيب بالضيف الواقف فى المنتصف، ثم تبادل العبارات.. طلب منى رمسيس الجلوس على مقعد فى صالون الصالة، كى أصفق عقب تقديم الدرع.. قلت: لا بأس أن أكون «كومبارسا» مع فاتن حمامة.

بعد البروفة، أعيد التصوير عدة مرات.. مرة لأن فاتن سارت بسرعة، ومرات لأن فترات الصمت طويلة، ومرات لأن عبدالحميد جمعة تلعثم، أو نسى ترتيب الكلمات، كأن يقول: درع التكريم هذه أقدمها.. ثم يتوقف.. حمدت الله أننى مجرد «كومبارس» صامت، غير متكلم.

من موقعى، رأيت فاتن حمامة، الواقفة عند الباب، وقد بدا الإنهاك واضحا على وجهها، وإسناد جسمها على خشب الباب.. لكن ما أن تتحرك حتى تدب الحيوية فى كيانها كله.. أقدامها تتحرك بخفة ونشاط، ملامح وجهها تسترد رونقها.. صوتها الرقيق، العذب، يأتى صادقا، محببا.. عندئذ، لمست بوضوح، ذلك الجلد على العمل، والإصرار على إجادته، بصبر، أتاح لها بطولة أكثر من مائة فيلم، فضلا عن عدة مسلسلات.

الحديث مع فاتن حمامة، إلى جانب ذوقه المرهف، يجعلك ترى، بوضوح وبساطة، ما كان خافيا عليك.. فمثلا، من الأمور التى حيرتنا، البحث عن سبب عدم قيام فاتن حمامة بتمثيل إحدى شخصيات نجيب محفوظ. جاءت إجابتها كالتالى: حين انتبهت السينما لروايات نجيب محفوظ، كنت فى مرحلة عمرية تجاوزت أعمار أبطاله، كما لم أكن قد وصلت لسن الأمهات فى أعماله، لذا فاتنى قطار روايات نجيب محفوظ.. أردفت تقول: علاقتى الفنية بالروائى الكبير بدأت مبكرا، من خلال السيناريوهات التى كتبها أو شارك فى كتابتها، ابتداء من «لك يوم يا ظالم» لصلاح أبوسيف 1950، حتى «امبراطورية ميم» لحسن كمال 1972.

عن نجيب محفوظ، قالت: إنه من أذكى وأظرف وألطف من قابلتهم. يدرك المفارقات فى المواقف، يفاجئك بتعليقات ساخرة، شديدة العمق، لا تخطر على بال.

قادنى حديثها عن نجيب محفوظ إلى سؤالها عن الأدباء الآخرين، كيف تراهم، فكريا وإنسانيا.. برحابة، ونفاذ بصيرة، تكلمت عن يوسف إدريس: انه متوقد الذكاء، له نظرته الخاصة للأمور، ودائما، عنده مشروعات لا تتوقف. قصص وروايات ومعالجات سينمائية، يتحدث بحماس عن تفاصيلها، بالطبع، الكثير منها لا ينفذ، ذلك انه بذات القدر من الحماس ينتقل لغيرها.. فى إحدى المرات، عقب حريق الأوبرا، أخذ يروى عن قصة ذات مغزى سياسى، تدور حول امرأة تدخل السجن بدلا من زوجها، وبعد سنوات طويلة تخرج من وراء القضبان فتجد أن كل شىء قد تغير للأسوأ، وان تضحيتها كانت بلا طائل.. عشرات القصص التى حكى لى عنها، مثل هذه القصة، لم تتحقق. إنه متوهج بالأفكار والخيال، يفتح أمامك آفاقا واسعة. كانت الساعات تمر معه كأنها لحظات.

بعيون فاتن حمامة، رأيت جوانب جديدة، فيمن عملت معهم، تستحق فعلا أن تحبهم وتحترمهم: إحسان عبدالقدوس، يوسف جوهر، بركات، يوسف شاهين، يوسف السباعى، وغيرهم.. بعد ساعات من سرد تفاصيل ذكريات ثمينة، غادرت الفيللا، وبرغم البرد والظلام، كنت أشعر بالدفء وألمس الضياء.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات